الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن رشد و خلطه الاوراق(1)

داود السلمان

2018 / 7 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أولاً: فقيه السلطة
يُعد ابن رشد فقيه سلطوي وصولي، أكثر مما قيل في حقه: أنه فيلسوف، حاله حال أبو حامد الغزالي، والذي هو الآخر قيل عنه بأنه فيلسوف، وهو خطأ شائع، أو قل سوء فهم، كذلك حاله حال جان جاك روسو وهيجل وميكافيلي، من الذين رفعت من شأنهم السلطة الحاكمة، وانما اطلق عليه لقب فلاسفة من باب المجاز.
ابن رشد ترجم كتب ارسطو وعلق عليها، وأضاف وعدل واوضح بعض الغموض منها. وكانت السلطة الحاكمة استفيدت منه على اعتبار أنه طبيب وفقيه، وكانت السلطة من جانبها قد رفعت التكلف عنه، فكان اذا ما حضر مجلس الخليفة المنصور وتكلم معه، كان ابن رشد ينادي الخليفة بـ "اتسمع يا اخي"، كما ذكر ذلك ابن ابي اصيبعة في كتابه "طبقات الاطباء ص 488، ونحن نعلم إنّ السلاطين والامراء والولاة لا يسمحون لاحد من الناس أن يخاطبهم بهذا الخطاب، الا اذا كان المعني احد اتباعهم المقربين، وخصوصاً من الوعاظ والشعراء، ومن الذين يطلق عليه الدكتور علي الوردي وعاظ السلاطين، فالرجل كان واعظاً، ثم انقلبت السلطة عليه –بعد أذ- خلال اخبار كاذبة قيلت بحقه وهو منها براء، فقيل انهم حرقوا كتبه الفلسفية، فالرجل لولا تقربه للسلطة لما بقي له خبرا يذكر. وما يدل على أنه كان فقيها اكثر مما قيل في حقه انه فيلسوفاً، هو ما قاله ابن ابي اصيبعة في ترجمته لابن رشد حيث قال ما نصه:" أوحد في علم الفقه والخلاف، واشتغل على الفقيه الحافظ ابي محمد ابن رزق" (راجع ص 486، من الكتاب المذكور). وحتى ننصف الرجل ولا نُتهم فيه بشيء هو تأليفه كتاب" بداية المجتهد ونهاية المقتصد" وهو موسوعة كبيرة في الاحكام الفقهية، مقسمة الى عدة ابواب. وقال في المقدمة لهذا الكتاب ما يلي:" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّ غَرَضِي فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ أُثْبِتَ فِيهِ لِنَفْسِي عَلَى جِهَةِ التَّذْكِرَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا بِأَدِلَّتِهَا، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى نُكَتِ الْخِلَافِ فِيهَا، مَا يَجْرِي مَجْرَى الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ لِمَا عَسَى أَنْ يَرِدَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي الْأَكْثَرِ هِيَ الْمَسَائِلُ الْمَنْطُوقُ بِهَا فِي الشَّرْعِ، أَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ تَعَلُّقًا قَرِيبًا، وَهِيَ الْمَسَائِلُ الَّتِي وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا، أَوِ اشْتَهَرَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ الْإِسْلَامِيِّينَ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- إِلَى أَنْ فَشَا التَّقْلِيدُ".
ما يدل على أنّ الرجل كان فقيهاً اصولياً، لأنه قد تجاوز المنطقة التي يعمل بها لو كان فعلا فيلسوفاً، كونه في هذا الكتاب بلغ جهداً كبيراً وهو يخوض في هذا الميدان المضطرب والشاق، أكثر مما خاض في مجال الفلسفة، والتي لم تتجاوز الا النزر اليسير قياساً لكتابه هذا، باستثناء كتابه" تهافت التهافت" الذي رد فيه على الغزالي، لأن الاخير كفر الفلاسفة وعلى رأسهم استاذه ارسطو المعلم الاول. ولنا عودة اخرى ونحن نخوض في دراستنا هذه عن ابن رشد الفقيه، حول كتابه" بداية المجتهد" والذي بالغ بأن رشد من بالغ من مؤرخي الفلسفة.
وقد يقول قائل: إنّ الفارابي وابن سينا اليسا هما فلاسفة مسلمين حالهما حال ابن رشد؟ وقد فعلا كما فعل ابن رشد من قبله. ونقول: انهما لم يعملا بالفقه كما عمل ابن رشد، مع تحفظنا عليهما وعلى فلسفتهما، وسنتطرق الى ذلك في دراسات ليس محلها الآن هنا.
ابن رشد قد خلط ما بين الفلسفة والشريعة، والبس الفلسفة جلباب الشريعة، كما فعل الفارابي قبله، ثم ابن سينا، وهذا ليس من مصلحة الاثنين: الفلسفة والشريعة، فهما ضرتان، أو قل نقيضان، والنقيضان لا يجتمعان. ابن رشد خلط الاوراق، وأنْ هذا الذي فعله كانت المعتزلة هي اول من فعل هذا، بعقود طويلة سبقت عصر ابن رشد، واذا كان ابن رشد قصده أنْ يفيد الشريعة بذلك فهو اضر الشريعة اكثر ما أفادها، وشوه وجه الفلسفة الانساني الحقيقي، بأصباغ وطلاء لا يليق بوجهها الوضاء، ومحياها المشرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا