الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبب الجياد ما بين دفتي كتاب ...!

عبد الغني سهاد

2018 / 8 / 31
الادب والفن


على باب جوطية (دوار الرجاء في الله ).في العاصمة. وقف رجل فقير يرتدي جلبابه الاسود الممزق ونظارته السوداء القديمة الصنع يربطها برأسه بشرويط. ..وفي حوزته اكياس بلاستيكية سوداء مملوءة بالكتب القديمة..وانت تفتح معه الحديث حول ما يعرضه في تلك الاكياس تدرك انه ابكم .ضعيف السمع ..يتاجر في الكتب البالية .. وكل من ستعرف عليه انه قليل الاهتمام بها .ولا يشغله الشطارة في ثمنها كانه جاء قصد التخلص منها باية وسيلة كان يهديها لك.مع ابتسامة واسعة..يقول الناس عنه انه قديم العهد بالبستنة .اي بستاني قديم .كان يمتهن حرفة البستنة في ضيعة احد وزراء الثقافة السابقين. وكان له ولع شديد بقراءة الكتب التي تسقط بين يديه.يلخصها في كراساته العديدة واحيانا كثيرة كان يعيرها او .يهبها لمن هو في حاجة اليها من المعلمين والطلاب ..ولا يتقاضى من تجارته تلك اجرا..ولا جزاءا..استعلمت عنه فقيل لي :
_انه لا يتاجر في الكتب...انه يحييها بالهداء لمن يهتم بها ..!...
_ولكن من يزوده بها ..!هل يشتريها ويهديها ..!..
ولا جواب كنت اتلقاه على سؤالي ..
فيما بعد بطرق غير مباشرة استعملت في التحري والاستخبار من كل من احسست انه قريب من الرجل صاحب الكتب ..
وتوصلت ان علاقته بالوزرير لا تزال قائمة حتى وان الوزير غادر منصبه السامي وسكن مدينة اخرى ساحلية في قصر واسع يطل على البحر المتوسطي...وقيل لي انه قد اهداه مكتبته الخاصة حين مربي عالمي للخيول العربية وغير العربية.والتجارة فيها.. البستاني الابكم يعرض تلك الكتب لوجه الله ..يكلم الناس بالتلميحات و بالاشارات والكثيرون كانوا لا يستوعبونها..جيدا..عندما يحرك يديه عاليا ويرسم دائرة في الاعلى..فهو يقصد الطبقة العليا اي الوزراء والاعيان و ..الحكام..ولما يحدرها الى الاسافل..ويقصد الطبقة الذنيا...والاتباع الذين يطحنون في القاع....وكان كلما وضع يديه على راسه واشار بسبابته الى تلك البراريك..المجاورة للجوطية..تفهم من حركته تلك ان مربي الخيل السيد الوزير كان..في بدايته وشبابه يعيش في البراريك المحايدة للجوطية ..البراكة في الجوطية..اي في الحضيض واصبح..وكلما وضع يده على صدره وململها الى اليمين او اليسار كان يعني انه كان يحب الفقراء.. في غفلة من الزمن تحول من الطبقة ما فوق الهرم الاجتماعي ...وولى ظهره للفقراء ابناء حيه ..... كيف يصدق احدهم انه سعادة الوزيركان يعيش في براكة قصديرفي الجوطية ....وكل شيء تم بفضل الكتب .و..الرجاء في الله...ووو من خلال لغة الصم و البكم ولغة الحركات والاشارات..والصمت..وحزمات الكتب المعروضة.يستطيع للمرء ان يسرد حكاية بل حكايات حية ويمزجها بحيوات الكتب.
لتؤكد الحكاية في بعض فصولها ان الوزير ولد دوار الرجاء في الله لم يتخل عنه الله حيث بقي الى جنبه ..و من خلال منصبه الجديد في الحكومة اليسارية نظم علاقات قوية مع الطبقة العليا فصعد نجمه ولم يعد يحدث البستاني كما كان سابقا وكسب ثروة كبيرة من منصبه وتخلى عن جمع الكتب وقرائتها. همس يوما للبستاني ..بان يخلصه من مكتبته الخاصة ..ومادام البستاني ابكم واصم فانه فتح يديه .وحلها ..واشار اليه في اتجاه نوافذ الخزانة ..واخد يحرف يديه الى الاسفل تم الى الاعلى .والى خارج الفيلا..فهم قصده .. لما وضع بين يديه مفتاح الخزانة .في التخلص من الكتب القديمة.....!..وفيما بعد قال الناس ان الوزير السابق بعد ما تخلص من كتبه القديمة .تفرغ تماما الى الشعر والركض وراء الجوائز البيترودولار الخليجية....!..
ولما سالت البستاني ..هذا السؤال ؟
هل قرات من تلك الكتب شيئا..._
........حرك البستاني الابكم .. راسه مرتين الى اليمين والى اليسار...وكان يقصد انه لا يقرأ.._
_الا زالت علاقتك بالوزير قائمة ..
_نفس الحركات منه وهي تعني لم تعد قائمة..
في لحظة ما تخلق حوله جماعة من الطلبة الشباب كان يبدو من ملامحهم انهم فقراء..يبحثون عن مراجع وكتب لانجاز ابحاثهم في الجامعة..اتكأ..احدهم على كتاب من جزئين ملون بالابيض والاحمر ..عليه عنوان كبير هو (مقدمة في الاقتصاد السياسي..للدكتور فتح الله ولعلو..؟ )..وساله.الطالب ..بكم الثمن..؟
الا انه مثلي لم يتلقى جوابا ..حدق فيه الرجل كثيرا.ونظر الى حذائه المغبر..واشار عليه بان يتناوله راسما في الهواء باصبعه نصف دائرة ..يعني بذلك ..مجانا...اقراه وارجعه عند الانتهاء منه..ضحك الطلبة جميعا وقال احدهم انه لا جدوى من قراءة هذا الكتاب حيث تجاوزته الاحداث وضمسته الانجازات الفكرية المعاصرة .وانحط مقام صاحبه ...لم يعد نفاق كاتبه ينطلي على احد من الطلاب !!...
رد عليه الطالب الفقير..
_كيف تجرأ على هذا القول ياصاحبي..
_تبسم الطالب في وجوهنا وقال ..كل هؤلاء الكلاب قلبوا البدلة..وغشوا في اللعبة..!..وتخلوا عن افكارهم وموقفهم ..!...
_كيف ياصاحبي..
_غيروا كل شيء ..لاجل مصلحة خاصة ومنصب في الوزارة او كرسي في مؤسسات المرقة .او علاقة مع الحكام والاعيان...اورصيد منفوخ في البنك..وو..كان الشاعر ثوريا واشتراكيا وامميا ..و له كثير من الالقاب التقدمية...وو لكنه حين نجح في الانتخابات وفاز حزبه عينوه وزيرا للشؤون الثقافية وبسرعة البرق....باع مؤسسات القطاع العام الى الخواص.( الخوصصة ) بينما كان يناضل ضد تفويت مؤسسات الدولة الى الراسماليين المحليين او الاجانب..ووافق على مشاري الخصخصة بعدما كان يصيح منددا بها في البرلمان عندما كان الناطق الرسمي للمعارضة الاشتراكية...!..واصبح مرايقيا...لا يفكر في الاقتصاد السياسي..او ان الاقتصاد السياسي لايعني سوى حشو بطنه من اموال الشعب..
و كان الطالب يتحدث بحماس شديد افزعني وتركنت في زاوية الصمت وفضلت الانصات وعدم الرد ..!ولورددت حينها عليه بماذا عساك ترد....والمرء يكره الكذب..والنفاق ..ومن عيونه يتطاير بريق عنفوان الشباب .ويوثر الصدق..لاشك راق لي كلامه خصوصا اذا ما نطق به طالب صادق..ملم بما يروج حوله من افكار ونظريات .وممارسات لا تخطئها عين حاذقة...ولم ترق لي حالة البستاني الذي ستبور سلعته..بعد كلام الطالب لمن سيهدي كتبه..لا ..كتب الوزير الذي بدل مواقعه ومواقفه بسرعة الحصول على المنصب.؟!
عدت الى التامل في تطور هذه الشلة من الرفاق الثوريين ..الذين كان مجرد ظهورهم في التجمعات يثير زوابع من المشاعرالمرعشة والحارة و الغريبة التي توهم البعض من السذج منا بمستقبل الثورة القريب..لكنهم قربوه فعلا لانفسهم..كل شيء في مخططاتهم كان مسايرا ان التغيير سوف يحصل قريبا الا انه لن يتعدى ما تريده النخب..وفي الخفاء استعملت النخب اسلوب الغربال.في دواليب تجمعاتها .لاقصاء الاوفياء.والاغبياء.والابقاء على المرايقية...والوصوليين والانتهازيين .والمهرولين وراء الكراسي..البارعين في ارتداء اللباس المناسب لكل موقف مناسب..لكني سرعان ما عدت للتفكير في الجياد..وخبب الجياد في علاقتته مع الزبد المتطاير الذي يرغي بين دفتا الكتاب ..

عبد الغني سهاد
2010..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا