الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راهنية التساؤل الفلسفي عن الطبيعة

زهير الخويلدي

2018 / 8 / 29
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


من دواعي التناول الفلسفي لمسألة الطبيعة يمكن ذكر النقاط التالية:
1) مبحث الطبيعة هو من المباحث الأولى الذي لفت انتباه الفلاسفة ، فقد اقترن النظر الى ظواهر الكون بميلاد الفلسفة والشروع في اعتبار الموجودات والبحث في خفايا الأمور وبواطن الأشياء.
2) غياب الطبيعة بالمعنى الكوني تحت تأثير المخاطر البيئية والتصنيع وتسيد الإنسان للكون وفقدان طبيعة الأشياء والأشخاص نتيجة انقلاب القيم وانتشار العدمية وفقدان الطبيعة البشرية هويتها.
3) العودة إلى الطبيعة اليوم ارتبط بالبحث عن معنى الحياة وتفسير مصير الكون بعد تزايد المخاطر البيئية وتصحر الوجود نتيجة التصنيع والتقدم التقني والتخريب الذي تعرض له أديم الأرض.
4) ما يدفع الفكر الفلسفي في اللحظة الراهنة إلى تناول مسألة الطبيعة هو اتصال هذه الفكرة بوفرة مشروع تفسيري غير منفصل عن الفلسفة في أصولها. كل جيل من الفلاسفة يأتي بالقياس إلى هذا المشروع التفسيري ولقد تناوب على ذلك كل من الأسطورة والدين والفلسفة والعلم والتقنية.
5) لم يمنع الوصف المعطى من طرف العلوم للواقعة الطبيعية من بروز عدة ترددات ولم يتم القضاء على عدة ألغاز وأسرار مازالت يكتنفها الغموض وتوجد بين عناصر الكون وتتخلل ظواهر الطبيعة. لقد عجزت العلوم الطبيعية عن تقديم تفسيرات واضحة لعدة مظاهر ولم تقدر على تنظيمها وقوانين وظل الفكر البشري في حاجة إلى تدخل التأمل الفلسفي لوضع تصنيف للكائنات وفق التصورات النظرية.
6) الأسئلة الحارقة في الحقبة المعاصرة تتجه بالضرورة نحو الفعل البشري والذكاء الصناعي ويطرحها الخبراء في العلم والتقنية الصناعية وتنظيم المجتمع وحتمت تخطي التناقضات والرد على التحديات وتجاوز المحدودية التي يتصف بها الوضع المعرفي . وبالتالي تطرح الفلسفة من جهة المسألة العملية الاندراج المشترك في نظام الطبيعة بغية توضيحها وتجديدها واستشراف المستقبل بالنسبة للحياة على الأرض ورسم وجهة الكائن البشري.
مشكلة الطبيعة :
كيف يمكن الانتقال من مستوى المعنى المتداول إلى مستوى المعنى الفلسفي والعلمي؟ وماهو هذا النظام القائم الذي يسمح بالتأليف بين الطبيعة بوصفها مجموع الكائنات والطبيعة بوصفها ماهية الشيء؟ أي النظام الداخلي يجعل ذلك الشيء على ماهي عليه ؟ هل الطبيعة هي النظام العقلي أم الترتيب الكوني؟ من أين جاءت فكرة ماوراء الطبيعة عند أفلاطون؟ هل يوجد ماوراء فعلا ؟ أين يوجد؟ وماهي خصائصه؟ أليست الطبيعة هي الخارجية المحضة؟ ماهي الحركة الطبيعية عند أرسطو ؟ ألا توجد حركة ضد الطبيعة؟ كيف أكمل حاول كل من ديمقريطس وأبيقور ولوكراس تأسيس التصور الوضعي للطبيعة؟ وماهي مساهمات الثورة العلمية مع غاليلي وميرسن وديكارت وباسكال ونيوتن في تنقية صورة الطبيعة من الاعتبارات الماورائية؟ وما المقصود بالترييض والتجريب ؟ ولماذا اعتبروا الطبيعة كتاب مفتوح لغته رياضية؟ هل للسيطرة عليها أم تغييرها نحو ما مفيد؟ ما الفرق بين الطبيعة والمحيطenvironnement ؟ وأي تعارض موجود بين الطبيعة والثقافةculture ؟ وماهي رهانات واستعمالات هذا التعارض؟ بأي معنى أسس ايميل زولا الطبيعوية في الأدب وجس ديدرو وأوغست كونت المذهب الطبيعي في الفلسفة؟ ما الذي يقصده كانط بالمبادئ الميتافيزيقية للعلوم الطبيعية؟ وما طبيعة علوم الطبيعة؟ إلى أي مدى يكون الفكر البشري حسب شلينغ قادرا على فهم الطبيعة باعتبارها حركة الروح؟ وكيف طور هيجل وماركس فلسفة الطبيعة؟ أين يرى أنجلز منهج الجدل في الطبيعة تحديدا؟ وما مصير مفهوم الطبيعة اليوم وغدا؟ هل تحكمه النزعة الميكانيكية أم التوجه الغائي؟ وكيف عمل جاك مونو على التأليف بينهما؟ وما السبيل إلى إعادة بناء علاقة الإنسان بالطبيعة وفق حلف ايكولوجي جديد ومسؤولية كما يرى جان جوناس؟
الحقل الدلالي:
إذا بحثنا في الأصل الاشتقاقي لكلمة الطبيعة فإنه حري بنا أن نعود إلى الإغريق الذين أبانوا بالفيزيس phusis على نمو النباتات واعتبروه الأم المغذية . كما تم استعمال اللفظ اللاتينيNatura من الفعل nascor أو nasci الذي ترجم إلى اللسان الفرنسي بفعلNaïtre وجاءت منه كلمة ولادة Naissance وقد سمح لنا بالقول أن كل ماهو طبيعي يفيد كل ماهو حي أي بصدد الحركة والتغذي والتوالد والنمو.
علاوة على ذلك إن لفظ الطبيعة هو واحد من الألفاظ المستعملة كثيرا في حياتنا اليومية وفي معان متعددة: فنحن نتحدث عن جمال الطبيعة ، وعن تقلبات الطبيعة ، وعن ضرورة حماية الطبيعة من الاستنفاذ والتلوث والتخريب، وأيضا عن طبيعة شخص ، وطبيعة شيء وطبيعة إحساس وعن مشهد طبيعي. هذا التعدد الدلالي يعكس تعدد الاستعمالات في اللغة المتداولة ويمثل علامة ثراء ووفرة للفكرة التي يقوم بتعيينها. لقد عرف قاموس ليتريlittré الطبيعة بكونها مجموع الكائنات التي تمثل الكون، وهذا التعريف يتناسب مع الاستعمال المشترك، ثم يقترح تعريفا ثانيا يتمثل في كون الطبيعة هي النظام القائم في الكون أو نسق القوانين التي تتحكم في وجود الأشياء وتتابع الكائنات، وهذا التعريف يتناسب مع الجانب العلمي والفلسفي1 . بعبارة أخرى إن المعنى العلمي يجعل من الطبيعة مجالا مموضعا ويكشف عن الحتمية. لهذا السبب كانت" فكرة الطبيعة ملتبسة، أو بشكل أكثر دقة، لها منحدر مزدوج. توجد فكرة سحرية عن الطبيعة ، وتوجد فكرة علمية"2 . غير أن التصور العلمي يحاول جاهدا أن يحقق الانتصار على التصور السحري ويحل محله. من المعلوم أن الطبيعة تدل على كل ماهو مدركperceptible وكل ماهو متصورconcevable وتتعارض مع ماهو صناعيartificiel مثل الأشياء التي أنتجتها البراعة الإنسانية ومع ماهو ماورائيsurnaturel مثل الأحداث الخارقة للعادة التي تقع في الحياة الإنسانية عن طريق القدرة الإلهيةgrâce divine 3 . إذا دققنا أكثر وعدنا إلى المعجم الفلسفي نجد ما يلي: الطبيعة Nature والطبيعيNaturel والمذهب الطبيعي Naturalisme.
+ من جهة أولى الطبيعة Nature تمتلك دلالات متعددة تتعلق إما بطبيعة كائن معين وإما بالطبيعة بصفة عامة ( بوصفها مجموع الكائنات). فهي المبدأprincipe الموجه في تطور كائن معين حيث يقترن الفيزيسphusis بالبذرة عند الإغريق. هنا تتعارض الطبيعة من حيث هي سببcause أو عقل مع الفن أو مع التقنية. بعد ذلك نجد الماهيةEssence التي تفيد مجموع من الخصائص التي تعرف كائنا يكون مطابقا مع نوعه. من هذا المنظور نجد الطبيعة البشرية حاضرة في كل إنسان. غير أن هذا التصور المتداول تم تهفيته من طرف الأثنولوجيا والبسيكولوجيا والماركسية والوجودية برفضهم أسبقية الماهية على الوجود. كما نعثر على الإنسان الطبيعيl’ homme de la nature عند جان جاك روسو يتعارض مع المواطن في الحالة المدنية، وبالتالي كل ماهو فطري أو تلقائي في النوع يتعارض مع الثقافة ، ويتعارض أيضا مع الوحيrévélation والرحمةGrace التي يذكرهما قاموس التيولوجيا.
المعنى الخاص والدقيق للفظ الطبيعة يشير إلى الطبائع الخاصة بفرد معين التي تميزه عن غيره وتعني الطبعcaractère أو المزاجtempérament والجانب المورفولوجي والمكونات البيولوجية.
من جهة ثانية الطبيعة هي مجموع الأشياء ( الحيوان والنبات والتراب) الخاضعة لقوانين عامة جعلها أرسطو متعارضة مع الصدفة تحديدا. هذا المعنى يتم تخصيصه على النحو التالي:
- مجموع مخلوقات الله في المنظور الإيماني وكل ماهو موجود حسب منظور غير ديني، أي مجموع الكائنات الخاضعة للسببية التي تكاد أن تكون ميكانيكية بالتعارض مع الحرية أو الروح.
- العالم المرئي الذي نسكنه من حيث هو متعارض مع النظام العاطفي والروحي والفكري ومابعد الطبيعي الذي يظل محتجبا عن أنظارنا وغير مدرك حسيا.
- يمكن اعتبار الطبيعة ،بالقياس إلى أن كل كائن مطالب بأن يحقق ماهيته، المبدأ المعياري الذي اتبعه ذلك الكائن. من البديهي أن نذكر في هذا الإطار قوانين الطبيعة من حيث هي قوانين كونية والتي لا تمثل القوانين البشرية سوى محاكاة خصوصية لها. كما يبدو من المنطقي أن تتضمن الحركة المضادة للطبيعة الكثير من الانحراف والفساد والانتقام في المعجم التحليلي النفسي.
في الحقيقة،" يشير لفظ الطبيعة إلى معان مختلفة، فبالمعنى الفيزيائي والفلكي الطبيعة هي الكون بما يتضمنه من أفلاك وظواهر متنوعة تخضع لقوانين ثابتة وضرورية. والمقصود أيضا بالطبيعة أصل الشيء وجوهره وكنهه، مثل قولنا: طبيعة الماء وطبيعة النفس الخ. ويعني لفظ الطبيعة الفطرة والغريزة، وهو بهذا المعنى مقابل للثقافة والحضارة. وللطبيعة معنى رومنطيقي وهو الذي نعنيه عندما نشير بهذا اللفظ إلى الغابات والبساتين والمروج وكل ما يبعدنا عن صخب المدينة وضوضائها."4
+ أما الطبيعيNaturel فيستعمل في كل معان كلمة الطبيعة ويتعارض مع المكتسب والمنعكس والصناعي والإنساني والإلهي والموحى به وماوراء الطبيعي والأسطوري وغير السوي. يمكن أن نذكر على سبيل المثال الحق الطبيعي الذي يستخلص من حالة الطبيعة ويتعارض مع الحق الوضعي. وكذلك نذكر عبارة الدين الطبيعي المستعملة بكثرة في القرن 18 والذي يرتكز على بالعقل ويتحاور بشكل مستقل وندية مع الوحي.
+ في حين أن المذهب الطبيعي Naturalisme يدل في الحقل الجمالي والفني على التصور الذي يأخذ بمقتضاه الفنان الطبيعة كنموذج في عمله سواء كان رسما أو نحتا أو نثرا. كما تم تطبيق المصطلح على التيارات الفلسفية التي تنفي وجود ماوراء الطبيعة من غيب وروحانيات وكل مبدأ متعال وكل قيمة أو حقيقة من طبيعة مغايرة لما يظهر في التجربة. علاوة على ذلك ينفي المذهب الطبيعي كل خلق الهي وكل عناية إلهية ويثبت طيبة الطبيعة ويفسر تطور المجتمع بالاعتماد على قوانين طبيعية ويعتبر حالة الطبيعة بوصفها عصرا ذهبيا مرجعا للسلوك البشري. لكن تقع معظم القواميس في حلقة مفرغة ودور لغوي عقيم حينما تعرف الطبيعة بمجموع الأشياء الموجودة بشكل طبيعي وتحدد الأشياء الطبيعية بواسطة الطبيعة5 .
1-ماهية الطبيعة: الكلية Totalité – النموgénération – النظام - ordre
2-الطبيعة واللاّطبيعة: الطبيعة ضد الأسطورة- الطبيعة ضد ماوراء الطبيعة – الطبيعة ضد الروحesprit- الطبيعة ضد الثقافة – الطبيعة ضد التاريخ.
3-الإنسان والطبيعة : الإنسان الساكنhabitant – الإنسان المالكpropriétaire – الإنسان الراعيprotecteur
-4ايديولوجيا الطبيعة: الطبيعة الطيبةbonne – النزعة الايكولوجية ، نقد النزعة الطبيعوية.
الإشكال يظهر حينما تكون الطبيعة من جهة مستودع الخيرات والمنافع الكفيلة بإشباع البشر وترضيتهم ولكنها من جهة أخرى قد تتحول إلى مصدر تهديد وعنف وقسوة نتيجة تقلبات مناخية وحركية جيولوجية.
علاوة على ذلك تجد الفلسفة نفسها في مواجهة تحدين:
- تعريف الكائن البشري من وجهة نظر الطبيعة ( البحث في ماهيته وفكرته أو دراسة الجانب الطبيعي منه والغريزي والجسماني).
- تعريف الطبيعة من وجهة نظر الكائن البشري ( البحث في بنيتها ونظامها الكوني أو دراسة الجانب الروحي والعاطفي منها). فما السبيل المؤدي إلى تجنب الوقوع في مثل هذا الدور؟
1-الطبيعة هي مجموعة الكائنات التي يتشكل منها الكون وتضم الأرض والأجرام والنظام الكوني.
2-الطبيعة هي مبدأ يتم اعتباره منتج لتطور الكائن الذي يتحقق فيه نمط معين.
3-" الطبيعة هي مجموعة الأشياء التي تمثلا نظاما وتحقق ـأماطا ويتم إنتاجها وفق قوانين"6 .
غاية المراد من هذا المبحث هو إبراز خصوصية السؤال الفلسفي عن الطبيعة بالمقارنة مع التصورات المشتركة التي يوفرها التفكير اليومي والمناهج العلمية والمقاربات التقنية. زد على ذلك تفادي التناول الميتافيزيقي لمشكلة الطبيعة وما يترتب عنه من مسلمات ميتافيزيقية على غرار الأصل والجوهر وما وراء الطبيعة والحرص على طرح المطالب من المسألة بكيفية سليمة وشرعية والتمييز بين الماهية، المبدأ، الأصل، المنبع، الكون، العالم ،الولادة، الحركة ، الحياة، الوجود، الطبع، النمو.
فماهي مختلف الرؤى والتصورات التي أنتجها الفلاسفة عندما حاولوا تفسير أسرار الطبيعة وعلاقتها بالانسان؟
الاحالات والهوامش:
[1] Voir René Daval, l’idée de la nature, in Encyclopédia Universalis, tome 16, France, S.A.1992.pp36-39
[2] JouHaud (Michel), l’idée de la nature selon le Pére Lenoble, in Cahiers de la revue de théologie et de la philosophie, n°18, Lausanne (Suisse), 1996 . p226.( Actes du XXV Congrès de l’association des sociétés de philosophie de langue française, la nature, thèmes philosophiques , thèmes d’actualité, Lausanne, 25-28 aout 1994.)
[3] Giuculescu Alexandru, l’image de la nature dans la science, in Cahiers de la revue de théologie et de la philosophie, n°18, Lausanne (Suisse), 1996 . op.cit.p211.
[4] سعيد (جلال الدين) ، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، دار الجنوب للنشر، تونس، 1998. ص.275.
[5] Lenoble (Robert), histoire de l’idée de nature, éditions Albin Michel, 1969.p217.
[6] Lenoble (Robert), histoire de l’idée de nature,op, cit, p218.

كاتب فلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة