الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الثاني 1

دلور ميقري

2018 / 7 / 26
الادب والفن


وكان على مراكش، في هذه المرة، أن تتنفس من خلال خيال امرأة أجنبية أخرى. سلفتها، المنكودة الفأل، ما تفتأ عيناها الآسرتان تواجهان سماءَ المدينة فيما هما لابثتان تحت ترابها المائل للحمرة، المجلوب من الجبال المجاورة. ولقد رأت صاحبةُ تلك العينين صنوفَ المهانة والألم، الغدر والخيانة، الإنكار والجحود، رأت كل ذلك قبل أن تثوي في مدفن منسيّ بإحدى مقابر المدينة.
طفولة السيّدة السويدية، المتماثلة في بعض منعطفاتها مع طفولة الأخرى، كانت تتجلى في أفق المدينة الحمراء، أبعد من المدى المتاح لنظرها وهيَ على شرفة الفندق الفخم، الذي وجدت نفسها فيه بمساعدة ذلك الرجل اللجوج. عوضاً عن قرص الشمس الأصفر، المتربع في منتصف السماء ـ كراية شعبٍ تعرفه حق المعرفة ـ عوضاً عنه، كان يرتسم مشهدٌ ناصع البياض ينبثق من الضباب مع ذكريات أسرةٍ تعسة، متوحدة، كأنما لمت الصدفة شملَ أفرادها الأربعة. غابة من الأشجار الصنوبرية، تلف الكوخ من جوانبه الثلاثة مثل غلالة خضراء، وخطى صغيرة آثارُها شبه خالدة على الثلج ـ كالوشم على معصم صبيّة بربرية.
وتنطلق من غابة العُمر وعولُ الذكريات، لتنحدر من أفق المدينة الحمراء اللا مرئيّ إلى حيث موقف طفلة الأمس، تجتاز دروباً جليدية زَلِقَة تحتَ شمسٍ شاحبة كي تصل إلى ذلك الكوخ، المنقوش على بوابته الخشبية رمزَ القرص الأصفر، الموحي بالحنين إلى فصل الدفء والزهر والطير والسباحة والسياحة. هنالك يتهادى قطيعُ الذكريات، صارخاً باسم الطفلة بأصوات بشرية تنتمي للرقة كما وللقسوة، للحكمة كما وللحماقة، للحلم كما وللكابوس.
كانت وشقيقتها، التي تكبرها بعام واحد، مربوطتين بالتعاسة حالُ توأم مع حبل سريّ يتصل برحم الأم. كانتا ضحيتين لأبوين مدمنين لا مباليين، سلّماهما عن طيب خاطر لمسئولي الرعاية الاجتماعية ومن ثمّ لأسرة غريبة لتنشآن مع ولدها الوحيد.

***
من خلف غلالة الذكرى، كانت إحدى الشقيقتين ترنو إلى أفق المدينة الأزرق، اللا مرئي، المركونة خلفه قارتها البيضاء مفصولة عن شقيقتها، السمراء، ببرزخ من ذات اللون. تستردُ " تينا " نفسها سريعاً، مدفوعة بإلحاح المعدة المتطلّبة. إنها لم تكد تتبلّغ شيئاً في هذا النهار، غير الوجبة الهزيلة على متن الطائرة السويدية. ولعلها موعودة بوجبة أخرى، أوفر ولا غرو، من المطبخ المغربيّ ذي الأصناف السائغة، سيقدمها مطعمُ الفندق على حدود الثالثة عصراً. بعيد انحسار شريط الذكريات، عادت لتشعر بثقل الوحدة مما جعلها تشغل نفسها بتأمل آيات فن العمارة المحليّ، المحيط بها من كل الجهات، ومن الأرض كما السقف ـ كما لو أنه نموذجٌ مصغّر لمتحف مستحيل، لا يُرام.
طقطقة الأحذية على الرخام، هنالك في مطعم الفندق المطل على الطبيعة، كانت تجعلها متوترة في كلّ مرة. كانت تنتظرُ مَن تدعوه، " عبد "، متمنية أن يشاركها الغداء مثلما وعدها قبيل توجهه إلى منزل أقاربه في المدينة القديمة. أخذت تلهي معدتها ببعض حبات الزيتون، المصبوغة خضرتها بأحمر الشطّة الحارّة، وكان النادل قد وضعها على المائدة للتوّ مع المقبلات. شجيرات نخيل الزينة، المنتصبة كالأشواك، تتمايل بفعل تيار المكيّف الملطّف جو صالة الطعام. لا بدّ أن الحرارة مرتفعة للغاية، فكّرت السيّدة السويدية، ثمة في الخارج وربما يشعر الآنَ بوطأتها رفيقُ رحلة القطار.
" ولكن، ماذا لو كان الرجلُ مجردَ سمسارٍ وظيفته هيَ جلب الزبائن للفندق؟ "، راودتها هذه الفكرة الساخرة على حين غرّة. كانت تتسلى باستعادة ذكرى سمسار رحلة أغادير، الذي قادها وصديقها القديم إلى فندق يقع على طرف ساحة المدينة الأكبر، كانت كذلك إذاً، آنَ سماعها وقع خطوات ثقيلة فوق الأرضية المرخّمة. وأجفلت لوقع المفاجأة، مع أنها كانت ما تنفّك تفكّر بالرجل مُستعاداً على شكل سمسار. كان " عبد الإله " يقف بمقابلها مبتسماً بودّ، شأنه حينَ تركها قبل ساعتين في عهدة موظف الاستقبال، المتأنق مظهراً ولغةً ـ كغندور.
" أوه يا صديقتي، أرى من محياكِ أنك مدنفة جوعاً! "، خاطبها بطريقة مسرحية من بُعد خطوتين. أشارت له مبتسمة للكرسيّ المقابل، هازة رأسها توكيداً لملاحظته الثاقبة. ولكن حضوره أسعدها ولا شك، طالما أن المعدة لن تضطر للإلحاح أكثر. هكذا باشرا فوراً بالتهام أطباق المقبلات، يتراشقان بين حينٍ وآخر بجمل مقتضبة، منذورة للإشادة بالمطبخ الشرقيّ أو مقارنة بصنوه الأوروبيّ. وظهرَ أنّ مَن تدعوه، " عبد "، ضليعٌ أيضاً بثقافة البطن مثلما حاله مع ثقافة الرأس. بيْدَ أنه هنا أيضاً، لم يعدم مناسبةً للتحامل على خصمه الأدبيّ، المفترض.
" كنتُ أتعهد مطبخ صديقي الأمريكي، فريدرك بوول، عندما يكون خادمه خارج المنزل في اجازة أو مهمة ما. وكانت أطباقي تحوز إعجابه، وكذلك الأمر مع الشاي المنعنع! في الأثناء، يكون هوَ مشغولاً بترجمة بعض قصص صاحبك محمد شكري وبحضوره غالباً. ولم يكن شكري ليتحرك من مكانه، كي يقدم خدمة للرجل العجوز، وعلى الرغم من كونه بالأساس خادماً عريقاً في بيوت مشبوهة وموبوءة! "، قال لها وهوَ يمضغ طعامه بشراهة. إلا أنه، أمام زهدها بالتعليق، انتقل دونما اكتراث إلى سؤالها عن طبيعة مهمتها في مراكش وما إذا كان في وسعه تقديم مساعدة، أو مشورة على الأقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم