الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الإعلامية على العقل الإنساني - 2

أيمن عبد الخالق

2018 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحرب الإعلامية على العقل الإنساني – 2
"عندما نعلم الناس التفكير، فإننا نحررهم، وعندما نلقنهم، فإننا نضمهم للقطيع"
بعد الفراغ من بيان حقيقة العقل الإنساني من الناحية الفلسفية، وانقسامه إلى نظري وعملي، ننتقل للبحث العلمي حول مخ الإنسان، والذي يعتبر في نظر الحكماء آلة العقل الإنساني، وليس هو نفس العقل كما يظن بعض العلماء والأطباء، لكي نتعرف على آخر اكتشافاتهم العلمية حول أسرار هذا العضو العجيب، والذي يتحكم في كل أعضاء جسم الإنسان، وينظم إدراكاتها، ومشاعرها، وحركاتها.
يعتبر مخ الإنسان أكبر مخ من ناحية الكتلة من بين سائر الكائنات الحيوانية، وأعقدهم من الناحية البيولوجية، وأكثرهم قدرة على السيطرة على الانفعالات النفسانية.
ومايهمنا معرفته هنا، هو أنّ العلماء قد اكتشفوا أنّ مركز التفكير(thinking center)، يقع في الفص الأمامي من المخ، وأنّ مركز التحكم في العواطف والانفعالات (limbic system) يقع خلفه ويحيط به، بحيث تمر المعلومات أولا عليه، قبل أن تصل إلى مركز التفكير.
وهذا يكشف لنا مسألة خطيرة جدا، وهو مدى تحكم العواطف والانفعالات في عملية التفكير الإنساني، الأمر الذي يفقد الأنسان في أغلب الأحيان القدرة على التفكير الموضوعي، وبالتالي العجز عن الوصول للواقع في نفسه، حيث يسعى كل إنسان لتصديق مايحب أن يصدقه.
ومن أجل ذلك فقد نصح الحكماء منذ زمان بعيد بالتبكير في دراسة العلوم العقلية، وممارسة التفكير المنطقي العقلي المستقل، من أجل عقلنة العواطف والانفعالات، بحيث يصبح الإنسان محبا لطلب الحقيقة أينما وجدها، ومتى وجدها، ولايكون متابعا لعاداته وتقاليده وموروثاته الدينية والاجتماعية ، أو انفعالاته ومصالحه الشخصية والفئوية بنحو أعمى متعصب.
كما اكتشف العلماء والأطباء أنّ العقل في الإنسان ينقسم إلى عقلين، عقل واع موجود في الفص الأيسر من الدماغ، وعقل لاواعي موجود في الفص الأيمن منه.
اما العقل الواعي فوظيفته فرز المعلومات المتدفقة على ذهن الإنسان، وتحليلها وتركيبها منطقيا، بحيث يسمح بدخول مايراه مناسبا(accept)، ويرفض مايراه غيرمناسب(reject) .
فالعقل الواعي هو بمثابة الحارس الأمين الواقف على بوابة العقل الإنساني، ليراقب كل مايدخل إلى الداخل، وبالتالي المحافظة على الصحة العقلية للإنسان.
أما العقل اللاواعي، او كما يسمى أحيانا بالعقل الباطن، فهو بمثابة الكمبيوتر(hardware)، المتضمن لكل المعلومات والصور والمعاني والخواطر والذكريات، بالإضافة إلى المشاعر والعواطف والأحاسيس، التي تشكل البرنامج العلمي ، والنظام الفكري للإنسان (paradigm)، وبالتالي يشكل المبدأ القريب لكل أفعال الإنسان الاختيارية من رؤى ومواقف، وأحكام، والتي تصدر بتلقائية من الإنسان على طبق هذا البرنامج الفكري المتكامل(software)، وتمثل في النهاية مفتاح شخصية الإنسان في هذه الحياة.
والحالة الطبيعية للإنسان العاقل هو أن يقوم بنفسه عن طريق عقله الواعي المنطقي، وبنحو مستقل، ببرمجة عقله الباطن، بالنحو الذي يتناسب مع طبيعة الإنسان، بحيث تصدر أفعال الإنسان بالنحو المناسب له ، وللمجتمع البشري.
ولكن وللأسف الشديد، فإن أكثر الناس، ولأسباب نفسية واجتماعية متعددة، لايسعون للاعتماد على عقلهم الواعي، ولايعملون على تنميته وتهذيبه، وتطويره، وبالتالي لايتمكنون من التفكير العقلي المنطقي المستقل، ويدعون غيرهم يفكرون بالنيابة عنهم، وبعبارة أخرى لايتمكنون من برمجة عقلهم الباطن بالنحو الذي يرونه مناسبا لهم، وبالتالي لايقدرون على أن يبنوا مستقبلهم بأنفسهم، فيصبحوا جزءاً من مستقبل غيرهم.
وقد سعت قوى الشر العالمي الانتهازية منذ قديم الزمان، إلى تخدير وتنويم العقل الواعي عندى عامة الناس، بشتى الطرق والوسائل الثقافية والإعلامية والسياسية، من أجل أن يقوموا بعد ذلك ببرمجة عقولهم الباطنة بالنحو الذي يخدم مصالحهم، ويحقق أطماعهم غير المشروعة، فعندما ينام الحارس، يُستباح البيت.
ولذلك نجد تكالب وتصارع هذه القوى الانتهازية للسيطرة على وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل السيطرة على العقول، وبرمجتها بالنحو الذي يخدم مصالحها، حيث يتم ضخ آالاف المعلومات والبرمجيات المتنوعة، لتخدير العقل الواعي، وبرمجة العقل اللاواعي، وسنشير لاحقا إلى بعض أساليب هذه المؤامرات المختلفة على العقل الإنساني، والمجتمع البشري، والتي سيتبين لنا أنها تهدف كلها إلى شيء واحد، وهو منع الناس من التفكير العقلي الواعي المنطقي المستقل، والذي يمكن أن يؤدي إلى تمرد الشعوب وثورتها عليهم بعد ذلك، ولذلك نجدهم حريصين كل الحرص على إلهاء الناس، وتعطيل عقولهم، ليسهل انقيادهم لهم بعد ذلك، ليعبثوا بمقدرات الشعوب كما يحلوا لهم، بعيدا عن الرقابة العقلية.
والأمر المؤسف أيضاً، أننا نجد أكثر علماء التربية ، وأطباء النفس، وأخصائي التنمية البشرية، مشغولين بالبحث والتحقيق عن أحوال العقل الباطن، وعقده، ومشكلاته المختلفة، دون البحث عن أحوال وقوانين العقل الواعي.
وعلى الرغم من تحقيقهم بعض الانجازات العلمية، عن طريق تطوير بعض مهارات التفكيروالتواصل، والسلوك الجزئي، ونجاحهم في حلحلة بعض المشاكل النفسية، إلا أنهم لم يسعوا للبحث عن أحوال العقل الواعي، الحارس الأمين للعقل الإنساني، والمسؤول الأول عن برمجة العقل الباطن، ولم يوفقوا لاستكشاف قوانين العقل الواعي، الأمر الذي أدى إلى انتكاسات مستمرة للعقل الباطن بعد تطويره، وتطهيره من العقد النفسية المختلفة، لأنه مادام الحارس نائما، وأعداء الإنسانية مستمرين في برمجته السلبية بما يخدم مصالحهم، وفسوف تعود هذه العقد والمشاكل مرات ومرات، وستظل الشعوب ترزح تحت نير هذه القوى الشريرة، بلا أي أمل في التحرر من أسرها، والخروج من هذا النفق المظلم.
ومانرجوه ونتمناه من العلماء والأطباء والأخصائيين، هو أن يبذلوا المزيد من الجهد للعناية بالعقل الواعي للناس، والتعرف على قوانينه الطبيعية، والتي سبق وأن اشرنا إليها في المقالات السابقة، من أجل رفع مستوى المناعة الفكرية، وتحصين الناس من الفيروسات المعلوماتية التي تتدفق على عقولهم بالليل والنهار، بهدف تخريب الملفات الذهنية ، وتسخير عقول الناس بالنحو الذي يريدونه.
وسوف نشير في الحلقة القادمة إلى استراتيجيات قوى الشر العالمي للقضاء على العقل الإنساني، والهيمنة على الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية