الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي ..!

فيصل عوض حسن

2018 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



تَنَاوَلْتُ في مقالي السابق (اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ: قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة)، الاتِّفاق المُفاجئ بين إثيوبيا وإريتريا، وذكرتُ بأنَّ السُّودان هو (الضحيَّة) الأوَّل/الأكبر، لتَحَالُفات هاتين الدَّولتين المدعومة من بعض الدول الكُبرى وأزلامها، خاصَّةً الإمارات والسعوديَّة ومصر، وَوجَّهوا ضرباتهم الغادرة والمُتلاحقة لبلادنا، مُستغلِّين فساد البشير وعصابته وذاكرتنا المثقوبة وعدم استيعابنا لدروس الماضي، حتَّى أضحت سيادتنا/استقلالنا الوطني على شفا التلاشي.
فلو قَرأنا التاريخ بتدبُّر، سنُدرك تماماً حجم الأطماع الإثيوبيَّة، وسعيها المُـتواصل لإشباعها متى وجدت الفرصة، ففي الوقت الذي أعلنوا فيه التَنَازُل عن بادمي لإريتريا، ما يزالون في (بني شنقول) يقمعون الأهل وينهبون الخيرات، رغم رفضهم المُتكرر لاتِّفاقيَّة 1902 التي مَنحتهم إدارة هذا الإقليم. ويتلكَّأ الإثيوبيُّون في ترسيم حدودهم معنا، ليبتلعوا المزيد من أراضينا، حتَّى بلغوا الدندر وأقاموا فيها (قُرَىً) كاملة، وفقاً لصحيفة اليوم التالي 2 يناير 2018، على لسان مُمثِّل الدندر المُستقيل من البرلمان. ولقد حَذَّرتُ كثيراً من هذه الأطماع، ومن ذلك مقالة (اَلْخُذْلَاْنْ)، حينما أعلن رئيس وُزرائهم السابق (ديسالين) عن إقامة ميناء دَّاخل السُّودان، فتَسَاءَلتُ وقتها عن (كيفيَّة) حصولهم على الأرض وحقوقهم والتزاماتهم، وذكرتُ بأنَّ إثيوبيا ستلتهم جميع المناطق التي تربطها بذلك الميناء، وأنَّنا موعودون باحتلالاتٍ إضافيَّةٍ، وهذا ما يجري تنفيذه الآن بالضبط.
فإثيوبيا تَعَنَّتت في تنفيذ اتِّفاقيَّة الجزائر (الأُمَميَّة) منذ 2000، وبلا مُقدِّماتٍ وافقت على إرجاع بادمي لإريتريا وترسيم حدودها معها، وما كان لإثيوبيا تقديم هذه التَنازُلات (المُفاجئة)، لولا سعيها لالتهام المزيد من أراضي السُّودان المُسطَّحة، بعدما أضحت بلادنا (هَامْلَة) بلا وجيع، وهذ الحاجة فرضتها الزيادة المُضطردة لسُكَّان ومحدوديَّة الأراضي الزراعيَّة والرَعَوِيَّة! وحتَّى يتسنَّى لها التهام ما تحتاجه من أراضينا، سَارَعَت لـ(استرضاء) الإريتريين بتلك التنازُلات (المُفاجِئة)، ورُبَّما وُعِدَت إريتريا (الجَبَلِيَّة) ببعض أراضينا أيضاً، خاصَّةً عقب الحديث (المُفاجئ) عمَّا يُسمَّى (سَدَّ القاش)، الذي ليس له مُبرِّرٌ حالياً، لتعثُّر اقتصادنا وارتفاع ديوننا الخارجيَّة من جهة، وتَنَاقُصْ كميات المياه حالياً واستمرار تَنَاقُصها مُستقبلاً، لقيام سد النهضة وغيره من السدود التي تُخطط إثيوبيا لإقامتها من جهةٍ ثانية، بخلاف أنَّ البشير وعصابته دَمَّروا (عَمداً)، جميع مشروعاتنا الزراعيَّة الناجحة، مما يزيد الرِّيبة بشأن هذا السَد المزعوم، ويُؤكِّد أنَّ ثَمَّة ما يُحَاك ضد السُّودان.
ومِصْرُ لا تقلُّ طَمَعاً/خطراً عن إثيوبيا، ومن السذاجةِ الاحتماءُ بإحداهنَّ لمُواجهة شرور الثانية، حيث بدأت باحتلال حلايب سنة 1995، وتَوَغَّلت في العُمُوديات النوبيَّة الواقعة شمال وادي حلفا، حتَّى أصبحت أرقينُ ميناءً بَرِّياً لمصر، بعدما كانت حدودنا معها في قسطل! ثُمَّ واصل المصريُّون تَوَغُّلَاتهم بشمال دارفور، والبشير وإعلامه لا يُشيرون لذلك من قريبٍ أو بعيد، وكأنَّها تحدث في دولةٍ أُخرى غير السُّودان! ولقد كتبتتُ كثيراً عن هذه التَوَغُّلات، وأوضحتُ بأنَّها لا تنحصر في حلايب، على نحو مقالتي (اَلْبَشِيْرُ وَتَعْمِيْقِ اَلْاِحْتِلَاْلِ اَلْمِصْرِيّ لِلْسُّوْدَاْنْ)، والتي كتبتها عقب تأكيدات البشير (شخصياً)، بامتلاكه لأدِلَّةٍ قاطعةٍ عن دعم مصر لحركة مناوي، وحينها قلتُ بأنَّ تنسيقاً تمَّ بينه والمصريين لإخلاء أقصى الشمال من السُّودانيين، ودعموا ذلك ببعض الإلهاءات، كالمُدرَّعات التي اِدَّعوا اغتنامها، وصور (مليشيات) الدعم السريع في الصحراء بفِرْيَة مُحاربة الإرهاب وتجارة/تهريب البشر، وذلك ليسهُل على مصر التهام احتياطينا من المياه الجوفيَّة، وإقامة مشروعاتها الرَّاغبة فيها هناك بارتياح، وللأسف انطلت (الخِدْعَة) على السُّودانيين و(تَنَاسُوها) كالعادة!
وبالنسبة للإمارات والسعوديَّة، فإنَّ جميع أفعالهما تُهدِّد سيادتنا بصورةٍ لا تُخطئها البصيرة، فهما تُساهمان في تمويل سد النهضة، وتُحَرِّضان على قيام سدود الشمال، وتَكَفَّلتا (فعلياً/عملياً) بتنمية/تمصير مُثلَّث حلايب، رغم أنَّ السعوديَّة التي كانت (وسيطاً) لحل النزاع القائم بشأن المُثلَّث! والدَّولتان أغرقتانا في ديونٍ (مشبوهة)، وهم يعلمون تماماً أنَّ قروضهم لن تخرج من بلادهم أصلاً، لأنَّ البشير وعصابته يُحيلوها لأرصدةٍ واستثماراتٍ شخصيةٍ بذات الدَّولتين، مُقابل أراضينا ومشروعاتنا باسم الاستثمار الذي لم نستفد منه شيئاً، بل شَكَّلَ عبئاً ونهباً فاضحاً لمُقدَّراتنا واحتُسِبَت علينا ديون بالملايين! وليتهم اكتفوا بذلك، وإنَّما استنزفوا أراضينا بالمحاصيل المُهلِكَة للتُربة، وجَلَبُوا الأمراض/الآفات النباتيَّة الضارَّة، واختتموها بتشويه سُمعتنا بإقحامهم اسم بلادنا في جرائمهم باليمن!
المُحصِّلة، أنَّ جميع المذكورين أعلاه (دَّاخل وخارج السُّودان)، عبارة عن (دُمِي/أدوات) تنفيذيَّة لا يملكون من أمرهم شيئاً، رغم مُحاوُلاتهم التضليليَّة على نحو مُحاربة الإسلام السياسي، أو الاستحواذ على موانئ القرن الأفريقي والبحر الأحمر، أو ما رَشَحَ مُؤخَّراً بشأن استبقاء البشير واستبداله بـ(دُمْيَةٍ) أُخرى، وغيرها من الأكاذيب. فالمُتأسلمون وأجسادهم الأخطبوطيَّة/الطُفيليَّة جميعها صَنِيعة غربيَّة بحتة، يُؤدُّون أدواراً مُحدَّدة، وأمَّا الموانئ فلا تستطيع أياً من هذه الدول أو غيرها، الاستحواذ عليها أو تعميرها إلا بمُوافقة إسرائيل وأمريكا. وأمَّا سدُّ النهضة، فإنَّ إثيوبيا ليست مُؤهَّلة أصلاً لإقامته وحدها، سواء اقتصادياً أو سياسياً أو فنِّياً، وكل ما تمَّ بشأن السَد توجيهات مُتَّفقٌ عليها وأوامر واجبة النفاذ! وأمَّا تنحية البشير واستبداله بهذا أو ذاك، فغرضه (إلهاء) السُّودانيين عن اقتلاعه هو وعصابته، بعدما استشعر العالم أجمع، خاصةً أمريكا، ارتفاع وعي وهِمَّة الشعب السُّوداني، فقرَّروا إنجاز أخطر وآخر حلقات مُخطَّط تفكيك/تمزيق السُّودان بأنفسهم. وبعبارةٍ أخرى، قَرَّرت أمريكا و(أزلامها)، اللعب على المكشوف وجَنْيَ (المَكاسب) التي حَقَّقها لهم البشير وعصابته، والتي ما كان لهم بلوغها حتَّى لو غَزوا السُّودان.
ولقد باَدَرت أمريكا (فجأةً) بالحديث عن رفع عقوباتها، تَزَامُناً مع نجاح تجربة عصيان نوفمبر، حيث أدركت عزم وقدرة السُّودانيين على اقتلاع البشير، فعمل الأمريكيُّون على تشتيت الجهد الشعبي بالحديث عن رفع العقوبات، ساعدهم في ذلك بعض الكيانات/النُخَب (الدُمي) الدَّاخليَّة، والدول الأربع المذكورة أعلاه بنحوٍ خاص، ثُمَّ وَاصَلَ الجميع في أدوارهم المشبوهة وضرباتهم المُتلاحقة، مع غفلة كبيرة يحياها السُّودانيُّون سواء بفعل (ذَاكرتنا الخَرِبَة)، أو بالأزمات الحياتيَّة التي يصنعها المُتأسلمون باحترافيَّة! وسنشهد في مُقبل الأيَّام مجموعة من الدرامات الجديدة التي بدأت نُذُرُها الآن، كتمثيليَّة (تحرير) القُوَّة المصريَّة بليبيا، ووجود نحو 500 جندي روسي بأم دافوق، وتَصَاعُد التجاوُزات بدارفور عموماً، وما يدور من جدل عن (تَأزُّم) العلاقات مع إريتريا ورُبَّما إثيوبيا، وانفجارات بورتسودان وبيعُ (الرِّمالِ) السُّودانيَّة، وإعلان المصريّين عن بناء سد بالجنوب بجانب سد القاش المُشار إليه أعلاه، وغيرها من الألغام (المكتومة)، وهي في مُجملها (مَدَاخِلٌ) وخُطواتٌ للنَيْلِ من بلادنا وتفكيك ما تَبَقَّى منها.
ليتنا نتعلَّم من أخطائنا ونفيق من غفوتنا، فالطَّامعون يتأهَّبون لابتلاعنا وبعضنا يصفهم بالأشقَّاء، ويُجادِل ويُقاتل دفاعاً عنهم، والمُؤسف والمُؤلم (انشغال) الكثيرين عن هذه الأخطار. وليتنا نترك الجِدَالِ في قضايا الآخرين و(تمجيدهم)، والتَدَبُّر في مُمانعة/تَلَكُّؤ إثيوبيا بترسيم حدودها معنا، وأسباب بقاؤُها في بني شنقول وتَوَغُّلاتها المُتواصلة في أراضينا، والتفكير بروِيَّة في ما يُسمَّى سد القاش، ومُبرِّرات (حَصْرْ) الاحتلال المصري على حلايب، وإغفال الأراضي النوبيَّة وشمال دارفور، والتأمُّل في مُمارسات السعوديَّة والإمارات، وانعكاساتها الكارثيَّة على سيادتنا الوطنيَّة واستقلالنا. وتَمَنَّيْتُ لو استجاب القانونيين السُّودانيين لدَعَوَتي السابقة/المُتجدِّدة، بإعداد وتقديم مُذكِّرات قانونيَّة (رصينة) للأُمَم المُتَّحدة وغيرها من المُنظَّمات، لإدانة الاحتلالين المصري والإثيوبي وتثبيت حقوق السُّودان، أُسوةً بالتنظيمات/الكيانات المصريَّة والإثيوبيَّة، الذين رفعوا مُذكِّراتهم رغم أن بلادهم (مُعْتَدِيَة) وبلادنا (ضحيَّة)، مع استرجاع تصريحات غندور، حول (توجيهات) الاتحاد الأفريقي بـ(إنهاء) ترسيم الحدود بين بُلدان القارَّة قبل نهاية عام 2016، بما يدفعنا للتعجيل بمثل هذه الخطوات.
ليتنا كسُّودانيين نستشعر الأخطار المُحيقة بنا، ونتفرَّغ لإنقاذ ما تَبقَّى مِنَّا، ونعمل بجديَّة لاقتلاع البشير (الدُمْيَة) وعصابته من الجذور، وحُلفائه من بقيَّة (الدُمي)، وإنهاء هذه المسرحيَّة المُرعبة، حتَّى لا نجد أنفسنا دون وطن يحتوينا ونتجادل بشأنه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ