الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الثاني 5

دلور ميقري

2018 / 7 / 31
الادب والفن


شعورٌ آخر، لا يمتّ للبراءة والنقاء، دهمَ السيّدة السويدية على أثر سحبها يدها من يد مَن تدعوه " عبد ". كانت يداً مشعرة، يتخللها زغبٌ أبيض، لرجل في نحو الخمسين من عُمره، أمسكت بها فسلّمتها من ثمّ إلى يد الذكرى. منقبضة القلب، مستسلمة للوجوم والكآبة، لم تعُد لتفكّر الآنَ إلا في طفولتها التعسة؛ في الأحزان، المترتبة على انتزاعها وشقيقتها من منزل أبويهما مذ سنيهما المبكرة، كي يُعهد تربيتهما إلى أسرة غريبة.
الزوجان، وكانا متماثلين تقريباً في العُمر، تقاسما أمرَ رعاية الطفلتين ما أن أنهيا معاً مرحلة الحضانة واستهلا الدراسة الابتدائية. " تينا "، وكانت من حصّة الرجل الأربعينيّ، تفتح وعيها على تجربة جديدة ما كان سهلاً تقبّلها أو التلاؤم معها. كان رجلاً متحفظاً ذا صوتٍ عميق، وحادّ في آنٍ واحد، يرى أنّ دلائل حُسن التربية تتجلى خصوصاً على مائدة الطعام؛ في الصمت المطبق، مضغ اللقمة بشكلٍ جيد، وأخيراً كلمات الشكر. بل وبدا متوجّساً من أيّ مظهرٍ يدلّ على الفرح والغبطة والسعادة؛ هذا لو وجدت حقاً في حياة طفلةٍ لم يتسنّ لها معرفة حنان الأبوين وحدب الأقارب. النوم مبكراً، حتى في أيام العطل، نمّى لديها في المقابل الخيال التائق إلى الانطلاق والحرية ـ كما فرس جامح، هارب من أسر الإسطبل الضيّق إلى آماد البراري والسهول.

***
متأثرة بالذكرى، حلّقت في ذهن السيّدة السويدية صورُ أولئك النسوة، اللواتي تقاسمن معها الحكاية المراكشية، رمزياً على الأقل. " سوسن خانم "، ربحت زوجاً غنياً، كبيراً في السنّ، مقابل خسارتها لوالدها الحبيب. هذا الأخير، كان بدَوره قد اقترن بفتاة فتية ستنجب له ولدين قبل أن تدعه متوحّداً على كرسيّ العجز ذي العجلتين كي تمتّع شبابها مع خادم في مثل عُمرها.
وإنها والدة الطفلة " خَجيْ "، التي ستذكّر الخانم بمَسلك الأم. لقد اتفقَ أن عملت لديها في المكتب كمرافقة، وذلك في أوان تعيينها " فرهاد " سكرتيراً لأعمالها. تلك الذكرى، هيَ مَن أوعزت لها طردهما من الخدمة حال معرفتها لعلاقتهما السرية. مع أنها تفهّمت منذ البداية دافعَ سكرتيرها، الجسديّ المحض، والمعوّض بخلها عليه بجسدها. أما " الشريفة "، مرافقة الخانم، فلم يكن ثمة مبررٌ لترديها في وهدة ميولها المنحرفة: كانت متزوجة من شخص يُدعى " سيمو "، وبقيت معه بضعة أعوام دون أولاد. ولكنه طلقها ما أن عرفَ بأمر ثمرة رحمها، الناتجة عن تلك العلاقة المحرّمة.

***
" لعلني أرى نفسي في هذه الطفلة البريئة، المتنقلة من يدٍ إلى أخرى منذ أن كانت في القماط "، قالت للرجل الجالس بمقابلها فيما يدها تمرّ بحنان على الصورة. في أثناء شرودها، كان " عبد الإله " يختلسُ النظرَ كلّ حين إلى الصدر الفاره، المتفجّر فتنةً. المكاشفة الخلويّة، ربما عزاها هذا الشخص الأخرق، أولاً، لنزوة عابرة من سائحة ستمضي أياماً قليلة في بلد غريب. ولكن لا، إنها ليست سائحة ( هكذا شددت هيَ أكثر من مرة ) بل امرأة وفية في مهمّة نبيلة المقاصد.. امرأة، جرّبت أيضاً أكثر من مرة نسجَ علاقة عاطفية مع شخصٍ أجنبيّ ـ كذلك بالوسع الإيحاءَ به شيخوخةُ الرجل الخمسينيّ، المتنامية!
" لديّ فكرة، قد ترضيك وتعيد الطمأنينة إلى نفسك "، بدأ الكلام متنحنحاً وكما لو سيبوح بما يمكن أن يحرج أحدهما أو كليهما: " بلى، لنقل إنها فكرة حَسْب! أود أن أسألك بدءاً، ما إذا كنتِ تملكين عنوان أسرة والد الطفلة في دمشق؟ لأنني وفق ما فهمته منكِ، أنّ ثمة شقيقاً أصغر لصديقك الراحل. فلو حاولنا الاتصال به، ومن ثمّ حثه على المجيء إلى المغرب لاسترداد الطفلة، إذاً لأمكننا مساومته على التنازل عنها.. "
" لا أملك هكذا عنوان، لا هنا ولا في السويد. وأظن أنها ستكون محاولة غير مجدية، علاوة على استحالة إخراج الطفلة من المغرب دون أوراق رسمية. لن يكون بمقدور سيامند، وهذا هوَ اسمُ صاحب العنوان، إثبات حتى كونها ابنة شقيقه. لعلمك فإن الشقيقين الراحلين، فرهاد وشيرين، دُفنا في أرضٍ غريبة بسبب إشكال المواطنة، المتلبّس مصيرهما منذ أن اجتازت بهما الأم الحدودَ هاربةً من بلدها تركيا "، أجابته وهيَ تنهضُ من مكانها فجأة، وقد نال منها الإعياءُ كما والقنوط. بقيَ الرجلُ جالساً هنيهة أخرى، مستغرقاً في تفكير عميق أو موحياً بأنه يفعل ذلك. ثم ما لبث أن مدّ لها يده بصورة عزيزتها الصغيرة، معقّباً باعتداد: " بأيّ حال من الأحوال، سنتدبّرُ الأمرَ بما يحقق رغبتك. إنّ الرغبات النبيلة منتصرة، لا محالة! ".
ما لم يكن ليتوقعه كلاهما، أنّ " سيامند " متواجدٌ في مراكش قبل حلولهما فيها بحوالي أسبوعين. وعلى ما تبين لاحقاً، جاء العمُ في إطار المهمّة نفسها، المتعلقة بالطفلة البريئة. لقد فزعَ الشابُ الملول لمعرفته حقيقة، أنّ " فرهاد " رحلَ على طريقة شقيقته؛ انتحاراً وفي ليلة عيد الميلاد، يفصل بينهما أعوام ثلاثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد