الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنين إلى المقبرة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 8 / 6
الادب والفن


لا. لم تختبر الحزن مثلي!
قلبي مصنوع من الألم ورثته في جيناتي، ضخّمته كي أنتقم من نفسي. . .
أكثر من" لماذا" أسوقها في ذهني، تعود دون إجابة.
يعصف بي الحنين إلى المقبرة، فهذا الوطن الذي سميته حبّاً ،عشقاً، وحياة تحوّل إلى مقبرة.
في المقبرة التي كان اسمها وطني تركت رفات أحبتي كلّهم. . . لقد خنتهم.
في المقبرة كان لي بيت وحديقة لا أذكر منها سوى داليتي المجنونة التي كنت أستمع معها إلى همسات الفجر، وعندما ترتجف أوراقها مع ظهور الشّمس تنزل قطرة ندى على جبيني فتوقظني من الحلم. داليتي ماتت حزناً بعد أن تركتها بعدة أشهر.
عندما غدرت منزلي قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً. لم ألتفت خلفي. سحبت حقيبتي وحول رقبتي وشاح أمسح فيه دمعي. يوسوس الشّيطان لي فأستمع له وهو يردّد: لم تكن الحياة تستحقّ كل هذا الرّكض. الحياة مزحة ثقيلة.
فقط الشّيطان هو الذي وسوس، أو وشوش لي بالحقيقة، وكلّما أردت أن أحسم أمر ما وقف أمامي شامخاً وهو يقدم النّصح.
في مرّات كثيرة أردت أن أقتلع الشّيطان من طريقي ، لكن هيهات!
يتمثل لي شجرة، قرداً، حكيماً، وأميراً.
لا أعرف رسماً له لأضع أقواله على صفحتي، لكنّه قال لي مرّة لا تصدّقي الرّوايات، فالحياة ليست رواية.
أذكر آخر مرّة اعترضني فيها قبل لحظة. قال لي: لا تحلمي بتغيير الواقع. مهما اجتهدت فأعمالك قبض الرّيح، فأنت لست سليلة المتنمرّين.
لكنّني أحمل قلباً أبيض أيها الرّجيم. انتفض غاضباً، تحوّل إلى مارد، وهو يردّد ساذجة. ساذجة.
حضنني ، بكى على بساطتي. قال لي. عدّت للتوّ من المعبد. كنت أسخر من العباد وأخترع لهم قصصاً تسليّهم . عدت إليك لأنني تعلّقت بك. صحيح أنك سطحية، وساذجة، لكن لا حدود للحبّ!
أنا التي كنت أسعى على مدار عمري للحبّ. لم يقرب جهتي إلا شيطان رجيم.
صحيح أنّه شيطان لكنّه يظهر أمامي بلباس المحبة. أمسكني من يدي ، طرنا في الأثير ، ومباشرة إلى حضن الوطن. ما هذا يا شيطاني؟ هل أتيت بي إلى النّار؟ أقسم أنني لم أرتكب إثماً. ولو حضرت أمام الرّب لأعادني إلى الحياة مرّة أخرى كي أخطئ قليلاً.
وضحك، ضحك منّي، منكم، منهم. قال لي: الوطن يرّحب بك. هذا هو الوطن المقبرة.
تدافعنا بالأيدي، قلت له أنت كاذب، فوطني أغنية تغنيها العصافير عندما تغادر أعشاشها.
صفق لي، وقال :نلت الدّرجة الأولى في الخطابة. ثم حضنني وهو يبكي.
احضنيني! إنّني خائف، فلا صوت هنا سوى صوت العويل. خذي بيدي إلى الأضواء فما أحببت يوماً الموت خوفاً.
مسكونة به يوشوش لي كلّما أردت أن أتعلّم فنّ المجاملة، ويقول أنّه انبطاح لا يناسبك، ففي بلاد المقابر لا توجد مجاملات ، فقط سيوف الرحمن، وسيوف السّلطان. عدت دون أن أمرّ على المقابر.
يامن تمرّ على قبر زوجي، أمي ، أبي، أختي، وآخرهم أخي. بلّغهم أن حنيني لم يعد للأحبّة. حنيني لمقابر في ديار موحشة . أرغب أن أزورها، أتحدّث مع أصحابها، فلربما بعضهم لا زال ينتظر دوره في الصعود إلى السماء، وربما ينتظرني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم