الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين فى خدمة دولة المال

جمال عبد العظيم

2018 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر الدين من اهم ادوات النظام السياسى الحاكم فى البلاد ايا كانت طبيعة هذا النظام . فمنه تستمد الانظمه شعبيتها وشرعيتها وتحصل على التأييد السياسى لانحيازاتها الطبقيه وسياساتها المحليه والاقليميه
والدوليه . وهى افه قديمه قدم الاديان نفسها وتمثل اعلى درجات القهر الفكرى . وقد بدأ استخدام الدين لخدمة السياسه منذ ايام الفراعنه حيث كان كهنه الفرعون يحسبون مواعيد الكسوف والخسوف بحكم
معرفتهم بدورة الساروس وكانوا يستبقون الكسوف باعلان للشعب يفيد بان الاله الشمس سوف يحتجب يوم كذا لمدة كذا احتجاجا على معاصى البشر او على ضعف الولاء للملك او اى امر يراد تسويقه .
وعندما يحدث الكسوف يهرع الناس الى الكهنه لتلقى تعليماتهم وتنفيذها بحذافيرها . واستخدام الدين لخدمة السياسه هو ما حدا بالعالم الاشتراكى السابق الى انكار الاديان جميعا واعتبارها وسيلة الحكم
الراسمالى لقمع الجماهير فكريا . كما دفع العالم الغربى الديمقراطى الى الفصل بين الدين والدوله وتقديم نموذج الدوله المدنيه . وقد نسبت جميع الانظمه العربيه نفسها للدين رغم اختلافها وتباينها وتم
استخدام الدين وتوظيفه فى كل العهود ولصالح كل الحكام يستوى فى هذا المذهب السنى او المذهب الشيعى مثال ذلك ما تفعله حاليا قبيلة الحوثيين فى سعيها لانشاء المملكه العربيه الحوثيه على انقاض
اليمن حيث استغلت المذهب الشيعى فى تحركاتها المحليه والاقليميه . بل انها خرجت من المذهب الزيدى الى المذهب الجعفرى الاثنى عشرى لتضمن تأييد ايران ومساندتها . ومثل ذلك فعلت قبيلة ال
سعود منذ نحو قرن من الزمان حين أنشأت الحركه الوهابيه السنيه للانقلاب على حكم ال البيت فى مملكتى نجد والحجاز . وفى البلاد ذات الطموح الامبراطورى والسعى للتمدد فى اراضى جيرانها يتم
توظيف الدين لخدمة الرغبه الاستعماريه وهو ما نشاهده حاليا فى سلوك الدوله الايرانيه الشيعيه والدوله التركيه السنيه . ولا يقتصر استخدام الدين على السلطه الحاكمه بل والمعارضه ايضا تفعل هذا وخاصة
الدينيه منها وهو ما تفعله جماعة الاخوان المسلمين و ما نشاهده منذ بدأت عملية الربيع العربى المزعوم . وقد وصل الامر الى حد استخدام القرءان الكريم والرسول (ص) كدعايه لاحد المرشحين للرئاسه
وهو الملتحى حازم صلاح ابو اسماعيل حيث اعلن الشيخ يوسف القرضاوى ان الرسول محمد (ص) يطلب منه ( فى منام رأه احد الصالحين المجاورين للحرم ) ان يبلغ حازم صلاح ابو اسماعيل بأنه قد دخل
الجنه ليلحق بابيه ( تاجر العمله وعضو البرلمان سابقا ) . يحدث هذا اثناء سير العمليه الانتخابيه لترجيح كفة المرشح المذكور على سائر المرشحين . كما لجأ قادة الجماعه الى تقديم برامج دينيه على التليفزيون
قبل ان ينتقلوا للبرامج السياسيه المؤيده لجماعه الاخوان او قبل ان يترشحوا للرئاسه . وفى اعتصام الجماعه بميدان رابعه العدويه اذاعوا نبأ وصول امين الوحى جبريل عليه السلام للمشاركه فى الاعتصام
احتجاجا على عزل الرئيس محمد مرسى . والمؤسف بل والخطير ان تزعم الجماعه ان الوطن وثن والوطنيه وثنيه او ان الوطن هو مجرد حفنة تراب عفنه ويصل بها الاجرام فى حق الوطن الى الزعم
بان اعادة الاستعمار التركى للبلاد هو فرض عين على كل مسلم . مع ان القرءان قد تعاطف مع الذين اخرجوا من ديارهم بل واذن لهم بالقتال . كما قال الرسول (ص) عن وطنه مكه انها احب البلاد اليه
ولولا ان اهلها اخرجوه منها لما فارقها . ولم يحدث ابدا ان قام احد بتفسير النصوص لصالح الشعب او الاغلبيه المهمشه بل دائما ما يأتى استخدام الدين لمصلحة الحكام . وفى هذا الاطار فقد افتى الداعيه
السلفى محمد سعيد رسلان بأن التصويت للسيسى واجب شرعى وان الانتخابات نفسها تعد امرا من خارج الدين وانه يجب مبايعة السيسى بدون انتخابات . كما شاركت المؤسسه الدينيه الرسميه فى هذا الهزل
فأفتى الدكتور / شوقى علام مفتى الديار المصريه بان من لا يدلى بصوته فى الانتخابات الرئاسيه هو اثم شرعا واكد ان الاسلام اوجب المشاركه فى ما يخص مصير الدوله . وقال المفتى ان الناخب مطالب
بالذهاب الى لجنة الانتخابات والادلاء بصوته للاصلح ثم صرح المفتى بضرورة مساندة القياده السياسيه فى ظل النقد الموجه لها من المجتمع الدولى فيما يخص حقوق الانسان وطالب الشعب بالخروج للانتخابات
والتصويت للرئيس السيسى . اما المفتى السابق الدكتور / على جمعه عضو هيئة كبار العلماء بالازهر فقد افتى بان التصويت فى الانتخابات هو شهاده امام الله ومن يتركها فهو اثم شرعا . وبدوره افتى الشيخ
عبيد عبد الله (مدير عام بوزارة الاوقاف) بأن " الله سبحانه وتعالى هو من اتى بالسيسى لرئاسة مصر وقيادتها وانه لم يأت بنفسه للرئاسه " مطالبا جميع المواطنين بالوقوف خلف السيسى صفا واحدا .
ومن جهته اكد الحاج / عباس شومان وكيل الازهر بأن جميع العلماء متفقين على شرعية الانتخابات الحاليه وافتوا بضرورة المشاركه فيها لكونها شهاده يسال عنها تاركها يوم القيامه .
وقديما استخدم الرئيس السادات الشيخ محمد متولى الشعراوى لاسباغ التأييد الدينى على معاهدة السلام مع اسرائيل 1979 فعينه وزيرا للاوقاف وأيد الشيخ المعاهده مستندا الى الايه : يذكر ان الشعراوى عاد ليرفض السلام مع اسرائيل وقدم تفسيرا جديدا للايه قائلا : ان معنى هو ان ياتى السعى للسلام منهم هم وليس من جانبك انت كمسلم لانك انت
الاعلى واذا ذهبت انت اليهم فانك تكون قد استسلمت .
اما فى دولة جمال عبد الناصر فقد صودر الاسلام لصالح الاشتراكيه حيث تم وصف الاديان جميعا بانها ثورة وانها تحديدا ثورة اشتراكيه . وانشغلت المؤسسه الدينيه الرسميه بالدعايه للدين الجديد وربطه
بالاسلام فجرى تقديم نماذج مثل عمر ابن الخطاب وعلى ابن ابى طالب وابى ذر الغفارى وعمر ابن عبد العزيز باعتبارهم يرمزون لاشتراكية الاسلام . كما تم التركيز على احاديث مثل :
" الناس شركاء فى ثلاث . الماء والكلأ والنار " و " الارض لمن يفلحها " ...الخ . وعلى مدى 18 سنه تم اعتصار الازهر بعلمه وتاريخه وشيوخه لخدمة الاداء والفكر السياسى والاقتصادى للعهد الناصرى
وهو ما ادى الى سقوط الازهر وانسحابه من الحياه المصريه ل 46 سنه كامله .. واستطيع القول ان الازهر قد تعرض للهدم مرتين فى العصر الحديث . الاولى عندما اقتحمه نابليون بونابرت بالخيول
والثانيه عندما اقتحمه جمال عبد الناصر بالاشتراكيه الناصريه . وتفصيل ذلك ان الازهر تورط فى خلط ودمج الاسلام بالاشتراكيه وواصل ذلك فيما كان الضباط المتقاعدين وقادة الاتحاد الاشتراكى ينهبون
الثروه القوميه للبلاد ويتحولون سرا الى طبقه كبيره اخذت الفرصه للظهور والاعتراف بعد هزيمة 1967 حيث بدأ الفكر الاشتراكى المزعوم يحتضر كتداعيات للهزيمه القاسيه . وصدر فى 1968 قانون
استثمار راس المال العربى و الاجنبى وهو ابو الانفتاح الاقتصادى الذى اخذ مداه بمجرد تولى انور السادات حكم مصر . وكان لابد من اعادة توظيف الدين الاسلامى لخدمة التوجه الجديد للدوله بعد ان
هزمتها اسرائيل هزيمه عسكريه سياسيه فكريه قوميه . فتم احالة الازهر الى التقاعد واستعانت البرجوازيه الكبيره السريه التى تسلمت الحكم فور الهزيمه بجماعه دينيه محظوره هى الاخوان المسلمون
ولجأوا فى البدايه لمطاريد الاخوان مثل الشيخ / محمد الغزالى والشيخ / السيد سابق والشيخ / محمد متولى الشعراوى . ومن خلال هؤلاء ومن يشاكلهم اعيد انتاج الدين الاسلامى ليصبح معاديا للاشتراكيه
ومتنافرا معها باعتباره دين راسمالى يسمح بالملكيه ويحميها مهما بلغت . وتم تقديم نماذج من اثرياء الاسلام مثل عثمان ابن عفان وعبد الرحمن ابن عوف وابو بكر الملقب بالصديق ...الخ
وطبعا كان بديهيا ان تلجأ الطبقه الجديده للمؤسسه الدينيه الموازيه ورموزها وكوادرها حيث لم يكن ممكنا للازهر الذى دمغ وصبغ الاسلام بالاشتراكيه بالامس ان يعيد صبغه بالراسماليه اليوم . ولهذا
انهت الدوله تماما عدائها لجماعة الاخوان المحظورة . بل وجرى التزاوج والتالف بينهما وتوحد طريقهما التاريخى والعقائدى ليرثا معا النظام الناصرى القتيل . و راح الازهر فى سبات عميق حتى لجأوا
اليه لردع الاخوان وخلعهم من الحكم فى 30 يونيو 2013 . وبحماسه شديده تلقف كثير من الازهريين هذه الوظيفه الجديده المربحه ويقومون الان بتسخير الدين ليلائم مصالح عبد الفتاح السيسى والطبقه
المتخمه التى يمثلها وهو ما يؤدى لخروج مئات الالاف من الدين الاسلامى . وهم يجهرون بذلك على صفحات الملحدين المصريين . فهل من اجل هذا يشتغلون بالدعوة ؟ ويبقى فى النهايه نموذج الدوله المدنيه هو الاوحد لصيانة الدين واخراجه من اللعبه السياسيه ولتهذيب السياسه ومنعها من استعباد البشر لصالح الحاكم والفئه التى يمثلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا