الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية ( عزلة صاخبة جدا )

زهير إسماعيل عبدالواحد

2018 / 7 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


[قراءة في رواية (عزلة صاخبة جدا) (بوهوميل هرابال) بترجمة الأخ والصديق والشاعر
(منيرعليمي) من تونس

"خير جليس في الزمان كتاب" هذا ما سجله ُالمتنبي قبل مئات السنين عن مُصاحبة الإنسان للكتاب بوصفه أنيسًا يُقيم للمرءِ عالمًا صاخبًا بالأفكار، خاليًا من الإكراهات المُضنية، وبذلك تُصبح الوحدة الاختيارية عالمًا مُستقلًا له خصوصياته المميزة عن المناخ الخارجي، وهي الحالة التي تراها بصورة أخرى لدى بطل رواية "عزلة صاخبة جدا" (المتوسط 2017، ترجمة: منير عليمي) للكاتب التيشكي بوهوميل هرابال.

تتخذ حياة بطل "عزلة صاخبة جدًا" منحى أحادي البعد، وتتكرر الوقائع يوميًا كسلسلة

ما ينضافُ إلى عالم هانتا هو الآلة التي تسحقُ الكتب، والعاملُ بدوره يقضي أيامَهُ في متابعة العناوين التي تلتهمها الآلة الهيدروليكية، التي تبدو في صورة وحش فاتح فمه على شتى الكتب والأوراق العتيقة، إذ ينقلُ لك هانتا انطباعاته عما يمرُ أمامه من المؤلفات المُتنوعة، كما أن قبو منزله لا يختلفُ عن بيئة عمله، بل يُمنّي نفسه بنقل آلته إلى البيت حالما يبلغ سَن التقاعد، ولدى عودته إلى البيت يحملُ معه أكوامًا من الكتب التي صارت شغله الشاغل، بحيثُ قلما ينتبه لما يدور حوله، إذ أن أصداء أفكاره وطنين تخيلاته تغلبُ على الضجيج الخارجي في الشارع والطرق، ولا يرى أضواء الإشارات وعلامات المرور، وتختارُ خطواته دربًا وحيدًا معتادًا عليه يوميًا.

لا تخلو رواية "عزلة صاخبة جدًا" من المؤشرات التي تُعين البعد المكاني في الرواية، حيثُ مدينة براغ ومعالمها تلقي بظلالها على أجواء العمل، وتطيب للبطل الضد نسائم نهر الفلتافا عندما يعبرُ ساحة المدينة وتروق له منتزهات، وأحيانًا يركنُ إلى إحدى البارات غير أن ما يلاحقه بالاستمرار هو طنين الآلة، التي لا يوجد ما يماثلها إلا سيف ديموقليس.

جنة مفقودة

يتخذُ مسار حياة هانتا منحى أحادي البعد، وتتكرر سلسلة من الوقائع يوميًا كما أن أفق علاقاته محدود جدًا، ونادرًا ما يتواصل مع الآخرين باستثناء من يسميه بأستاذ الفلسفة الذي يعطيه مبالغ مالية بين فينة وأخرى، كما يقدم هانتا من جانبه خلاصة المقالات المنشورة عن المسرح في الصحف لمن يسميه بالأستاذ، فالأخير يوصيه أيضًا بحسن التعامل مع الرجل العجوز، أضفْ إلى ذلك أن المادة المسرودة لا تخلو من صور الماضي، حيث يستمدُ هانتا من ذكرياته مع مانسا ما يخفف عليه قسوة الحاضر ومنغصات عيشه، ولا ينسى دعواته الملحاحة بالانتقال الذي تقيم فيه، بالتجاور مع ما يحكيه عن أيامه الرتيبة وإفصاحه عن انفعالاته الداخلية وهروبه من النوم بإسرافه في شرب البيرة.

يتناول الراوي تجربته مع الغجرية التي تظل مجهولة الاسم حتى نهاية الرواية، وهنا يكشفُ وجهًا آخر من حياة هانتا يبدو فيه مع الغجرية أكثر صفاءً وبساطةً، غير أن هذه الحالة لا تدوم وذلك بعد اختفاء الغجرية ومن ثُمَّ يقرأُ في الصحف بأنها وقعت في قبضة الغاستابو، وحين يخيبُ أمله بعودة عشيقته بعد نهاية الحرب يُحرقُ الطائرة الورقية، التي كان يطلقها الاثنان إلى السماء تعبيرًا عن سعادة عارمة.

نحن أشبه بحبات زيتون، فقط عندما نسحق نُظهر أفضل ما لدينا

يترددُ هانتا مقولته التي هي وليدة لتجاربه "أن الجنة ليست إنسانية ولا أي شخص له رأس بين كتفيه هو إنساني". يتضحُ مما يذكره مُتلِف الكتب نزعته العبثية تجاه الأمور الحياتية، نتيجة ما عاشه من المرارة على الأصعدة كافةً، خصوصًا معاناته العاطفية مع مانسا التي لا يستطيعُ أي من الشمبانيا أو الكونياك أن يمحو صورتها من ذهنه.

التحول

ما يؤثث عالم هانتا هو الكتب والآلة التي يراقبُ أزرارها باستمرار وهي تسحق الأوراق القديمة، وبما أن العمل الروائي يتكئ على الرسالة التي يحملها، إضافة إلى أبعاده البنائية، لذا فإنَّ إدراك مكونات تلك الرسالة يصبحُ جزءًا من انشغالات المتلقي، وما يظهر بوضوح في رواية "عزلة صاخبة جدًا" هو محاولة كاتبها إماطة اللثام عن تهالك حياة الإنسان في الأنظمة الشمولية، إذ تتضاعف محنته إثر تغول الآلة لدرجة أن التطورات التكنولوجية تفرض شروطًا جديدة عليه، إلى حد أنه يصبحُ كائنًا مراقبًا ومتفرجًا بدون فاعلية، لذلك يرتعبُ بمجرد أن يرى الآلة الجديدة التي يروج لها الحزب الاجتماعي الذي هو نموذج لكل الأحزاب التسلطية، وما يُفهم من ذلك أنَّ الأنظمة الكليانية تتغلغل أكثر من خلال تجنيد الآلة في كل جزئيات الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس