الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تتمة الحلقة العاشرة حول رفض الشعب لتغوّل واستبداد الدولة البوليسية ( 11 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



رأينا في الحلقة العاشرة ، كيف سرق البوليس الدولة ابتداء من منتصف 2003 ، وكيف بوْلسوها ، لتنقلب على كل الشعارات التي تم الترويج لها منذ 1999 ، ك ( المفهوم الجديد للسلطة ) ، و( ملك الفقراء ) ، و كيف وصل الامر ان يتساءل الملك عن مكان اختفاء الثروة ، ويعترف بفشل نموذجه السياسي – التنموي ، دون ان يطرح البديل لانقاد ما يمكن إنقاذه ، هذا إذا افترضنا جدلا ان النية كانت صالحة للإصلاح وللتقويم ، وللمصالحة الحقيقية بسبب تجبر العهد السابق .
الآن نستطيع الجزم ، ان كانت الإرادة صادقة عند مروجي كذبة " العهد الجديد " ، انْ نقول ، ان ما حصل منذ 2003 ، كان انقلابا بكل المقاييس ، نحو ترسيخ قبضة الدولة البوليسية ، التي جعلت من الشعب عند الملك ، بمثابة فوبيا لا يؤتمن جانبها ، وان من يحمي النظام وليس الدولة البوليسية ، هم الإنقلابيون الذين حسموا الصراع بما مكّنهم من الاستئثار بالدولة ، وليس فقط الاستئثار بالنظام . وقد تجلى هذا الوضع الجديد / القديم ، عندما بدأ منظرو البوليس يشرفون على تحرير الخطابات الملكية ، التي كلها تهديد وتقريع ، في حق المخالفين العدميين ، والسلبيين ، وبائعي الأوهام الرافضين لاستبدادهم ، ومختلف اشكال قمعهم . والخطورة ان هذه المكائد التي أضحت مفضوحة ، لم يسلم منها اشخاص مقربين من الملك ، كرشدي الشرايبي مدير الديوان الملكي السابق ، وحسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر سابقا ، وواليا على ولاية مكناس يخضع للوزير المنتدب في الداخلية آنذاك فؤاد الهمة كرئيسه ، بدل خضوعه للملك صديق دراسته . وهنا لا ننسى كيف تم ابعاد الجنرال حميدو لعنيگري ، وابعاد احمد حراري كمدير عام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، وكيف تم تجميد الوالي السابق بمديرية مراقبة التراب الوطني نور الدين بن إبراهيم ، عندما تم تعيينه عاملا مديرا لمديرية الشؤون الداخلية بوزارة الداخلية ، قبل ان يعيده الشرقي ضريس كمستشاره في الاعمال القدرة والخسيسة التي تتم من تحت الطاولة ، وكيف تم ابعاد الوالي محيي الدين امزازي ، وابعاد الجنرال الحرشي عن الإدارة العامة للدراسات والمستندات ، وكيف تم تطويع الطريق لفؤاد الهمة في قطاع الدرك بعد ابعاد ، او إحالة الجنرال حسني بنسليمان على التقاعد ، ولماذا تم ابعاد المدير العام للأمن الوطني السابق بوشعيب ارميل ، وابعاد جعادي كمدير لمديرية الامن الملكي ، وكيف تم تعيين عبداللطيف الحموشي على رأسيهما .
إذن نحن امام دولة بوليسية بامتياز ، والسؤال الذي ينبغي لكل ديمقراطي تقدمي طرحه لمواجهة القمع ، والتغول ، والتسلط ، والاستبداد ، هو في ابتكار اشكال نضالية ، من جهة لمواجهة التغول والتسلط والاعتداء ، ومن جهة التفكير في طرق تجاوز الدولة البوليسية لصالح دولة ديمقراطية تربط المسؤولية بالمحاسبة ، وتجعل الشعب هو المصدر الأساسي للسلطة ، من خلال الاستفتاءات ، والانتخابات ، وكل اشكال الاقتراع ، بعد التأسيس للدستور الديمقراطي عوض الدستور الممنوح .
أخذا بعين الاعتبار التمييع الذي سُلط على الوضع السياسي لبلادنا ، حيث أضحت الساحة فارغة من القوى السياسية ، التي تؤثر وتَكُونُ قادرة على تحريك المجتمع ، فان الانهيار السياسي الذي نسميه بموت السياسة ، يطرح على الديمقراطيين لطرح البديل ، جملة من التحديات الأساسية منها :
1 ) استمرار مهمة التحرير على الصعيدين القومي والوطني ، أي ربط النضالات ، بنضالات شعوب المنطقة .
لكن في الظروف الجديدة الصعبة التي وحدت قوى الردة والرجعية قوميا ووطنيا ، فان الاستمرار يعني اول ما يعنيه ، ضرورة التمسك بالأهداف العامة ، وترجمتها في الخط السياسي المنظم ، ترجمة جديدة ، فيها حد اعلى من الثبات المبدئي ، وحد اعلى من الاستقرار التاكتيكي المرتبط بالمرونة ، ولكن الأرضية العامة لهذا التاكتيك ، كان يجب ان تتغير بهدف الحفاظ على المواقع الذاتية من جهة ، وامتصاص التراجع العام على الصعيد الشعبي من جهة أخرى ، بحيث يستقطب الوضع الذاتي ، التراجع الموضوعي ، ويقدم له آفاقاً وإمكانات نضالية جديدة ، ومتقدمة اكثر .
2 ) التأقلم مع حالة التراجع . وهذا التأقلم قد يأخذ تبنٍّ للخط المطروح ( خط الدولة أساسا ) ومعارضة من داخله ، حتى يأخذ شكل الانهيار والتقهقر امامه . وقد اخذ التأقلم في هذه الابعاد الثلاثة ، واحدث وضعا مأساويا في الحركة الوطنية والقومية . فلا بد من القول ان المهمة الأساسية ، مهمة تجاوز التدهور عن يساره ، وبواسطة تجديد الصلات مع الشعب لم تنجز . فالذي أُنجز ، كان الابتعاد عن هذا الخط ، وبالتالي التأقلم مع نزوع يميني ورجعي متصاعد ، والتراجع عن مواقع يسارية وتقدمية سابقة ، فتقطعت الصلات التي كانت مع الشعب ، وتم احلال صلات خفية ، او علنية مع الدولة البوليسية ، وسياستها محلها . ان حصاد سياسة كهذه ، كان الصورة التي رسمناها ، سواء للدولة ، ام للقوى السياسية . وسيستمر هذا الحصاد المسموم ما لم نفتح اعيننا على التجارب السابقة ، الوطنية المحلية ، والمحيطية .
والحقيقة ان الوقت قد حان ، مع علامات تفسخ الدولة البادية للعيان وفي كل مكان ، ومع التحديات التي تجابه كل وعي وطني ، وقومي للعودة عن السياسة الراهنة ، ولوضع سياسة أخرى بديلة لها . لكن ذلك يقتضي تجديد ذاتنا ودورنا ، والنظر في قضية نراها شديدة الأهمية ، الا وهي قضية النمط التنظيمي الذي يجب ان تتخذه الأحزاب التقدمية ، الديمقراطية ، الجماهيرية ، والثورية في المرحلة اللاحقة ، بعد ان اثبت النمط السابق عجزه ، في طور النهوض عن احداث التغيير ، وعجزه في طور التدهور عن إيقافه .
يجب ان نسأل انفسنا : هل الاحزاب الذي اقمناه هي بشكلها التاريخي المعروف ، أداة فعالة لقيادة النهوض بعد وضع مستلزماته ، ام ان العيوب اللصيقة بنمط هذا الاحزاب ، ستكون في المرحلة المقبلة عقبة بدورها امام الأحزاب ، والشعب في آن واحد ؟ . وهنا فاني أوجه الخطاب للأحزاب التي استأثرت بالمجال السياسي الوطني ، طيلة الستينات ، والسبعينات من القرن الماضي .
كما يجب ان نطرح على انفسنا السؤال التالي : هل تكفي النماذج النظرية المنقولة عن مجتمعات أخرى ،هذا البديل المطلوب ، بعد ان عجزت في الطور السابق والحالي عن منع التدهور الحاصل ؟ .
ان عملنا يجب ان يكون شاملا في هاتين النقطتين ، وان ينطلق من نقد ذاتنا قبل كل شيء ، لأن الأداة النضالية ، هي عنصر من عناصر النجاح ، او عامل من عوامل الفشل . فلا يمكن تحقيق نضال ناجح بأداة فاشلة ، كما يصعب للأداة المناسبة ، ان تكون بحد ذاتها سببا في الفشل . والمراجعة للظرف الموضوعي ، لا يجوز ان نتوقف امام الشرط الذاتي ، بل يجب ان نبدأ به ، سيما وان الحركة الشعبية اخذت تتجاوز القوى القائمة ، او تحدث خارجها . وإذا كان للمراجعة من هدف ، فإنما هو التالي :
-- نقد تجربة الماضي .
-- نقد سياسة التأقلم .
-- وضع خطة سياسية شاملة ، تبدأ بالتجارب المنقودة ( نقد ) ، ولا تنتهي عند حد رسم خارطة للاحتمالات ، وإمكانات العمل في شروط لا نسيطر نحن اواحدنا عليها . الجبهة او الكتلة .
-- احتلال رؤوس جسور شعبية ، نحولها الى ميدان معركة لاحقا ، ولكن ضمن خطة سياسية شاملة بالأساس ، تنمو تكتيكاتها وشعاراتها ، مع توسع رؤوس الجسور ، وتحولها الى ارض معركة .
ونحن نعي تمام الوعي بان عملا بهذا الشمول لا يمكن ان يكون من صنع فرد او حزب لوحده ، بل هو من صنع كل القوى الراغبة فيه ، والمدركة لضرورته ، ومن صنع النضالات الشعبية ، ولهذا فانه عمل يتسم بأكبر قدر ممكن من الثورية ، والروح الديمقراطية ، والانفتاح على الآخرين وعلى الجماهير . ان العمل العصبوي قد ينقد حزبا ، لكن ما ينقد الوطن ، هو العمل الشعبي الذي تقوم به الجماهير ، بقيادة قواها الطليعية المنظمة في اطار جبهة او كتلة .
كما يجب ان لا نكون دوغماتكيين طوباويين ، ولا ان نكون طاووسيين ، بل يجب ان نقر بوجود تفاوت في علاقات القطاعات الشعبية المختلفة ، بالسياسة الراهنة ووضعها . ونرى ان اكثر القطاعات تذمرا من الحالة السائدة ، هي قطاعات الطلاب ، والمحامين ، والمعلمين ، والأساتذة ، وأساتذة الجامعات والمدراس العليا ، والمهندسين والأطباء ، واساسا العمال ، والموظفين الصغار والمتوسطين ، والمستخدمين ، ثم قطاعات من الشرائح العليا المتضررة بالانفتاح على الخارج ، وبالنهب غير المحدود في الدخل .اما الفلاحون ، فان وضعهم يتطور بسرعة ، لكنهم ليسوا قطاعا اجتماعيا متحركا بعد .
ان هذا الواقع يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار، في رسم خطط السياسة العملية التي تساعدنا على الخروج في مرحلة أولى من وضع الاختناق السياسي الحالي ، أي ان باب النشاطات الديمقراطية والمطلبية ، يجب ان يفتح على مصراعيه ، سيما وان قواه على قدر لا بأس به من الجاهزية السياسية ، والنضالية ، والتنظيمية . واجمالا ، نريد ان نلفت النظر من هذا التحليل ، الى ضرورة وضع خطة نضالية متدرجة ، تأخذ الحالة القائمة بعين الاعتبار .
كذلك على قوى التغيير المناضلة ،ان تدرك ، ان الامبريالية ككل ، تدعم التطورات التي حصلت على صعيد الدولة منذ بداية التسعينات بالاخص ، وان تناقضاتها محكومة باستمرار هذا النوع من الدولة . فان فكرت بتغييره ، فإنما تفعل ذلك لأجل نمط آخر، يخلو من ثغراته وعيوبه ونقاط ضعفه .ان اللعب بتناقضات الامبريالية لا يجوز لهذا السبب ان يكون بالنسبة لنا ، بابا لتضييع الهدف ، وتمييع حدود الصراع .
ان الامبريالية ، باتجاهاتها ومصالحها المتضاربة ، لن تقف مع نضال شعبي ضد نظام دولة كهذا . والوهم الذي قد يراودنا حول صراعات الامبريالية قد يكون قاتلا ، إذا لم نربطه بنهوض الحركة الشعبية . فهذا النهوض وحده كفيل بتحويل هذه التناقضات الى عنصر من عناصر التغيير .
اما في الوضع الحالي ، فان الامبريالية واجنحتها قد تتصارع ، ولكن ضمن اطار مضبوط ومقنن ، هدفه خنق الحركة الشعبية، وليس فتح الباب لنموها .
ان وططنا ومغربنا يغلي ، وفي يدنا ان نقصر آلام الشعب او تطول ..
( يتبع ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع