الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تقاعد المنتخبين

خالد خالص

2018 / 7 / 23
دراسات وابحاث قانونية


ينص الفصل 60 من دستور 29 يوليوز 2011 على أن البرلمان يتكون من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين. وينص الفصل 62 منه على أن أعضاء مجلس النواب ينتخبون بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات وتنتهي عضويتهم عند افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس بينما ينتخب أعضاء مجلس المستشارين بالاقتراع العام غير المباشر لمدة ست سنوات حسب التوزيع المنصوص عليه بالفصل 63.
وإذا كان الترشح للبرلمان سواء بالنسبة لمجلس النواب أو لمجلس المستشارين حق لكل مواطن مستوف للشروط التي وضعها المشرع طبقا للفصل 30 من الدستور فإنه من المفترض أن يكون للمترشح خبرة في الحياة العملية، اكتسبها في القطاع العام أو الخاص أو من خلال ممارسته للتجارة أو الصناعة أو لمهنة من المهن الحرة الخ، ليكون قيمة مضافة للبرلمان لا عبئا عليه. إلا أن الملاحظ هو تواضع مستوى أغلب المنتخبين من جهة وسعي البعض الآخر - إلا استثناء - الى تحويل المؤسسة البرلمانية الى مؤسسة يوزع بها الريع بجميع أشكاله على غرار ما يقع في الكثير من القطاعات بدون أدنى سند قانوني، مما يجعل المغرب بلدا لم يتخط بعد "سياسة الجزر"، وهي السياسة المتبعة أيضا وبحجم آخر في الأقاليم الجنوبية، مما يصعب معه تصنيف المغرب "بدولة القانون" أو "بالدولة القانونية" لأنه لا يحترم مبدأ المساواة أمام القانون والالتزام بالامتثال له طبقا للفصل 6 من الدستور باعتباره يعتمد الريع والتمييز بين المواطنين وهو التوجه الذي خلق قلقا واضطرابا اجتماعيا نتجت عنه فوارق هي في تصاعد مستمر منذ مدة ليست باليسيرة.
ولن نقف في هذه الاطلالة القصيرة سوى على تقاعد البرلمانيين الذي أثار جدلا في الآونة الأخيرة باعتبار أن صندوق التقاعد والتأمين راسل مجلس النواب ليخبره بأنه سيتوقف على صرف معاشات البرلمانين " المتقاعدين" ابتداء من شهر أكتوبر 2017 لأنه لم يعد يتوفر على السيولة الكافية للقيام بذلك باعتبار أن الرصيد الإجمالي المسجل عنده بتاريخ 15 شتنبر 2017 لا يتعدى مبلغ 297.238،31 درهما.
وبناء على رسالة الصندوق لرئيس البرلمان راسل هذا الأخير النواب ليخبرهم رسميا بالأمر مما دفع البعض منهم الى طرح بدائل على شكل مقترح قانون بتعديل القانون الأصلي للخروج من الأزمة. وقد حاول البعض اقناع المغاربة بمشروعية التقاعد مركزين خطاباتهم على ضغضغة العواطف بدل التركيز على القانون وعلى المنطق والأخلاق.
وللإحاطة علما بالموضوع أكثر، فإنه من اللازم الوقوف على المركز القانوني للبرلماني وعلى العقد الذي يربطه مع الناخب الذي صوت عليه لتمثيله، لمعرفة هل يدخل هذا العقد في إطار الوظيفة العمومية أم هو عقد شغل أم أنه عقد وكالة برلمانية أم عقد من نوع آخر.
وللإجابة على هذا السؤال فإنه لابد في البداية من التركيز على أن ولاية البرلمان ولاية محددة المدة من جهة بمقتضى الدستور وأن البرلماني من جهة أخرى ليس بأجير لدى الناخب لأنه مستقل عنه اقتصاديا ومستقل عنه في قراراته يعبر عن قناعاته بحرية ولا يتلقى منه تعليمات كما أنه ليس بموظف تابع للوظيفة العمومية ومن تم للسلطة التنفيذية لان السلطة التشريعية التي ينتمي اليها البرلماني مستقلة عن السلطة التنفيذية. فهو لا يتلقى هنا أيضا أية تعليمات من الجهاز التنفيذي كما أنه لا يتوصل مقابل المهام التي يقوم بها براتب بمفهوم الأجر من الوظيفة العمومية بل يتلقى "امتيازات" متعددة وتعويضات مختلفة من ميزانية البرلمان تنتهي وتتوقف بمجرد نهاية الولاية التي انتخب من أجلها.
فهل يحق للبرلماني الذي تربطه بالناخبين وكالة برلمانية - mandat parlementaire -محددة المدة أن يحصل على تقاعد عند نهاية الولاية التي انتخب من أجلها وكيف للبرلمانيين تمويل صندوق أو صناديق المعاشات الخاصة بهم ؟.
للإجابة على هذا السؤال أيضا نرى من الضروري طرح الاشكالية من الناحية القانونية الحالية قبل الانتقال الى الزاوية الدستورية والقانونية والأخلاقية الصرفة. "فتقاعد" البرلمانيين سن بمقتضى قانون 24-92 لسنة 1993 بتنظيم معاشات البرلمانيين الذي تم تمديده الى المستشارين بمقتضى قانون 53-99 لسنة 2000 والمعدل بقانون 2006. ولتمويل صندوق المعاشات والتأمين يقتطع من تعويضات كل برلماني مبلغ 2900 درهم شهريا كما يؤدى للصندوق مبلغ 2900 درهم شهريا من ميزانية البرلمان إضافة إلى المساهمات السنوية المهمة للدولة على أن يصرف للبرلماني مبلغ 1000 درهم شهريا عن كل سنة قضاها بالمؤسسة التشريعية فور انتهاء الولاية التي انتخب من أجلها شريطة ألا يتعد المعاش مبلغ 30.000 درهم مهما بلغ عدد السنين التي قضاها في المؤسسة التشريعية.
و أمام عجز صندوق التقاعد والتأمين في الاستمرار في أداء معاشات البرلمانيين ارتأى مؤخرا كل من فريق العدالة والتنمية وفريق التجمع الدستوري وفريق الحركة الشعبية وفريق الاتحاد الاشتراكي والفريق الاستقلالي ومجموعة التقدم والاشتراكية، تقديم مقترح يجعل المعاش يصرف عند بلوغ البرلماني سن 65 سنة والتركيز على أن التمويل سيتم من قبل مساهمة المعني بالأمر ومن قبل المؤسسة التشريعية ومن قبل الدولة المغربية وهو ما فتح الباب على مصرعيه أمام المجتمع المدني بصفة عامة وأمام الناشطين الجمعويين بصفة خاصة للمطالبة بإعادة النظر في أحقية البرلمانيين للمعاش.
ولا بد من التأكيد في البداية على أن لا أحد يجادل في أحقية كل مواطن مغربي في الحصول على شغل وعلى راتب أو أجر يضمن له العيش الكريم . ولا أحد يجادل أيضا في أحقية كل مواطن في المساهمة في صندوق أساسي أو في صناديق تكميلية للتقاعد طبقا للفصل 31 من الدستور. بل من حق أي كان اللجوء إلى البنوك كذلك لتوفير تقاعد تكميلي الى جانب تقاعده الرسمي.
غير أن المهام النيابية لا تشفع أخلاقيا للبرلمانيين في الحصول على تقاعد إلا إذا كان تمويله يتم من مالهم الخاص لا من ميزانية البرلمان أو من ميزانية الخزينة العامة لان الأمر لا يتعلق بوظيفة أو بعمل بل بوكالة برلمانية محدودة المدة بناء على انتخابات تشريعية.
ولا يفهم هنا موقف رئيس البرلمان الحالي ولا يفهم نداؤه لرئيس الحكومة لإيجاد حل للازمة التي اندلعت في بداية أكتوبر الماضي عندما توقف صندوق المعاشات والتأمين عن الأداء لان النداء يشكل ضربا لاستقلال السلطة التشريعية التي أصبحت "تستجدي السلطة التنفيذية" لكي تساهم في تمويل معاشات البرلمانيين.
ولا تفهم أيضا الخرجات الإعلامية لبعض البرلمانيين الذي يدافعون باستماتة على تمويل معاشاتهم من ميزانية البرلمان ومن ميزانية الدولة والذين يفضلون سياسة ضغضغة العواطف بالقول بأن البعض منهم يعيش حالة الفقر المدقع كما أن البعض منهم اضطر إلى نقل أبناءه من التمدرس في القطاع الخاص الى التمدرس في القطاع العام. وهنا نستحضر مع الأسف المثل المغربي القائل بأن "العذر أكبر من الزلة" إذ أبانت هده الخرجات بأن بعض النواب لم تعد لهم الثقة في التعليم العمومي مما يطرح تساؤل آخر عن دور البرلمان في مراقبة السياسة التعليمية والبحث العلمي للحكومة للوقوف على مسؤولية تردي أوضاع هذا التعليم الى درجة نفور جل الطبقات الميسورة والمتوسطة منه وإصدار توصيات لمن يهم الأمر لإرجاع الثقة في التعليم العمومي المغربي.
وعلى أي وحتى لا نزيغ على الموضوع فإنه مهما شرع البرلمانيون لأنفسهم من امتيازات ومعاشات فإن الأمر سيكون له ربما الشرعية القانونية ولكنه لن تكن له الشرعية الأخلاقية بتاتا.
ولابد من الإشارة أيضا الى وجود العديد من المنتخبين و العديد من المجالس الأخرى الى جانب مجلسي النواب والمستشارين كمجالس الجهات و العمالات و المدن والمقاطعات وكالمجلس الوطني لحقوق الانسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للتعليم ومجلس المنافسة وغيرهم ناهيك عن مجالس المهن الحرة كمجالس هيئات المحامين ومجالس الأطباء والصيادلة والعدول والموثقين الخ وكذا مكاتب الجمعيات المدنية الذين يرتبطون بالناخبين بعقد وكالة محدد المدة أيضا والذين سيطالبون الدولة بدورهم غدا بتمويل معاشاتهم من خزينة الدولة على غرار البرلمانيين والمستشارين.
وهنا تطرح مرة أخرى الإشكالية المرتبطة بسياسة الريع المتبعة في المغرب على جميع المستويات وحتى قبل الاستقلال والتي تنخر البلد وتكرس الفوارق الطبقية وتزكي انعدام المصداقية في جميع المؤسسات التي زاغت عن دورها لما أصبحت أصلا تجاريا مدرا للدخل بالنسبة للكثير من المنتسبين إليها.
وإذا كان من السهل تغليف انعدام الشرعية وحتى انعدام المنطق بالقواعد القانونية فسيبقى المشكل الأخلاقي قائم إلى أن يتم القضاء على هذه الممارسات وعلى العقلية الانتهازية التي أصبحت هي الغالبة في المجتمع المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية


.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور




.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة


.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •




.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ