الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر كريم الزيدي في كندا، مصطحبا الحزن العراقي معه ..!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 9 / 4
الادب والفن


رسم ديوان (جاري الكندي) ـ ابتداءا من قصائد الحبر والوردة مرورا بقصائد جاري الكندي الى قصائد رسائل ـ لوحاته الشعرية المغمسة بالوان الوجع والفجيعة والفقدان والغربة ، حتى كادت ان تكون تلك القصائد ، قصيدة واحدة تضمخت بدماء الحروب والحصارات والغربة والاغتراب .. يقول الشاعر علي الامارة الشعر يرافق مآسينا : (وحين تنثقب الذاكرة بمثقب الفقدان فيتسرب الماضي من بين اصابع الشعر وحين يبدو المستقبل قنديل يأس فنتشبث بالحاضر نحاول املاءه بالشعر حتى يسيح على الماضي والمستقبل فيصير تاريخا كاملا ، وذلك حين نصطاد اللحظة الراهنة بشباك الشعر ..حين نستدرج الزمن الى فضاء القصيدة لنفصّل منه تاريخا شعريا على مقاس مآسينا واحلامنا .. ولم تكن الحرب تتمظهر في النصوص بشكلها الصريح اللفظي فحسب وانما بايحاءات قريبة او بعيدة يمكن مد حبل التحليل القرائي والنقدي اليها .. ) ، هكذا كانت رؤى الشاعر كريم الزيدي ، تتشظى داخل ديوانه ، حافلة بتاريخ الوجع والمرارة .. وبلغة نثرية تستوعب هذه الرؤية وتبثها للمتلقي عبر اشارات ومرموزات ، فاللغة (شكل من أشكال الوجود. وكلّ معرفة بهذا الوجود إنما تؤدي إلى إعادة فهمنا للّغة نفسها... أن يكون الإنسان موجودا معناه أن ينطق ويتكلّم، ويدلّ ويرمز، كما يفكّر ويتأمل، ويستدلّ ويبرهن، بل معناه أنّه لا يمكن أن يفكّر ويتأمّل إلا عبر اللغة) .. ويقول الشاعر الصيني (لوتشي):‏ (نحن الشعراء، نصارع اللاوجود لنجبره على أن يمنح وجوداً، ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقى. إننا نأسر المساحات التي لا حد لها في قدم مربع من الورق، ونسكب طوفاناً من القلب الصغير في مساحة بوصة...) ، وهنا قد ندرك ان لغة الشعر ، لم تك تلك اللغة المستساغ استعاملها اليومي .. (لأن الشعر، والأدب عموماً، لا يمكن أن يكون شعراً حقيقياً وأدباً حقيقياً إلاّ إذا وعى ظروف محيطه، ووعى حقائق الحياة عموماً، ثم قام بتمثلها وامتلاكها، ليعيد إنتاجها في إهاب شكل جميل، يكون قادراً على تمويه ذلك الواقع، وإخفاء الأيديولوجيا التي ينطلق الشاعر منها، ويكون قادراً، كذلك، بمكره الفني، على تضليلنا وإقناعنا ببراءته وعفويته... وبراءة الأحاسيس التي يعبر عنها وبساطتها.‏) .. ففي قصيدة (وجدان خريش) يقول الشاعر الزيدي :

(ايها الغصن ، ايتها الشجرة
من يأخذ عصفورا ضاع في السماء
من يأخذ شجرة عاشقة تذبل لفراق حبيبها
من يأخذ غيوما تشكو من عاشق مطر يبكي عليها
من يأخذ وجدان خريش
لقبر تحوم عليه فراشات
تهمس لها ايتها الاميرة
ثم كوخ)

وبهذا فانه قد رسم اكثر من علامة استفهام ، فوجدان خريش تتحول بذهنه الى شجرة تأوي العصافير ، ويتفيأ تحت ظلالها العشاق ، ثم انها شجرة ايضا وتموت ، كما ماتت وجدان ، ورغم موتها تحوم حولها الفراشات ، كونها خالدة في رؤية الشاعر .. وهكذا يرسم لوحات الوجع والفقدان ، لتكون تاريخا بمداد الشعر ، حيث انه يبقى يتطلع الى الحياة والجمال عبر محمولات فعل التذكر .. وفي قصيدة (جاري الكندي) يقول في مقطعها الاول :

(اعرف هذا المكان
المقبرة التي زرتها قبل ان ارحل عن بلادي
اعرفها في هذا الوادي الذي لا سلام فيه
حينها تركت وردة امام شاهدة
تشير لاسم أمي
بعدها زرت كل المقابر في كندا
فلم اجد لي سوى طرفا بعيدا
في كوكب سيء الصيت
قلت هذا قبري الذي يعرفه
جاري الكندي
وسوف يهدي اليه
كل ملائكة اوروك)

فهناك اشارات للفقدان بدالة تكرار كلمة قبر ، واشارات الى الدولة المقيم بها الشاعر كندا ، ثم انه من الناصرية بلدة حضارية جنوب العراق ، بدالة ملائكة اوروك ، واحببت انوه الى ان الشاعر الزيدي ، دل على رؤياه وثبت مواقفه من خلال الوعي والقصدية ، والتلاعب بالكلمات التي لاتقل اهمية عن المعنى ، وطالما أن الصور، والتعبير بواسطتها هي استراتيجية التعبير الشعري ، فلماذا يعبر الزيدي بلغة شعرية عن اوجاعه والام الفقدان ؟؟ يحدث هذا كونه انسان يمتلك لغة الشعر ، وتميزه انه يحمل مرموزاته عبر فعل التذكر كونه في دار غربته ، وما ادراك ما الغربة؟!! والتي قد تعادل حالات الفقدان وفجيعة الحروب المارة ، وعاشها الزيدي في بلده العراق بتفاصيلها المرّة ، ولازال يجتر الامها ، الا انه يعتبرها جزء من حياته ، لهذا يتعامل معها بحرية ، فهيدجر يقول: ( إن ماهية الحقيقة هي الحرية، و الإنسان لا يوجد إلا من حيث هو مملوك للحرية، فالحرية هي من ماهية الإنسان الجوهرية، و الحرية هي الأساس المطلق، و هي التأسيس و هي الوجود الأساسي ) ، من هنا الاحظ ان الشاعر الزيدي ، يحاول ايصال رسالته الشعرية الانسانية بوعي وقصدية وهدوء ، وحتى يقدم تاريخه الشعري بحرية تامة ، كونه اجتاز مرحلة الخوف وصار ملكا خالصا لنفسه ، يقول علي عليه السلام كما جاء في نهج البلاغة: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً) (وبحسب أدونيس الذي يعدّ المنظر الأول لشعر الحداثة العربية وربما لما بعد الحداثة فإنه يقول بأن الكلمة في القصيدة الناجحة « تتجاوز معناها المباشر لتصل إلى معنى أوسع وأعمق، إنها تعلو على ذاتها، وتشير إلى أكثر مما تقول» وأدونيس هنا يعي تمام الوعي أن الكلمة يجب أن تشير لأكثر مما تقول لا أن تشير إلا ما لا تقول، (اذ ان العمل الادبي اليوم ثمرة ثقافية خصبة للمعايشة العميقة والجوهرية لقضايا الانسان وتجاربه الجمالية في المكان والزمان والرؤيا والتشكيل والفن ، لذا لايمكن قراءة النص الذي يمثل اداة الاتصال الاولى في العمل الادبي من دون الاستعانة "بالسياق الثقافي باعتباره الحاضنة التي يترتب في اطارها النص" على النحو الذي ينعكس فيه الثقافي في النصي والنصي في الثقافي.) ، هذا التزاوج بين الثقافة والنص ، اي بين المحيط والمبدع والنص الابداعي خلق المعالجة التي تجعل المتلقي والنص ومبدعه ، يكونوا في اشكالية المشاركة والتأثر والتأثير ،واستمر الشاعر الزيدي في نهجه هذا ، حتى قصيدته الطويلة المكونة من ست وثلاثين مقطعا ، والتي ختم بها ديوانه .. وكان ختام مسكها قوله :

(الان ، ادركت ان الدموع
ولدت في العراق
وسافرت لبقية العالم
وان الحزن
هو اول نطفة خلقنا بها ...)

فبلده العراق ، عبارة عن دموع ، لكن هذه الدموع سافرت معه الى دار غربته ، وهو مازال محزونا ، رغم ان هناك امرأة دلفت لحديقة داره ، كما يقول : (نظفت الازهار من شجون اغنياتي) ، و(مسحت دموع الجليد من الممرات/قطفت فسائل رماد الغربة/مسدت على مطر عالق في نافذتي) ، لكن الشاعر بقي يستدرج الحياة ، ليعيش تفاصيل جميلة في خضم فجيعته ، فتهمس له المرأة : (تعال قبلني ... حضنتها) ، فكان مثل العصفور الحر يتمتع بالتحليق والنشوة .. ولن اكون متجنيا على المتلقي ، حينما ادعوه لقراءة ديوان (جاري الكندي) اكثر من مرة ..

ـ ديوان (جاري الكندي) للشاعر كريم الزيدي /دار الروسم/الطبعة الاولى هـ1437ـ2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع