الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزيمة الشعب

منذر خدام

2018 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


بعد التغيرات الميدانية الحاسمة لصالح الجيش السوري خلال عامي 2017 و 2018، وبالتالي لصالح النظام بدأت أصوات "معارضة " تعلن هزيمة المعارضة بشقيها السياسي والمسلح، وبدأ بعض من يحسبون انفسهم على المجال الثقافي-السياسي بمحاولة "نقدية" لمسار الأحداث في الأزمة السورية ليس من اجل فهمها، كما ازعم، بل من أجل نوع من التطهر وتبرئة الذات من المسؤولية المباشرة عنها، أو المسؤولية الأدبية في الحد الأدنى. الذي انهزم هو الشعب السوري وليس المعارضة فقط، ولم يكسب، بطبيعة الحال، النظام.
كانت احلام السوريين كبيرة، احلام طالت كل جوانب حياتهم، أحلام بالحرية، وبالكرامة، وبحكم القانون، احلام تطمئنهم إلى لقمة عيشهم وإلى مستقبل اولادهم، احلام بأن يكون حكامهم من طينة البشر، يصيبون ويخطؤون، ويمكنهم مساءلتهم، لا من طينة "القديسين" لا يخطؤون، وويل لمن يجرؤ على نقدهم. بكلام آخر كانوا يحلمون بالتغيير والانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، إلى فضاء مشبع بقيم الحرية والمسؤولية والقانون.
ولتحقيق هذه الأحلام انتفضوا ثائرين ضد نظام فاسد مستبد، وقدموا على هذا الطريق مئات آلاف الشهداء، وملايين المشردين، عداك عن تدمير غير مسبوق في التاريخ للبنى التحتية والعمرانية للبلد. لقد تكالب النظام والمعارضة وجميع الدول التي دعمت النظام او المعارضة ضدهم فهزمتهم للأسف، لكنها الهزيمة التي تستثمر في التاريخ.
بحسب تقرير حديث صادر عن البنك الدولي فإن الخسائر التراكمية في رصيد رأس المال المادي في سورية من جراء الأزمة بلغت 226 مليار دولار أي نحو أربعة أضعاف الناتج المحلي السوري في عام 2010. يشير التقرير أيضا إلى أن نحو 7% من المنازل في سورية قد تم تدميرها كلياً، إضافة إلى نحو 20% منها قد طاله التدمير الجزئي. يقدر معدو التقرير الخسائر البشرية بين 400 و470 ألف وفاة، عداك عن نزوح نصف سكان البلد عن أماكن سكنهم. وإن تعطل التنظيم الاقتصادي تسبب بأضرار تفوق حجم الأضرار المادية. لقد أدى الصراع إلى تدمير عوامل الإنتاج وإعاقة عمليات التواصل الاقتصادي بين مختلف المناطق السورية، بل حطم في كثير من الحالات الشبكات الاقتصادية والاجتماعية وسلاسل التوريد، مما حد كثيرا من الحوافز لمتابعة الأنشطة الاقتصادية. تقدر الخسائر الناجمة عن كل ذلك بما يتجاوز خسائر تدمير رأس المال بـ 20% في السنوات الأولى للصراع، وتسبب في تراجع الاستثمار بنحو 80% وذلك من جراء تزايد المخاطر وتراجع مؤشر الربحية.
وتشیر التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي في سوریة انكمش بنسبة 63% بین عامي2011و2016 بالقيمة الحقيقية، مقارنة مع مستواه عام .2010 وقد أدى ذلك إضافة إلى تعطيل الشبكات الاقتصادية، ورأس المال البشري، والقدرة على التواصل إلى تفاقم الأضرار المادية على الخدمات العامة. لقد كانت الأضرار مرتفعة في قطاع الصحة، إذ تعرض نحو 16% من المنشآت الصحية في ثماني محافظات إلى تدمير كامل، في حين طال التدمير الجزئي نحو نصفها، وفي قطاع التعليم طال التدمير الكامل نحو 10 % من المدارس في حين تضرر جزئيا نحو 53% منها.
لقد كانت الأضرار الناجمة عن الصراع بالغة على الأرواح البشرية نتيجة التشرد والمغادرة القسرية لمكان السكن والعمل. لقد تشرد أكثر من نصف السكان الذین كانوا یعیشون في سوریة قبل الصراع. ووفقا لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فإن العدد الإجمالي للسوریین المسجلین حالیا كلاجئین خارج البلاد في لبنان وتركیا والأردن والعراق ومصر وشمال أفریقیا یبلغ 4.9ملیون. وبالإضافة إلى ذلك، فأن أكثر من 800ألف مواطن سوري طلبوا اللجوء في أوروبا في عامي 2015 و .2016. ولا تشمل هذه الأرقام حوالي 0.4ملیون إلى 1.1ملیون لاجئ سوري غیر مسجل في لبنان والأردن وتركیا والعراق. وبلغ عدد النازحین في الداخل نحو 5.7ملیون شخص في ینایر/كانون الثاني 2017، وظل نحو 56 % منهم داخل محافظاتهم . لقد كان أثر الصراع بالغا على معدلات الخصوبة، وعلى العمر المتوقع فتراجعت كثيراً.
أدى الانخفاض السریع في فرص العمل وتقلیص برامج الضمان الاجتماعي إلى زیادة تفاقم الأزمة الإنسانة . فمنذ بداية الصراع تقلصت كثيرا فرص العمل بنحو 538ألف فرصة عمل في السنة بين عامي 2010 و2015. أكثر من ثلاثة من كل أربعة سوریین في سن العمل، أو تسعة ملایین فرد لا یشاركون في أي نشاط یولد قیمة اقتصادية، وبلغت البطالة بين الشباب نسبة 78% في عام 2015. في ضوء هذه الوقائع فإن 6 من 10 من السوريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع بحسب بعض المصادر.
وبالعودة إلى تقرير البنك الدولي المشار إليه فإن الخسائر الاقتصادية التي يقدرها بنحو 226 مليار دولار تشمل رأس المال المادي الذي تم تدميره ، وليس رأس المال المادي الذي تم تهجيره. فبحسب مصادر عديدة تم نقل الكثير من المصانع السورية ورؤوس الأموال إلى الخارج، وهي بحسب أقل التقديرات لا تقل عن نحو 50 مليار دولار. من جهة أخرى فإن الأرقام المتعلقة بالخسائر في الأرواح غير دقيقة، فعدد القتلى من مختلف الأطراف لا يقل عن 700ألف قتيل، عداك عن الجرحى المعاقين بسبب الصراع، واللذين لا يقل عددهم عن نحو 1.2 مليون شخص. هذه الخسائر البشرية سوف يترتب عليها مشكلات اجتماعية خطيرة في المستقبل لجهة إعادة التوازن بين عدد الذكور والإناث في المجتمع السوري. بحسب بعض التقديرات فإن أكثر من مليون أنثى في سن الزواج لن يجدن فرصة للزواج. يضاف إليهم خروج نحو أربعة ملايين طفل من دائرة التعليم، وهؤلاء سوف يشكلون عبء على المجتمع والاقتصاد في المستقبل. خسر المجتمع السوري واقتصاده أيضا كوادر عديدة تقدر بما لا يقل عن مليون شخص صرف عليها مليارات الدولارات لإعدادها وتأهيلها، عداك عن خسارة دورها في إعادة الإعمار.
تسبب الصراع المسلح أيضا بخسائر كبيرة غير مادية نجمت عن تحطيم منظومة القيم العامة، وإعادة تكوين الشخصية السورية من منظور قيم استسهال العنف، والسرقة والخطف، والغش، عداك عن سوء التغذية الناجم عن ارتفاع الأسعار. أضف إلى كل ذلك فقدان سورية لاستقلالها السياسي وتوزيعها إلى مناطق نفوذ لعدد من الدول المتدخلة في شؤونها الداخلية، وانقسام السوريين بينها.
تقدر بعض المصادر أن اعادة اعمار سورية سوف يستغرق زمنا لا يقل عن ثلاثة عقود، تحتاج خلاله البلد إلى اكثر من 400 مليار دولار للعودة بسورية إلى مستواها الاقتصادي في عام 2010، وسوف تحتاج إلى أجيال لترميم العلاقات الاجتماعية بين السوريين. في ضوء ما سبق قوله صار واضحا أن الذي انهزم هو الشعب السوري، وليس المعارضة فقط، وحتى ان نصر النظام هو نصر بطعم الهزيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سبب الهزيمة
فؤاد النمري ( 2018 / 8 / 16 - 18:44 )
السبب الرئيسي في الهزيمة أو في المأساة السورية التي لم يحك التاريخ مثلها هو التخلف السياسي لقادة المعارضة وتخلفهم ناجم من الدكتاتورية الفظيعة منذ الحركة التسميمية 1970
كانت تلك الحركة التسميمية بقياد حافظ الأسد هو انقلاب من تدبير المخابرات السوفياتية بقيادة اندروبوف
المخابرات السوفياتية انقلبت على النظام الاشتراكي في العام 1953 ولم يكن انقلابها ليتوطد بغير ضرب الحركة الوطنية في الصميم فدبرت انقلاب بومدين في الجزائر في العام 1965 وانقلاب حافظ الأسد في سوريا 1970 وتكفل كلاهما بضرب الحركة الوطنية وكتموا الأنفاس في الجزائر وفي سوريا
منذ آذار 2011 طالبنا المعارضة أن تعلن بالصوت العالي أن روسيا هي العدو الأول والأخير للشعب السوري لأنني كنت أخشى أن تتدخل روسيا لحماية الأسد فأبوه كان رجل المخابرات الكيه جي بي وهذا ثابت لا شك فيه
المعارضة راحت تتفاوض مع العدو الأول والأسفل للشعب السوري فكانت النتيجة المأساة التاريخية التي تكتب عنها حضرتك
الاتحاد السوفياتي كان سيدخل حرباً نووية عالمية دفاها عن الأسد عندما وصلت جيوش اسرائيل سعسع
ثمة مذكرة في وزارة الخارجية من الاتحاد السوفياتي تحتج على جديد ورف

اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات