الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن التأمل

حارث زهير الحكاك

2018 / 7 / 30
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


فـــــــن التأمــل The Art of Meditation

(1) نظــــرة عامـــــة
التأمل Meditation مصطلح أطلق على ممارسة بعض الناس في حصر تفكيرهم بالحاضر، وتوقفهم عن التفكير بالماضي والمستقبل، وتحرير أدمغتهم من هذا التفكير، وتدريبها على فهم الحاضر الواقع. إن الخبير بممارسة التأمل الفكري ( Contemplation ) مقتنع جدا بأن هذه هي الطريقة الصحيحة لعملية التفكير، وذلك عن طريق تحرير الدماغ من المبالغة في التفكير و التفكير بعملية التفكير نفسها لإيجاد الحلول والمخارج، وكذلك بالقلق نفسه وعواقبه، والذي يؤدي إلى أنواع من الضغوط النفسية، واللجوء إلى التفكير بأنانية في كلمة ( أنا)، التي هي وحدة قياس أستنبطها الإنسان من اللاشيء، مثل الكيلو والمتر.
يصف البعض فن التأمل ( وأنا هنا أطلق علية كلمة فن بكل إصرار) بأهم ما توصل إليه الإنسان من انجازات في ترويض نفسه، بسبب طبيعة الدماغ أو القلب، وأهميتهما لإدامة الحياة، مما يحتم التقرب منهما بسلوك (راغب بفعل ذلك) وليس بسلوك ( لازم أفعل ذلك)، ففي هذا اليوم وفي هذا العصر أصبح السلوك (لازم أفعل ذلك) هو السند الطبيعي لإنسان الوقت الحاضر.. مع هذا ، حالما يدخل الإنسان هذه الحالة من التأمل التفكري سيصل إلى النقطة التي تفصل نفسه بها كمتعلم عن المتعلمين بهذا الفن، وكلما زادت ممارسته بها، يزداد إتقانه لها وتزداد هي كمالا.
بقي أن تعرف عزيزي القارئ ، أن أهم شيء مرتبط بعملية التأمل التفكري هو اكتشافك صعوبة إقناع الآخرين (ذكورا وأناثا) بتفهم الحقائق التي تكتشفها أثناء الانفراد الفكري بعملية التأمل (وهي كثيرة جدا)، وذلك لأن القابلية العالية والواسعة للدماغ ستقوم بتوزيع ونشر تلك الحقائق، كل حسب موقعها وزمانها فلقد قيل (وبيع للناس) بأن التأمل الفكري ممارسة جيدة لك بالضبط مثل التمارين الرياضية لعضلات الجسم والتمارين العقلية بتنشيط خلايا الدماغ والذاكرة.، ولكن يجب عليك أن تأخذ بنظر الإعتبار أن ما قيل عن نتائج التأمل الفكري تختلف من فرد لأخر وذلك لأن كل إنسان فريد من نوعه حتى بين الأخوة المولودين من نفس الأم والأب. لذا عليك أن لا تكون تابعا تكرر ما يقولون، بل يجب عليك أن تكتشف بنفسك خفايا التأمل الفكري، لأنه بصراحة لا أحد يعلم بالضبط ما هو فعله على دماغ ونفسية الإنسان لحد الآن، خصوصا مسألة الاجابة على السؤال المهم، لماذا لا يستطيع البعض ممارسة التأمل الفكري؟
لذا لأجل تخفيف الضغط النفسي والإسترخاء، ولأجل الأهم من ذلك، (مسألة تحسين النفس)، نرى أنتشار النوع المدني من التأمل الفكري
( Secular Meditation ) في العالم، بحيث أصبح يتماشى مع الأفكار الغربية و (سرعة الحياة). فإذا كان الفرد يبحث عن مثل هذا النوع من التأمل الفكري، إذن يجب عليه أن يفهم جيدا معنى قوة الإرادة ( Will Power ) و دوافع الغرور وحب الذات ( الأنا). وهذا يعني أن مثل هذا النوع من التأمل الفكري غير مرتبط مع نمو الروح الحقيقي
إن ممارسة التأمل الفكري الروحي (Spiritual Meditation) وتنميتها لا علاقة لها بطبيعة قوة الإرادة، وذلك لأن ممارسة التأمل الفكري وحدها تحتوي على جوانب مهمة في مناقشة ومصارحة النفس (Self Debate)، عندما لا يقوم الفرد بسؤال نفسه ومناقشتها رغم أنه يستطيع ذلك، لذا أضيف إليها المصطلح (الروحي) وتم قبوله. أنا لا أعني بذلك أن هناك كينونة أخرى داخلك، أو أن هناك إمكانية الحصول على إضافة في صحوة الأحاسيس، أو أن كل هذا عبارة عن هلوسة معتقد بها، لأن الأعماق التي في داخلك دائما تعي ذلك، وتفرض عليك الشعور بأحاسيس لتوقعات وحقائق أكبر.
إن التفكير العميق والتركيز هما غير التأمل الفكري، ولكن نحن، كبشر، لا نعرف الكثير عنه، ولكنه يظهر أنه ملاحظ من قبل آخرين وأصبحوا يعرفون عنه الكثير. في الحقيقة، بما أن عملية التفكير تكون عادة ضمن ممارسة التأمل، أصبح من الصعوبة على الإنسان إيقاف عملية التفكير، لأن ذلك يسبب تأثيرات سلبية على عملية الدخول في حالة التأمل. فكل فرد قادر على أن يمارس التأمل، خصوصا عندما نأخذ بنظر الإعتبار الحقيقة أن الإنسان يهتم جدا بمسألة الوقت، وكيف يستطيع إيجاده وتوفيره. فأنا أفكر قي ، بعض الأحيان، في الحاجة الحقيقية لوقت أكثر، فليس من الصعب أن نوافق على زيادة عرض أو طول اليوم أو الشهر أو السنة. ولكن هذا بطبيعة الحال يعود لنا ، ولقابلياتنا في إيجاد قلقا أكثر لملأ اية من هذه الزيادات المضافة، وهكذا يستمر الحال، ولكن كل هذا كان قد قيل كمحض أفتراض مضحك، في حالة فترة من السعادة، كما هو الحال عندما نشعر ونتمتع بجمال صباح مشرق، بينما الباقين ما زالوا نائمين في فراشهم، أو ربما حتى ونحن في الحمام وتحت دوش قوي من الماء الساخن المنعش للدورة الدموية، أو ربما ونحن جالسين ضمن مجموعة من المتفائلين المتمتعين بمشاعر مرتفعة.
2) كيــف نمــارس التأمـــل؟
التأمل ليست ممارسة وحدانية، بالرغم من أنها تظهر للأعين بأنها كذلك، بل على العكس يكون المتمرس في التأمل على درجة كبيرة من التفاعل مع الآخرين، بهذا أٌقصد بأن المتأمل الجيد قد يدهشك بأجوبته الحاذقة عن اي سؤال يوجه إليه، أو عندما يطرح هو فكرة للنقاش.
من الممكن أخذ التأمل والصحوة الفكرية كحقائق علمية مثبتة بفائدتهما الكبيرة في حياة الإنسان، فاذا أٍستطعت أن تحس بهما ( أو تمارسهما) ستجد نفسك في زمن الحاضر المستديم، وفي هذه الحالة ستكتشف حقيقة ( من أنت؟) لأنك ستكون بدون أفكار وأراء محبطة، وبالتأكيد ستكون في راحة فكرية تامة، أو ما يطلق عليه مصطلح ( التناغم مع ما يجري). وإذا كان من الضروري جدا، تستطيع الحصول على معرفة ما يجري حولك، ومسبباته، عندما ستجد من مشاعر رائعة أثناء جلسات التأمل، أهمها حصولك على معلومات عن أعماق نفسك بدون حتى أي تفسيرات. تستطيع (بالطبع) أن تسأل معلم التأمل مباشرة أو أن تطرح أسئلتك حول مائدة العشاء، ولكن أهم شيء هو أن تحصل على أجوبتك وأنت ما تزال محلقا في التأمل الفكري، صحوة الذاكرة. بهذا ستتعرف على (ما أنت؟) خلال حالة صفاء البال، لأن هي المفتاح الرئيسي ، ولأن الانفتاح الحقيقي للعقل يأتي من العقل الصامت.
إن وضعية الجسم وأجزائه ليست ذات أهمية لممارسة التأمل. فهناك تأمل أثناء المشي، تأمل أثناء الكلام، تأمل أثناء الجلوس، وبعض من التأمل أثناء الأحلام. في بعض الحالات يتحدث معلمو اليوغا دائما حول إطالة فترة كل جلسة يمارسونها أو يعلمونها من أجل مناقشة درجة الألم الفيزيائي في أعضاء الجسم، وما يصاحبها من الوضعية العقلية والإحساسية لطلبتهم الممارسين لتعليمهم.
من المعتقد أن وضعية الجلوس أثناء ممارسة التأمل مع تقاطع الرجلين ( ويطلق عليها وضعية جلوس زهرة اللوتس) هي الأكثر أنتشارا بين ممارسي التأمل في العالم. ولمعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، علينا ممارستها أولا. أجلس وذراعيك هابطتين على جانبي جسمك لغاية وسط الجسم، ولاحظ كيف أن عملية تنفسك تهبط تدريجيا، ولأجل الحصول على أفضل شعور في التنفس، حاول الإنحناء نحو الأمام مع الحفاظ على استقامة الظهر، ولأجل منع الخدر والنوم، أهبط بمستوى نظر عينيك إلى حدود قدمين من الأرض، ومن ثم أنظر بتمعن إليها. وإذا رغبت أن تغلق عينيك وأنت في هذا الوضع، أفعل ذلك ولكن حول اتصالك بالعالم المحيط بك لأذنيك. إن أيقاف التفكير هو ليست محاولة أيقاف التفكير، لأن التفكير سيبقى التفكير مهما حاولت، لأن هذا النوع من المراقبة يتم الحصول عليه بالمحاولة. فإذا توصلت إلى هذه الحالة ، تكون قد توصلت إلى حالة التأمل الفكري الحقيقي، وذلك عندما يتم معاملة العقل كالمرآة، يستلم كل شيء، يعكس كل شيء، ولا يحتفظ بشيء أبدا.
أثناء التأمل ، فكر بالماضي وكيف هو ينسحب إلى الخلف من الحاضر، لأن ليس هناك مستقبل من المكان الذي جاء منه الماضي، وأصبح بطريقة ما الحاضر، وعلينا أن نخضع بالتمسك به. من الطبيعي ، عندما نتكلم عنه، يظهر لنا في تلك الصورة بسبب اللغة، لأن اللغة كذلك هي أيضا ( غبية وخرقاء). فإذا كانت الأفكار والأفعال يمكن شرحها بكلمات، سيمتليء الرأس بحشد كبير من الكلمات التي يكون العقل في أكبر جوع وعطش لها. وهذا يعطينا الشعور الكاذب والمخادع بأن هناك مراقب مركزي وعميل للرغبة. ولكن إذا أستطاع المتأمل تحرير أفكاره من هذا الخداع، ستظهر بوضوح ماهية كلمة (الأنا) وكيف أن وجودها يخدمنا.
حـــارث زهيرصادق الحكــاك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م