الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خجي وسيامند: الفصل الرابع 2

دلور ميقري

2018 / 8 / 7
الادب والفن


الحربُ، كانت إذاً سبيلاً لمعرفته المغاربة عن قرب. مثلهم سواءً بسواء، أُرسل مع فرقة عسكرية خاصة إلى المنطقة المتاخمة للربع الخالي كي يُسبَغَ طلاءٌ عربيّ ـ إسلاميّ على وجه اليانكي، المتعهّد دحرَ صدّام حسين وإخراجه من الإمارة النفطية الغنية. شحناً للروح المعنوية ألا تنهارَ تحت وطأة خطر الهلاك الكيماويّ، كان ضباطهم يذكّرونهم كلّ مرة بما سيحصلون عليه من مكافأة مالية، مجزية ومضاعفة. بيدَ أنّ أوراق المهمّات، التي سلّمت حالَ عودتهم من الخليج للمكتب الماليّ في قيادة فرقتهم، أُطبقَ عليها الدرجُ أبداً ـ كما حال أجساد ضحايا الحرب، المدفونين في رمال الصحارى.
" سيامند "، رأى نفسه مجدداً صُحبةَ أبناء الأطلس، القصيّ. ولم يكن ذلك ممكناً، لولا فضول سؤاله عن اللغة الغريبة، المتخاطبين بها. على الأثر، قال بنبرة مرحة لم تخفَ مرارتها عليهم: " وأنا من أمازيغ المشرق، المقسم وطنهم على دولٍ أربع! ". إعلانه هويته الأثنية، المحكومة بالإقصاء مثل هويتهم، جعل الموقف منه يتغيّر ولا غرو. بقيَ بصحبتهم حتى وصول المركب إلى طنجة، الموحية منازلها في سفح الجبل الأخضر كما لو أنها خلايا نحلٍ مصبوغة بالأبيض. من هناك استقلوا معاً القطار إلى كازابلانكا ( الدار البيضاء )، ليصلوها عند غروب الشمس وهيَ مشحونة بالرطوبة الصمغية. في محطة الكازا، سلّموه برقة وود إلى مقصورة الدرجة الأولى من الرحلة المتجهة إلى مراكش. لقد كان أولئك الشبان الثلاثة في الطريق من مقر إقامتهم في اسبانيا إلى بلدهم، وكان المركب مبحراً بهم عبْرَ مياه الخليج، التي سبقَ أن عبَرَها أسلافهم إلى الجهة المعاكسة؛ عبروها وهم على موعدٍ مع المكافأة الإلهية، المجزية والمضاعفة!
أعوام أربعة، كانت قد انقضت على الحرب عندما استهل بطلُ حكايتنا مغامرته، المغربية. في أثناء تلك الفترة، حصلت تطورات خطيرة ومستطيرة كانت الأجيال السابقة تعتقد باستحالتها ما لم يَؤل العالمُ إلى ركام ملوث بأشعة السلاح النوويّ. فالمعسكر الشيوعيّ في أوروبا تقوّضَ برمته، دونَ ألبانيا الأصغر تأثيراً والأكثر فقراً. بدا أنها تُركت لشأنها عمداً، مثل أطلال عمارة سكنية من زمن الحرب العالمية الثانية، أبقيت كي تكون شاهدة على وحشية الخصم. ثم ما لبث الطغاة أن تساقطوا في مختلف القارات، أو تصدعت عروشهم، ما عزز الأملُ بانتقال الإنسان من أسر العبودية إلى فضاء الحرية. " أمازيغ المشرق "، لاحَ أنهم بدَورهم باتوا على ذلك الصراط في أحد الأجزاء الأربعة، على الأقل. ولكن، لا؛ كل ذلك كان وهماً ـ كحلم الفردوس الموعود، المقدّر له أن يطيّر أحلام شقيقَيْ " سيامند " كلّ مطار قبل أن تحترق أجنحتهما تحت سموات غريبة.

***
السيّدة السويدية، كانت تطل على ذكرياتها من شرفة شقة الإيجار، الكائنة في مدخل مراكش الحديثة، المزيَّفة، غير بعيد عن فيللا الأسرة المُحسنة. إنها ذكرياتٌ بلا حول، مثل إرادة صاحبتها حينَ هانت أمام عرض إيجار الشقة، المُغري. هيَ إحدى شقتين مفروشتين، تملكهما الابنة الكبرى للأسرة. " سُمَية " هذه، نتأت في الحكاية فجأة وعلى حين غرة، كما ينبثق فطرٌ بنيّ اللون على طرف غابة. ذلك كان في صباح اليوم التالي لوجود " تينا " بضيافة ساكني الفيللا، عقبَ تناول طعام الفطور: دخلت ابنتهم إلى الدار بسرعة وصخب سهمٍ ناريّ، لتهجمَ على الضيفة بقبلاتٍ تفوح منها رائحةُ معدةٍ معتادة على الخواء والإملاق. سحنتها وأطرافها، كانت على الجفاف نفسه، مما أعطاها شكلَ امرأة عجوز مدنفة بالمرض، وفي آنٍ واحد، نشطة في كنز المال.
كان الدربُ تحتَ موقف " تينا " يصحو رويداً مع الشمس الدافئة والنسيم الهفهاف، المتلاعب بأوراق أشجار الليمون، الخامدة اللون، المبعثرة على الرصيف. فتيات الليل، اللواتي ما زلن نائمات على الأرجح في مكانٍ ما، كانت روائحهن ما تفتأ تُعبّق الدربَ بالعطور الثمينة وعرق الأجساد المرهَقة، الرَخِصة. لعل مَن تدعوه السيّدة، " عبد "، كان ليلة أمس مع إحداهن في شقةٍ مفروشة، يتشقلبان على سرير حجرة نوم وردية الجدران ـ كما يُمكن التكهن من تأخره، وأيضاً وخصوصاً، من علامة أخرى بوضوح إشارة سَير حمراء.
ليلة أمس، كانا في ساحة جامع الفنا ( قلب مراكش الأصيلة )، بصحبتهما بعضُ أفراد الأسرة المُحسنة علاوة على عم الطفلة. وكان " عبد الإله " يتقدّم موكبَهم، المهتدي في الظلمة والزحام بمشاعل الفرق الموسيقية، الموضوعة وسط حلقة العازفين ومريديهم.. كان يتقدم الموكبَ بهمّة والي حسْبَة القرون الخوالي؛ بسيره الخفيف، وتوقفه بين فينة وأخرى أمام هذه الفرقة المحلية أو تلك الجبلية، أمام قارئة كف أو نقاشة حنّاء، أمام ممتهني رقص الغناوة أو الرقص الشرقيّ ( هؤلاء الأخيرين شبان مخنثون على وجوههم نقاب! )، أمام حلايقي الحكايات أو منشد الملاحم، أمام حواة الأفاعي أو مروّضي القردة، أمام أكشاك المطاعم الشعبية أو محلات بيع الأشياء التذكارية.. كان يطوف ويطوف، فيما الموكب بأثره، إلى أن أكمل دورة الساحة وصار مجدداً أمام إحدى حلقات الفرق الموسيقية. هنالك، أبعدَ في شيء من الحدّة شاباً مراهقاً، من الذين يلتصقون عادةً بمؤخرات السائحات الأجنبيات؛ أبعده عن " تينا "، كي يأخذ مكانه حامياً لردفيها الفارهين، المكنوزين في بنطال رعاة بقر، ضيّقٍ وناريّ اللمعان ـ كخُلقهم الأمريكيّ سواءً بسواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض


.. تقنيات الرواية- العتبات




.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05


.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي




.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من