الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنشودة الملح

مرتضى عبد الحميد

2018 / 9 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في اغلب الأحيان، أن لم يكن في جميعها، تكون السخرية ذات الطابع السياسي، مؤشرا لا يقبل الدحض على تردي الأوضاع في البلد المعني، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. الخ. فكيف الحال إذا اجتمعت كلها في سلة واحدة، كما يحصل الآن في عراقنا المنكوب، وخصوصا في البصرة رئة العراق وشريانه الرئيس.
ما يجري هناك وفي بقية المدن العراقية، لا يكاد ينتمي إلى الواقع، بل هو اقرب إلى الخيال، فالكوارث ليست فرادى بدءاً من غياب الخدمات الأكثر ضرورة كالماء والكهرباء، وانعدام فرص العمل أمام الخريجين وغيرهم، وصولا إلى التلوث البيئي والمائي، الذي أدى إلى تسمم ما يقارب الثمانية عشر ألف بصري، دون أن يرف جفن لوزيرة الصحة التي صرحت بـ "ثقة عالية" أن الوضع طبيعي ومسيطر عليه، نافية وجود أزمة يدعيها البعض للتغطية على "انجازات" الوزارة! كما لم يرف جفن المسؤولين الآخرين المحليين والاتحاديين سوى التصريحات الإعلامية والوعود الفاقدة للصلاحية منذ سنوات.
ولكي تصل المهزلة الى ذروتها، أصدرت وزارة التربية بياناً تشكر فيه رئيس الوزراء لأنه أول المتبرعين في حملتها (ما تعطش البصرة) وتدعو جميع الوزارات والهيئات وقادة الرأي والمنظمات الدولية والمحلية، وكافة المواطنين للمشاركة في الحملة الاغاثية لسكان البصرة. اذن الحل يكمن في عرف الوزارة بتبرع المحسنين لأهالي البصرة ببعض المبالغ او بقناني المياه.
ربما تنقص هذا البيان جملة يفترض ان تلحق بآخره، هي (ولكم الأجر والثواب) ليكتمل الحل العبقري الذي يلجأ إليه المتنفذون، كلما ضاقت بهم السبل، وأعيتهم الحيل المشهود لهم بابتكارها، منذ أراحوا أجسادهم على كراسي المسؤولية دون وجه حق او كفاءة.
أن الإجراءات والمعالجات التي اتخذتها الحكومتان المحلية والمركزية، لا يمكن وصفها إلا بالترقيعية، وكل طرف يلوم الآخر، في مسعى للتهرب من المسؤولية التي يتحملها الطرفان، شرعا وقانوناً. فالدولة هي المسؤولة عن توفير الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل مواطنيها، والعمل على تقدم البلد وازدهاره وبالتالي تحقيق العيش الكريم لكل أبناء الشعب العراقي، لا سيما وان العراق واحد من أغنى تسعة بلدان في العالم.
والأنكى أن السلطات المعنية لم تكتف بالتنصل عن مسؤولياتها وتبديد الثروات الهائلة التي حصلت عليها طيلة السنوات الماضية والآن ايضاً، ولا بتبادل الاتهامات والشتائم فيما بينها، في حين اتفقت على شيء واحد، هو قمع المتظاهرين الذين ضاقت بهم الدنيا وتلاشى صبرهم في سراب الوعود الكاذبة، فخرجوا إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم المسلوبة وكرامتهم المهدورة.
وبدلا من الاستجابة لمطالبهم العادلة، وتحقيق ما يخفف من تذمرهم وغضبهم، تعاملوا معهم بقسوة مفرطة ووحشية، كما لو أنهم يريدون بذلك إثبات أنهم الأمناء على نهج من سبقهم في القمع والعسف.
في لقطة مترعة بالذكاء وبالسخرية المُرة، قام الشباب البصري بتغطية تمثال السياب بالملح، واستبدلوا ما خُط تحته "انشودة المطر" بـ "انشودة الملح" تعبيرا عن ملوحة شط العرب وتلوث مياهه التي يساهم فيها الجار الشرقي بفعالية.
سيواصل الشعب نضاله الجسور وحراكه الجماهيري، للحصول على حقوقه، والتمتع بخيرات بلده، وستكون الخطوة الاولى تشكيل حكومة تحتقر المحاصصة والطائفية السياسية، وتكافح الفساد بصدق، وتبني دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل