الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيزابيل إيبرهارت باحثةً عن المعنى

أيمن مشانة

2018 / 8 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"اليوم تصل أمتعتي وعندما تصبح إقامتي غير مؤقتة يجب أن أشرع في العمل يجب أن أنجز كتاب رحلتي الذي يبدأ جزؤه الأول من مرسيليا .. هنا أنا بعيد عن العالم بعيد عن الحضارة ومهازلها السخيفة .إنني وحيد في أرض الإسلام في الصحراء ..طليق وفي ظروف عيش جيدة . ماعدا الحالة الصحية.." إيزابيل إيبرهارت في ساعة وصولها إلى الوادي.
مع بدايات سنة 1897 قررت صحيفة الأخبار السويسرية، إيفاد إيزابيل إيبرهارت كصحفية لتغطية حياة الجزائريين في ظل الاستعمار الفرنسي الذي بدأ عام 1830.وفي هذا المقال المتواضع أحاول سرد مقتطفات هامة من حياة هذه الكاتبة الفذة التي أحبت الجزائر وصحراءها وخصت " سوف" وغمرتها بحكايا العشق والتغني بها .
عشق محمود بن عبد الله السعدي (إسم ايزابيل بعد أن اعتنقت الإسلام) وادي سوف ونخيلها وكثباتها وآبارها وإبلها وواحاتها..عشقت أهلها بخيرهم وشرهم محاسنهم ومساوئهم ..صورت وفاءهم لتربتها وهويتهم البدوية، كما أضحت هي عاشقة لها أيضا ..عرفت زهدهم وإيمانهم وتصوفهم وصورت كل ذلك بتجلّ أدبي لا يقدر على تصويره من سكن فيها طيلة عمره . وصاغت عودتها للجزائر بعد أن حرمت منها ومن أهلها في نصوص أدبية هي عبارة عن يومياتها في صحراء الواد التي أفتتنت بها وقصصها طيلة ستة أشهر عاشتها بدوية كما أرادت دائما ..مستكشفة وعاشقة لأدق تفاصيل الحياة بين أحضان الرمال والبداوة.
الأديبة ايزابيل ابرهارت كاتبة سويسرية من أصل روسي حملت الجنسية الفرنسية من خلال زواجها وهي من مواليد عام 1877 في مدينة جنيف وتوفيت عام 1904 في الجزائر.
أخذت إيزابيل منذ سنوات شبابها الأولى مسافة عن الأوروبيين وعن الحضارة الأوروبية وقررت العيش كـ «مسلمة» بل وتنكّرت بزيّ رجل بدوي. بعد وفاة والدتها، عاشت لمدة أشهر عديدة متنقّلة من مكان إلى آخر.
صدرت التوجيهات في ايبرهارت كي تغادر الجزائر على أساس أن طريقتها في العيش وترددها على الإخوانيات الصوفية، يثيران الحذر والتشوش. لقد جرى نفيها إلى مدينة مرسيليا لمدة عام ثم قابلت رجلا مسلما اسمه سليمان وكان يحمل الجنسية الفرنسية. استطاعت أن تتزوج سليمان «مدنيا» في عام 1901، وعاد «الزوجان» إلى الجزائر عام 1902 لقد تزوجته واكتسبت بذلك جنسيته مع أن السلطات الفرنسية كانت تشك أنه «جاسوس ». وعندما كانت في محلّة «وادي صفرا» الجزائرية الواقعة بالقرب من الحدود المغربية لـ «تغطية» أحداث كانت تجري هناك فاض النهر القريب واجتاح المدينة (موقع فارسة الرمال إيزابيل ايبرهارت).
عثروا على الزوج حيا ولكن إيزابيل توفيت إذ لم تستطع الهرب بسبب إصابتها آنذاك بمرض الملاريا.ودفنت الراحلة في مقبرة سيدي بوجمعة " التي تحمل اسم الوالي الصالح لعين الصفراء والواقعة على ضفة الوادي.، أين كُتب باللغتين العربية والفرنسية: السيد محمود. إيزابيل ايبرهاردت، زوجة سليمان اهني، المتوفاة عن عمر يناهز 27 سنة، جراء كارثة عين الصفراء الواقعة في 21 أكتوبر 1904(مدونة عين الصفرا).
أعتمدت الإختصار في سرد حياة الكاتبة الحافلة، والتي أرى أنها تحتاج كتابات أوسع لاحقا .
وسأبدأ الوقوف بداية في هذا المقال الوقوف بتفصيل أعمق على جوانب أدق في مسيرة حياتها تخص جانبها الفكري والروحي أكثر مما تعنى بجانبها الحياتي الأوسع. إن وسمي لهذا المقال بعنوان( إيزابيل باحثةً عن المعنى) يعود لأنها لفتت إنتباهي وأنا أقرأ كتابها عودة العشق المنفي كتابات إيزابيل إيبرهارت عن واد سوف . إيزابيل غادرت أوربا بكل بزرخها البرجوازي الذي خلفته وراء ظهرها واتجهت بكيانها نحو عالم مجهول تماما .إن إيزابيل لم تترك حياتها الأرستقراطية في جنيف عبثا لقد كان هناك شيء دافع أدى بها نحو هذا المصير، إنه سؤال المعنى السؤال الذي طرحه الفيلسوف ّ "فكتور فرانكل" في كتابه" انسان يبحث عن معنى" عن معنى لهذا الوجود الإنساني .. و بما أنَّ الإنسان( حسب ما ورد في مقال د. معاذ بني عامر)" ليس كتلة صمَّاء أو صامتة، فإنَّهُ لا يفتأ يحثُّ الخطى – كما دأبه منذ القدم – ناحية الحفر عميقًا في الوجود ومعانيه، بما يتطامن والدفقة الإنسانية العظيمة على المستوى الوجودي؛ فمنذ وجد الإنسان على هذه الأرض، وهو يسعى – السعي هَهُنا سعي إطلاقي بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل – للوصول إلى الأساسات أو الذُرى، لغاية إضفاء قيمة عليا على الوجود الإنساني" وإيجاد حل يخفف وطأة لوعة البحث في معضلة التيه الوجودي.
كان بادرة التساؤل ( حسب ما تتبعته في كتابها: عودة العاشق...) هو عن معنى ما تراه في حياتها عن قدرها الغريب " تمر حياتي هكذا رتيبة دون تغيير يذكر ، في الأيام الأخيرة أصبحت منعزلة بين البيت الذي أعتبره وكأنه مخيم لأننا سنغادره إلى بيت آخر وبيت منصور ..لو أنني أجد عنده بعض الكتب لكان ذلك مواساة كبيرة لي. الأمر لم يتغير مع سليمان لكنني بدأت في التعلق به أكثر..ليدم ذلك إلى الأبد ولو هنا، في هذا الرمل الذي لا يتغير أبدا . مع ذلك أتوقف أحيانا على المنحدر الخطر لهذا السبات الذي يأخذني أكثر فأكثب رلا يسعني إلا أنة أتساءل عن غرابة قدري . مجيئ ، بعد كل الأحلام الكبيرة، وكل التقلبات الزمن ثم جنوحي في واحة ضائعة في عمق الصحراء ..كيف ستكون النهاية؟" إن المجيئ الذي تقصده إيزابيا هو مجيئها إلى الصحراء إلى الواد بالتحديد إلى هذا المصير .مصير كان الرغبة فيه أولا الهروب بعد أن فقدت أحباءها هناك إنها تصف الموقف بأنه مشابه لموقف آخر ليس ببعيد "في الأيام الرديئة أوائل ديسمبر تشبه كثيرا أيام 1897 المشؤومة.نفس الطقس . نفس الريح العنيفة التي تلفح الوجه بقوة رغم الحداد الحديث والقاسي مازال حب الحياة موجودا كامنا في أعماقي، قويا.. لكن منذ ذلك الحين كل شيء تغير كل شيئ حتى روحي شاخت. أنضجها هذا القدر الغريب . الرائع .نعم كل شيئ تغير ..Augustin وجد أخيرا مثواه مرساه(الملجأ الأمين) ( إنها تقصد وفاة أخيها الذي تعلقت به بشدة وتشبهه بيوم وفاة جدتها الذي حدث سنة مغادرتها أوربا نحو الجزائر) الذي يبدو أنه لن يغادره ثانية .." هربت إيزابيل إذا لأنها فقدت أي داع لبقاءها هناك وهربت لأنها " أما أنا فأعتقد أو بدأت أعتقد أنني أيضا وجدت مرساي . أنا الذي لم تعد تكفيني أبدا سعادة هادئة في مدينة من مدن أوربا أو مدن التل، تصورت في لحظة إلهام المشروع الجريء. والقابل للتحقيق عندي وهو أن أعيش في الصحراء وأن أبحث عن الهدوء والمغامرة .شيئان يمكن التوفيق بينهما عند شخص له طبيعة غريبة مثلي.."
بعد هذا المصاب إستيقظت في نفس وجدان إيزابيل شيئ ما لم يستطع تفسيره لكنها رغم ذلك اكتفت بوصف شعورها بأن : روحها شاخت، تغيرت، نضجت بشكل غريب. وأنها رغم ذلك مازال هناك قدر تريد أن تقابله بعيدا " الوقت طويل ـ أيتها الحياة ـ سيبقى قدري هو التيه في هذه الدنيا ؟ أين أنت ـ أيها المرسى الذي أقدر أن أستريح على مرفئه؟
أين النظرة التي سأعجب بها وأتعلق بها؟
أين ذلك الصدر الحنون الذي يمكنني أن أغفو عليه يوما؟
وحيدا...أبدا.
ومما سبق النص نستخلص كم أرّق إيزابيل ايبرهارت سؤال عن معنى ما رأته في هذه الحياة حتى الآن ..كانت إيزابيل تدرك أن الشر والإضطراب أمر طارئ على سنن الله في الحياة ، وأنه لابد منه فهو قد امتزج امتزاجا حتى ما أروع الأحداث" بما أن الشر هو إضطراب في سير قوانين الله، فإنه حتما لا يتبع، عند اكتماله، الطرق القويمة . لذلك فإن في كل حساب شرير توجد مجموعة من الحلقات المفقودة والعقبات" وتقوم بتفكيك معنى الشر إستنادا إلى جوهره" في جوهره بالذات لا يمكن للشر إلا أن يصل بمن كان أداته إلى نهاية وخيمة "، " نعم في هذه الساعة الأكثر اضطرابا في حياتي، أصبحت نفسي تتوق إلى الإنجاب الفكري ..كيف سيكون الغد، أأكف عن التيه في الظلمة؟"
نحن أدركنا أو لم ندرك نعيش حياة تملؤها الغرابة من كل جهة، لعل تلك الغرابة إضافة إلى الأسباب الناتجة عن حوادث الألم الشديد والتعذيب المُروّع والشعور بأننا نلامس المجهول أو أننا نكاد نغوص فيه" رغم ذلك أدرك أنني لن أختفي حتى أعرف السر العميق الذي يحيط بحياتي منذ بدايتها الغريبة حتى الآن" .
لقد وضعت الحياةُ إيزابيل على حافة الهاوية مرات عدّة فإيزابيل تلك الفتاة اللقيطة التي تخلى إخوانها ونبذوها تماما ، ونفرت هي بدورها من المادية الأوربية وترفها الطاغي، وهي نفسها إيزابيل التي تركت جنيف البرجوازية وتتجه نحو صحراء مقفرة باحثة عن إجابة لا تقل غرابة عن غرابة حياتها وبؤسها التام. لتزيد الحياة إيزابيل جرعة من المحن حينما أقبل عبد الله بن محمد على إغتيالها بإيعاز من حكام فرنسا بعد أن أرابتها تحركاتها ضمن جماعة القادرية وتلميحاتها برفضها لسياستها الإستعمارية ضد الجزائريين ، وقد عرفت تلك بحادثة " البهيمة" " رأيته وهو قادم ونظرت إليه ..بحثت كثيرا في طيات قلبي عن حقد لهذا الرجل الذي هو أداة عمياء في يد القدر..أحس نحوه إحساسا فريد يتهيأ لي وأنا أفكر فيه وكأنني على حافة الهاوية. شيئ غريب لم يقل كلمته الأخيرة بعد.أو بالأحرى الكلمة التي تحوي معنى حياتي كلها. قبل أن أجد مفتاح هذا السر وهل سأعرفه يوما؟ الله وحده يعلم فإنني لن أعرف لا من أنا ولا ما هو سبب وهدف قدري هذا واحد من أغرب الأقدار" إيزابيل في هذه اللحظة بلغت ذروة التساؤل والإضطراب وأدركت أن غرابة التي تكتنف حياتها وحياة كل البشر ، إيزابيل رأت أيضا أن البعض لا يكلف نفسه البحث على معنى أي شيء أو أن يبادر ذهنه سؤال عن ماهيته أو على الأقل محاولة إستجلاب معنى لدوره وهدفه المنشود على المستوى الفردي ضمن حيز الوجود الإنساني "جنون، يقول البسطاء محبي الحلول الجاهزة الذين تقلقهم الغرابة" هكذا عبرت إيزابيل.
من السسهل ومن البساطة طمئنة النفس بتفسيرات مبتذلة ناتجة عن معارف دينية وثقافية سطحية وخبرة قليلة " إيمان العجائز" ، ولكن إيزابيل هذه الفنتاة التي وقفت على حدّ تعبيرها إلى" جناح المجهول" وأرقها سؤال ميتافيزيقي شديد الإلحاح وأرادت أن تلتمس له إجابة هنا بعيدا عن صخب الحضارة والتصنع أرادت أن تدرك معنى لقدرها الغريب" لو أن غرابة حياتي كانت نتيجة تفاخر أو تصنع، نعم لأمكن القول أنها هي أرادت ذلكك، ولكن لا، لم يعش كائن مثلي يوما ، ولا خاطر مثلي ، إنها الأحداث التي أخذتني في سياق تسلسلها وأوصلتني إلى ما أ،ا عليه الآن، ولست أنا التي خلقتها. ربما كل الغرابة التي في طبعي تتلخص في خاصة واحدة: البحث مهما كان الثمن، عن أحداث جديدة والهروب من الكسل"
إن ما توصلت إليه إيزابيل أخيرا، هو أنها بعد سعيها الدؤوب روحيا ( إيمانها الديني الراسخ وتعبدها على طريقة المتصوفة وتأملاتها التدبريّة في أعماق الصحراء)، وماديا (تعرَّضها لضغط عنيف وصادم، ووظروف غريبة ، جعلها تتساءل عن جدوى وجودها ومعناه)، ولربما، كان هذا الشيء أقرب إلى أطروحة "فرانكل"؛ فالضغط الكبير – أثناء فترة حبسه في المعتقلات النازية – جعلته يُفكِّر باستخراج معنى فردي من هذه المعاناة، لذا آمن بضرورة تحرير نفسه وإيجاد معنى لها، وسط ركام من حطام النفس المُهشمة والمحجور عليها، فكتب أطرو حته الموسومة بـ (العلاج بالمعنى).
فالذي أتوصلت إليه يماثل تماما ما تطلّع إليه "فكتور فرانكل"، وهو محاولة خلق نوع من المسرات بإزاءِ آلام جسام، وذلك من خلال ربط الذات الإنسانية بمعانٍ أسمى، والتطلّع إلى تحقيقها، أو على الأقل – وهنا يكمن العلاج بالمعنى – اعتبارها معانٍ سامية يُتطلع إلى تحقيقها طالما هو على قيد الحياة، وعدم الركون إلى اليأس والقنوط؛ فذاك مما يُدمّر الإنسان، ويُهدِّم معناه الوجودي على المستويين الداخلي والخارجي(معاذ بني عامر)
وليبق التساؤل مطروحا على كل ذات إنسانية هل هناك معنى للوجود الإنساني ؟ هل المسعى هو الوقوف على المعنى أم أن البحث عنه له معنى بحدّ ذاته،بينما يؤكد فيما يتعلق بشخصيتنا المؤلفان: " ماري اوديل دولاكور و جان رونيه هولو " مؤلفا كتاب" الرحلة الصوفية لإيزابيل ابرهارت " أن إيزابيل عاشت "طالبة للمعرفة" أو كـ "ساعية للبحث عن المعنى" من خلال تأملاتها والتزامها الروحاني. وتدل الكتابات المنقولة عنها أنها عاشت تلك التجربة كنوع من التفجر بداخلها . وهذا ما عبرت عنه هي نفسها بالقول: أحسست بسمو لا اسم له يحمل روحي نحو مناطق مجهولة من النشوة. لقد بدأت ايزابيل ابرهارت تجربتها الروحانية بنوع من «الإحساس الغامض» ثم استمرت في الذهاب بعيدا بحثا عنه وصولا إلى «حالة تصوف عميقة» وهي في الحقيقة حالة من الوعي الإنساني يتأتى من الغرق في سؤال المعنى وبالبحث عن غاية لهذا التيه الوجودي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشهيدة
علمدار ( 2018 / 8 / 18 - 19:57 )
ومع كل ما قدمته ايزابيل ايبرهارد لسوف من شهرة عبر اطلاق وصف مدينة الالف قبة عنها وما كتبته عنها بكل حرارة وحب صادق وعشق أبدي لها ولسكانها غير أنها لم تكافأ ولو باطلاق اسمها على حي أو حتى شارع انها ثقافة الجحود والنكران والجهل والتكفير

اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص