الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الدين و الدولة.....السودان نموذجا

متوكل دقاش

2018 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جسد مفهوم الدين على مر التاريخ مفهوما إشتكاليا ذو أبعاد يصعب معها سبر أغواره خاصة تلك الأبعاد المتعلقة بخاصيته و وظائفه و حدود اشتغاله و فاعليته و إمكانية اشتغاله في امداء بعيدة غير تلك التي نعرفها.
و هنالك أبعاد و زوايا عديدة تم النظر من خلالها إلى الدين فمن ناحية البعد
_الانثروبولوجي فمسألة الدين هي ظاهرة ذات بعد جهلوي كانت تعكس غموض بعض الظواهر الكونية فيما مضى من أزمان سحيقة بالنسبة للإنسان خاصة الإنسان الأول و عدم قدرته على تفسير أو إيجاد قوانين تربط بين هذه الظواهر و الأشياء.
و صاحب هذا الجهل قلق وجودي اعترى الإنسان جراء تعقد العالم و ظواهره و ثبت لديه بأن قوة ما خارقة وراء تبدي هذه الظواهر و الأشياء و بما أن هذه الظواهر لم تكن تظهر بإستمرار فإن ظهورها كان يخلق اضطرابا اعتقد الإنسان معها بأن ظهورها في أوقات معينة هي آيات تعكس غضبة و نقمة ذلك الصانع أو تلك القوة المتعالية.
و إذا كان ذلك كذلك فلابد إذن من إيجاد طريقة للتصالح مع تلك الذات المتعالية و القوة الخارقة بأي شكل من الأشكال و بما أن الإنسان تكشف لها ضعفه إزاء تلك القوة فإنه أقام العلاقة ما بينه و بينها على اساس الخضوع التام و أوجد طريقة لإظهار ذلك الخضوع و ذلك بتقديمه للنذر و القرابيين لتلك القوة المتعالية.
و بذلك تشّكلت مجمل العقائد التي تمس مختلف الاطاريح مثل الشخصية و الوراثة و النسب.
و المعلوم أن العقيدة ما أن تتشكل حتى تصبح نظاما مفتوحا يستمد منه المؤمنين به شرائعهم التي ترسم لهم أطر الحراك الدنيوي الذي يؤدي إلى عالم اخروي سرمدي يجد فيه الفرد و الجماعة السعادة الحقيقية و الأبدية.
قد يقول قائل أن ثمة جزء لا يستهان به في الدين يكمن في الممارسات الآلية بل و في بعض السياقات و التقنيات و قواعد السلوك الدبلوماسي من أجل الاحتفالات و التضحيات و الصلوات بيد أن علماء الاجتماع يروا أن شعائر الدين التي على شاكلة الصلاة و من ثم التمثلات و الممارسات الدينية لطالما كان بإمكاننا شرحها و تفسيرها لنضفي عليها الطابع العلموي و ذلك بغرض تحديد وظائفها و تحديد مدى فاعليتها و بالتالي فإن التمثلات و الممارسات الدينية ليست إلا عوامل تخدم جانب التماسك الإجتماعي أو بنية السلطة أو هي تعكس رؤية عالم طبيعي و إجتماعي.
و تأسيسا على ذلك و ضمن هذا النمط من الشرح و من هذا المنظار تعتبر كل عقيدة دينية هي عقيدة دينية صحيحة بالنسبة لأصحابها و ذلك بقدر ما تلعب دورا إجتماعيا(13).
و لكن ثمة إشكال يتمظهر هنا لا سيما أننا لا نجد أحدا اليوم يعتقد في إمكانية النظر إلى المجتمع خاصة المجتمع المتروبولي (المديني) الحديث كما لو كان كلً متجانساً.
و بالتالي فإننا نغدو بعد إثبات صحة الفرضية القائلة بلا تجانس المجتمع ككل قادرين على أن نستغنى تماما عن المبدأ الاجتماعي القائل بأن الشعائر الدينية تعبر بالضرورة عن تكافل المجموعة و تقويها.
فلا تجانس المجتمعات البشرية الحديثة الميتروبولتانية و خاصة داخل إطار الوحدة الاجتماعية التي تعرف بالدولة القطرية تعكس بالضرورة تنوعا و هذا التنوع يفترض و بكل تأكيد الاختلاف الاثنوديني الذي يعتبر سمة من سمات المجتمعات المدينية الحديثة و ذلك بسبب خلفياتهم الثقافية المختلفة.
و هنا تظهر المنهاجيات و النظم و الفلسفات الضرورية التي تدار بها مسألة التنوع المجتمعي و التعدديه داخل الدولة القطرية فالدولة ادوات اشتغال و آليات تحكم دينامية أجهزتها و مؤسساتها و ترسم عبرها الأطر التي وفقها تتحدد العلائق بين الأفراد و اجهزة الدولة و مؤسساتها (علاقة تعاوضية) و كذلك بين الأفراد و المجتمعات فيما بينهم (علاقة تبادلية).
هنا يمكن ان يتحدد لنا بعد ذلك إن كان بالإمكان للدين أن يصبح فاعلا في الفضاء العام و ضمن إطار أو ماعون واسع مثل الدولة الوطنية دون أن يمسس بقيم مثل العدل و المساواة بين الأفراد المتواجدون داخل هذا الإطار.
و ما يجب أن ندركه هنا هو أن رؤية الدولة الوطنية للأفراد و المجتمعات التي تسكنها لابد و أن يحكمها عامل موضوعي و محدد يتخذ كأداة لضبط هذه الرؤية و قياسها.
لذلك فإننا نجد أن الدولة الحديثة قد أخذت رؤيتها لافرادها و مجتمعاتها من زاوية المواطنة التي تعتبر مرتكز موضوعي و آلية ضرورية و وسيلة قانونية تتحدد وفقها الحقوق المكفولة و الواجبات المطلوبة من الافراد و المجتمعات بغض النظرعن انتماءاتهم الدينية و العرقية و تقسيماتهم الجنسية ذكر/أنثى.
و بالنظر إلى ميكانيزمات الدين عند توظيفه كأداة اشتغال رئيسة في حكم الدولة فإن ملامح الدولة الوطنية الحديثة تصبح مهددة بالاضمحلال خاصة المرتكز الرئيسي لها و هي خاصية المواطنة و التي تنبني عليها الشخصية القانونية للأفراد و المجتمعات و تجعلهم سواسية أمام أجهزة الدولة و مؤسساتها البيروقاطية ذلك و ببساطة لأن أولى تفعيلات الدين كظاهرة اجتماعية ينقسم معها المجتمع إلى أفراد مؤمنين و آخرين غير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال