الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نادية الكيلاني .. بين شكلانية الديموقراطية وشبهة السريالية

محمد القصبي

2018 / 8 / 30
الادب والفن


كان لقاؤنا الأول في نادي القصة القاهري منذ ثمانية عشرة عاما ..
جذبتني بثورتها الهادئة ..ضد طغيان الثقافة الذكورية ..أتذكر عبارتها ذات المدلولات الاجتماعية والثقافية العميقة : وراء كل إمرأة عاهرة رجل ..قواد !
ألهذا سعيت إلى إجراء حوار صحفي معها ؟!ومن العبارة شكلت العنوان الرئيسي للحوار الذي نشر في مجلة الأسرة العمانية حينها ..
لدى الكاتبة نادية الكيلاني موقف جلي من قضية الطغيان غير العادل للثقافة الذكورية كما بدا في تلك العبارة ومشوارها الصحفي في دار الهلال ، وبعض أعمالها الأدبية ،حيث تحاول أن تظهر أنها لا تناويء الرجل كرجل ..بل فقط ثقافته الذكورية المهينة لإنسانية المرأة ، وهذا مابدا جليا في قصتها "زهرة الحب لمن ؟"التي تستهل بها مجموعتها القصصية "عيني عينك ، وكما نلحظ "..إنها منحت الرجل حق الكلام مثلما منحته للمرأة "..وكأنها رسالة للرجل ..أن المرأة حين تصعد إلى منصة العدالة للفصل في "النزاع التاريخي" بينه وبينها تبدو أكثر ديموقراطية ،وخير ممثلا لماعت على الأرض..على النقيض إن كان "هو" القابض على ميزان العدالة..
لكن ..هل قدمت الكاتبة نموذجا حقيقيا لديموقراطية الحكي عبر قصتها هذه ؟
..لاأظن .. مافعلته الكاتبة في تلك القصة كان مجرد شكل مظهري شبيه بديموقراطية عالمنا العربي ..مجالس نيابية تطفح من مجاري قصور الحكم ..وليس فيض حرية حقيقية يمور بها الشارع ..لقد عضدت الكيلاني حكي نون النسوة في القصة بسلاح المنطق ..في حين افتقد دفاع الرجل عن نفسه لذات السلاح..
"هو" يقول : كيف تتصرف هذه المرأة بهذه الحماقة مع هذا الرجل..؟ "صفحة 10"
والمرأة المعنية زوجته السابقة ،أما الرجل فآخر يبثها على ما يبدو غزلياته..
ولماذا يمورداخله بالغضب..خاصة أنها ماعادت بزوجته؟ ..هنا يفتقد دفاعه إلى المنطق : حيث يقول: صحيح أنني سقيتها من ذات الكأس مرارا لكنني رجل ، وصحيح أنها ليست زوجتي الآن ،لكن الناس لاتعلم ذلك !!
هل تعمدت الكاتبة أن يكون منطق الرجل بهذا القدر من الهشاشة ..أن من حقه ان يغازل ، بل ويقيم علاقات محرمة كما بدا في متن القصة ، لأنه فقط رجل!
لكن الأمر يختلف حين تمسك المرأة بميزان العدالة ، حيث تراه مجسدا بذكورية قميئة للمثل الفرنسي القائل " كل النساء جميلات ماعدا زوجتي "
ف " يستقبل دموع الهيفاء بحضنه ، وكرمه الزائد يضطره لأن يناول الشقراء حافظته ،وانسانيته المفرطة تجبره لأن يناول الشقراء حافظته ،وانسانيته المفرطة تجبره لأن يسكب للسمراء من حبره فوق بياض أوراقها ويزينها باسمها ،وتتمة للجود يقدمها بنفسه لوسائل الإعلام والنقاد ..المهم أن كلهن يجدن في قلبه متكئا يستندن عليه حتى ينعسن ،وهويفعل ما يفعل في وجودي بدم بارد ،ولما قلت له بهدوء إن هذا يجرح كرامتي.
قال بالهدوء نفسه :
وكيف أغض طرفي أهو أعمى= وكيف أرد قلبي أهو صلب.
الأبيات لشاعر زمانه صالح جودت وكونه يستشهد بكلمات شاعر غيره ليس اعتباطا ،لكن ليفهمني أنها سنة متبعة منذ القديم ،لم يبتكرها هو" .
"صفحة 6"
بالطبع المنصت لكلاهما .."هي وهو" سيصب سخطه على "ديك البرابر" المتعالي الصلف ..في حين قد يذرف الدمع عليها ..ضحيته !!
فإن كانت نادية الكيلاني أضفت شكلا ديموقراطيا على الحكي أقرب إلى الغلالة الشفيفة التي لم تنجح في إخفاء المرار الأزلي للأنثى الذي قد يحيد بها على نحو ما عن الديموقراطية الموضوعية في قصة " زهرة الحب لمن ؟ " ، تسلب الرجل هذا الشكل في قصة " غداء فاخرجدا "..حيث تقدم رؤية انثوية لأزمة نون النسوة مع الرجل من خلال حكي أحادي ل "هي " مع حرمان " هو " الكامل من أن يتفوه بكلمة واحدة دفاعا أو تبريرا لسلوكه بالغ النرجسية..ليس فقط في علاقاته معها ..أو الآخر.. أي آخر في المجتمع ..بل مع الأنا ..فلذات كبده ،الذين هم طبقا للمنطق الغريزي جزءا من الأنا وليسوا آخر ..حيث يحرمهم مما يشتهون من طعام ، ويطالبهم بالتحمل لمواجهة الظروف المادية الصعبة التي تعاني منها الأسرة ، وفي الوقت الذي تستجيب زوجته لمطالبه تلك ، بل وتنفق كل راتبها على شئون الأسرة ،غذاء وملابس ومدارس ،وفواتير كهرباء، لتصل إلى حد العجز عن الوفاء بتلك الأعباء الضرورية التي تتضاعف عاماوراء عام.. الأمر الذي اضطرها لتسحب سوارها الذهبي ..الوحيد المتبقي من مصاغها ،وتطرق أبواب الصاغة لبيعه ..هذه المرة ليس لتسديد مصروفات مدرسية أو فواتير كهرباء متراكمة..بل لإمتاع أولادها بما يشتهون من الطعام ..ولو لبضعة أيام ..وبينما هي تتجول بين محلات الصاغة بحثا عن ثمن عادل يليق بقيمة السوار تزكمها رائحة الكباب المنبعثة من أحد المحلات ..تدلف إلى الداخل وعيناها تنقبان في المكان عن قائمة الأسعار ،فإذا تفاجأ به ..يمتطي طاولة محشودة بأشهى أنواع الأطعمة التي يتناولها في شراهة!!
هل تبدوديموقراطية منقوصة ..أن تعرض الكاتبة وجها أحاديا لأزمة نون النسوة مع "هو " ..كما يبدو في تلك القصة ..؟
على أية حال ..هذا إبداع أدبي ..مهمة كاتبه أن يكشف لنا صورا من الحياة ..ليس كما هي ، بل كيفما تنعكس في داخله ليعيد تصديرها إلى قارئه مشبعة بجماليات المعمارالأدبي وجاذبية اللغة ..
وهذا مانجحت في فعله نادية الكيلاني ..عبر العديد من قصص المجموعة ..وهذا أيضا ما ينبغي محاسبة المبدع عليه ..مقدرته في إعادة تصدير صورة العالم كما تجسدت في دواخله إلى متلقيه عبر بنية معمارية جذابة بصدقها الفني ولغتها الرشيقة المفعمة بالجماليات البلاغية .. وليس مطلوبا منه – المبدع أعني – أن يرتدي روب موضوعية الباحث السياسي .. ليقدم لنا حكيا متوازنا وعادلا لكل وجهات النظر بين كل الأطراف ..
وبالطبع لاينبغي أن تشغلنا قضية التناول الديموقراطي في بعض قصص تلك المجموعة عن أوجه عديدة لجماليات القص القصير لدى نادية الكيلاني ..على سبيل المثال النهايات المفاجئة الصادمة كما يبدو في بعض قصصها مثل قصة " غداء فاخر جدا " –صفحة 13-
فإن كانت تلك القصة تنطوي على شبهة التشابه مع لامعقولية الفنانين السرياليين حتى في حياتهم الخاصة ، كما بدا من الرسام سلفادور دالي حين أوقف أحد المارة شاهرا في وجهه مسدسه ، ليرتجف الرجل رعبا ، وظن أنه أمام لص سوف يسلبه نقوده وربما يقتله ، فإذا بدالي يفاجئه : هل معك عود ثقاب؟
كان دالي يريد أن يشعل سيجارا !! ووجد طبقا لمنطق السريالية التي دشنها أندريه بريتون ببيانه الشهير عام
1923أن تكون تلك الطريقة المثلى للحصول على عود ثقاب من أحد المارة ..!!
إلا أن نهايات أخرى رغم أنها صادمة لكنها تفوح بدفء رومانسي أصبح مفتقدا إلى حد كبير في المشهد الأدبي خلال الآونة الأخيرة ، فإن كانت تلك النهايات تنضح بشبهة السريالية فهي سريالية رومانسية ..مثل قصة "الخاتم" ...حيث شاءت الكاتبة منذ البداية أن تضع المتاريس بين "ليلي"و" سامي "فلايتمكنان أبدا من شق طريقهما نحو عش الزوجية ..فغاب المنطق عن سير الأحداث..والحقيقة أن كل شيء يؤكد أن الطريق إلى المأذون بدا ممهدا تماما..حتى مشكلة اعتراض والده تم تجاوزها..لكن العاشق فجأة ذاب من أمامها ..السبب أن عينيه وقعت على إصبعها ليجد خاتما ؟..من الطبيعي أن يسألها :
-هل أنت مرتبطة ؟
لكنه لم يسأل وفر..ليبني على ظنه هذا مشاريع أخرى مغايرة لمستقبله ..حيث ظهر بعد ذلك برفقته زوجة وأطفالا..كان من الطبيعي ايضا ان تطرق "ليلى " باب عمته التي تقيم في نفس الطابق وتسأل: ماذا حدث ؟
لكنها لم تفعل ..تلك مشيئة الكاتبة ..وهي مشيئة تفتقد للصدق الفني ، إلا إذا اتكأ هذا الصدق على منطق سلفادور دالي !! وبالتالي يمكن نعت هذا النوع من قصص نادية الكيلاني بالسريالية الرومانسية ..خاصة في قصصها التي تغمرنا سطورها بمشاعر الحب الراقية.
لكن بعيدا عن الرومانسية السريالية هذه ..ثمة قصص أخرى غرائبية تنضح أيضا بشبهة السريالية مثل قصة " عيني عينك " ..حيث فاق رجل ميت على استجواب الملكين له
: من ربك ؟ ما دينك ؟ من الرجل الذي بعث فيكم ؟
وحين اعتدل الميت ليبدأ الإجابة على أسئلتهما يكتشف أنه بلا عينين ..بلا رأتين ..بلا ساقين ..بلا قلب ..
فيتحول استجوابهما له إلى استجوابه لهما عن مصير أعضائه فيخبرانه أن الأطباء انتزعوها من جسده وزرعوها في أجساد مرضى آخرين ..
..وهكذا تمضي القصة عبر حوارات ..لايكف خلالها الميت عن توجيه الأسئلة في شيء من الغضب أو على الأقل من عدم الرضا للملكين حول مصير أعضائه ..وتبدو القصة نموذجا للتضفير بين الأجناس الأدبية ..حيث تستعين الكاتبة من المسرح بتقنية الحوار لتثري بها قصتها ..حتى أن القصة تنتهي بالحوار ..
وأظنها
اقرب إلى مسرحية من فصل واحد ..
والقصة لاتخلو من نظرة فلسفية للموروث الديني بداخلنا،بل وتثير من التساؤلات مايشعل الحيرة لدى القاريء ..خاصة إن كان من هذا النوع من البشر الذين يمضون حياتهم يزحفون على مسامير القلق بحثا عن الحقيقة ..لقد تبين للميت من خلال إجابة الملكين على أسئلته أن عينيه تم نقلهما لرجل " بصباص" لايكف عن ملاحقة النساء ..فيصيح: هاتان العينان كانتا معي صالحتين تدخلان الجنة ، هما الآن من أهل النار..كيف تحرق عيني بذنب غيري ؟ والأهم من ذلك ، مع من ستشهدان يوم الحساب ؟!هل ستعترفان بأنني أكرمتهما حين نزهتهما عن النظرة الحرام وأن هذا الرجل البصباص يهينهما ؟ أم
ستشهدان بأنه متعهما؟ دلاني كيف يكون الحساب !!!
وليست تلك القصة الوحيدة التي استعارت خلالها الكاتبة من فن المسرح بتقنية الحوار ليكون أحد أهم محاور معماريتها الفنية ،حتى أنه يمكن أن نطلق عليها "المسرقصة" على شاكلة " المسرواية"
أي الرواية التي تستعين من فن المسرح تقنية الحوار..لتخليق فن جديد..
فقصة " نصر أكتوبر في لوحات "
لاشيء فيها سوى الحوار ..اللهم استهلالية من 15كلمة في البدء ..تمهد للحوار بين التلميذ والجد ..
لكن يؤخذ على القصة أن الحوار قد يبدو في بعض فقراته ..خاصة حين يمتلك الجد ناصية الحديث أشبه بالمقالة ..حيث يسترسل الجد في الحديث بإسهاب لأكثر من 12 سطرا عن حرب أكتوبر ..وكان يمكن تجزئتها بفواصل من الأسئلة أو تعليقات من الطفل على كل معلومة يدلي بها الجد ..وبذلك تتجنب الكاتبة حشد هذا الكم من المعلومات في فقرة طويلة تقصيها عن فن القص ..كما أن اللغة التي ينطق بها التلميذ تفوق في دلالاتها ومحتوياتها من مفردات ثقافة طفل ..كاستخدامه تعبير " لوحة جدارية"- صفحة 84 .
وعنوان هذه القصة "نصر أكتوبر في لوحات " يثير التساؤل حول مدى ملاءمته للحكي الأدبي ..أظنه والعديد من العناوين الأخرى انبثاق الـتأثير المهني للكاتبة كصحفية لأكثر من ثلاثة عقود ..أي أنها عناوين تصلح لتقارير ومقالات صحفيةأكثر من كونها عناوين سرد أدبي...مثل "إنهم يحيرون الأطفال " ،" هكذا يديرونها " ، " زهرة الحب لمن ؟ "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم