الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (131) السياحة بين الامن والاستخبارات

بشير الوندي

2018 / 9 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
----------------
السياحةُ لها أشكال وأنواع كثيرة , وهي اقتصاد عملاق وواسع , والدول تتعامل مع السياحة بجدية كبيرة من اجل تطوير اساليب الجذب السياحي , لما للسياحة من موارد ضخمة من العملة الصعبة وتشغيل للايدي العاملة وتعظيم الاستثمارات السياحية كالمنتجعات والفنادق والمطارات والمحميات والنقل السياحي , بالاضافة الى ماتعكسه من ارتقاء بالواقع الاجتماعي والثقافي والحضاري .
ولأهمية السياحة من جهة , وبإعتبار ان السياحة هي في غالبها شأن ترفيهي يتأثر فيه مزاج السائح بسهولة , ويصعب اعادة جذبه إن تعرض للتنفير لأي سبب خصوصاً فقدان الامن , لذا تنشيء الدول مؤسسات كثيرة من اجل راحة السائحين ولضمان رواج السياحة , ومن تلك المؤسسات مؤسسة خاصة بأمن السياحة , وهي مؤسسة امنية ترتبط غالباً بوزارة الداخلية .
الا ان للأمن السياحي جنبة استخبارية لايمكن اغفالها كونها تتعامل مع اجانب لابد من السهر على دعم راحتهم امنياً والتعامل مع تحديات وجودهم استخبارياً .
ان وجود افواج سياحية بمئات الوف السياح الاجانب والذين قد تصل اعدادهم بالملايين في الموسم السياحي او في المناسبات الدينية , تُعَدُّ كابوساً إستخبارياً او أمنياً خطيراً لابد من التعامل معه .
------------------------------------------
العمل الامني في السياحة
------------------------------------------
ان عُنصِري السياحة الرئيسيين هما السائح والمقصد السياحي (البلد والموقع الذي يتوجه له السائح الاجنبي ) , ولكل من هذين العنصرين مشاكل ومشاغل امنية لابد من العمل عليها من اجل الارتقاء بالسياحة وبالبلاد .
فمن الناحية الامنية , لابد من حماية السيّاح وحفظ أمنهم والسهر على راحتهم ومنع أية مضايقات قد يواجهونها , وهو عمل امني يتطلب المرافقة العلنية للأفواج السياحية والتنقل معهم , ووجود ممثلون عن مؤسسة الامن السياحي في المواقع السياحية كالمنتجعات والفنادق الكبرى والمرافق السياحية الترفيهية والمواقع الدينية , وكل ذلك يجري بشكل علني , تحت عناوين عدة كشرطة السياحة والمرافقين ومسؤولي أمن الفنادق .
------------------------------------------
العمل الاستخباري السياحي
------------------------------------------
اما من الناحية الاستخبارية فإن الامر اكبر واخطر , فالاجهزة الاستخبارية لها مدار واحد في العمل السياحي هو السائح , ولأن العمل الاستخباري العملياتي او المكافح او التجنيدي , هو عمل يتم في اغلبه مع الاجانب , وفي الجانب الاخر , فإن الصراع الاستخباري يجعل اي موسم استخباري , في بلد ما , هو فرصة لزج عناصر استخبارية في البلد المستهدف , لذا فإن للإستخبارات مجال واسع في التعامل مع السياحة .
فللإستخبارات في علاقتها مع السائح ثلاثة اهتمامات تتمثل في : المخاطر الاستخبارية من السائح , والإستباق الاستخباري للمخاطر المحدقة بالسائح والسياحة ,و الافادة الاستخبارية من السياحة .
1- المخاطر الاستخبارية من السائح :
السائح شخص اجنبي وهو بهذه الصفة موضع شبهة إستخبارية حتى يثبت العكس , فالسياحة – لاسيما في المواسم السياحية – تعتبر من الوسائل الرائجة في التغطية الاستخبارية , سواء بالمؤسسات السياحية كشركات السياحة , او بالافراد من خلال زجهم في البلد المعني من اجل تنفيذ مهمات استخبارية تتراوح بين التجنيد او لقاء العملاء او حتى القيام بمهمات عملياتية تجسسية .
من هنا تسعى الاجهزة الاستخبارية , وبالأخص أجهزة مكافحة التجسس , الى مراقبة السياح بمختلف مراحل الوسائل والمراحل , إبتداءاً من تقارير عملائها في الدول التي ترسل افواج سياحية ومروراً بشركات السياحة المحلية والاجنبية التي هي من الواجهات الاستخبارية المتداولة وصولاً ببث المرافقين السياحيين والمترجمين وموظفي الفنادق السياحية والمستخدمين وغيرهم من انواع المراقبين في المواقع السياحية , عدا عن إستخدام كافة الامكانات التقنية والفنية لمراقبة السائحين .
وعادة مايتم التركيز على سواح اكثر من غيرهم , كسياح دولة معينة لها مشاكل سياسية او مذهبية مع دولة ما , والسياح الذين ترد معلومات عن وظائفهم او مهنهم السابقة والحالية , والذين لهم علاقات مع جهات محلية مشبوهة , والسياح المريبين أو الذين لهم ملفات لدى الاجهزة الاستخبارية او من كانوا في السلك الدبلوماسي كممثلين لبلدانهم ..وغير ذلك من الحالات.
2- الإستباق الاستخباري للمخاطر المحدقة بالسائح :
السياحة مورد اقتصادي هام للغاية , بل ان هنالك دول تعتبر الموارد السياحية فيها من الموارد الرئيسية , كما ان السياحة هي عمل ترفيهي يسهل الاستغناء عنه من قبل السائح الذي يستطيع ان يغير وجهته من بلد الى آخر في حال حصول خلل أمني او حادث ارهابي – مع بعض الاستثناءآت الخاصة بالسياحة الدينية -, والانكى من ذلك , ان اعادة ثقة السائح بأمن واستقرار بلد ما إثر اي عمل ارهابي هي عملية معقدة وتتطلب جهود حثيثة ووقت طويل .
ان استهداف السياح او المراكز السياحية يعتبر من الأهداف التي تثير شهية الاجهزة الاستخبارية المعادية او التنظيمات الارهابية لما له من تأثيرات عميقة على اقتصاد الدول وماله من صدى اعلامي مدوّي , سواء كان الاستهداف بالتفجير او بخطف الاجانب وغير ذلك , الامر الذي يتطلب جهود استخبارية إستباقية تتكامل معها جهود أمنية مكافحة .
وتكثف الاجهزة الاستخبارية من جهودها في اوقات المواسم السياحية كالمصايف في الصيف والمشاتي في الشتاء وفي المواسم التي تتركز فيها المناسبات الدينية , حيث تنشط المجسات الاستخبارية التجسسية لإستكشاف السيناريوهات الارهابية التي تستهدف السائحين .
3- الافادة الاستخبارية من السياحة :
تعتبر السياحة فرصة ذهبية للنشاط الاستخباري , فمن ذلك ان الإستخبارات تستخدم كافة المؤسسات السياحية في خارج البلاد كمكاتب الخطوط الجوية وشركات السفر والسياحة , وهو أمر ينفعها في الكثير من النشاطات الاستخبارية كالتجسس وادارة العمليات وتسهيل سفر العملاء .
كما ان الاجهزة الاستخبارية تستغل السياحة في داخل بلادها او في بلد العدو او حتى في بلد ثالث , للقاء العملاء وتدريبهم وتوجيههم من خلال منطقية الاسباب التي يستخدمها الاجنبي كحجة لسفره لأي بلد .
--------------------------------------------
التعاون الامني والاستخباري
--------------------------------------------
مع التسليم بأن الامن السياحي هو جهاز شرطوي مكافح , وأن الاجهزة الاستخبارية هي أجهزة انذار مبكر ومعلومات وتحليل , لكن الجهازين لايمكن ان يعملان دون انسجام كامل لاسيما في مجال السياحة , فغالبا ما يعمل الأمن السياحي مع مكافحة التجسس والاستخبارات الجنائية جنباً الى جنب .
فمن اهم واجبات الامن السياحي خلق بيئة استخبارية في القطاع السياحي داخل البلاد كشركات السياحة ومكاتب السفر والفنادق والمطاعم ووسائط النقل والمرشدين السياحين وفي بناء شبكة مخبرين مع مركز الامن السياحي في وسط المنظومة السياحية للبلد , كما ان الاجهزة الاستخبارية تستفيد من الامن السياحي في بناء قاعدة بيانات كبيرة ومفصلة عن السواح وتستحصل صورهم , بالأضافة الى ذلك تقوم الاستخبارات بالتدقيق من مداخل المطارات والمنافذ دخولاً وخروجاً بالتعاون مع الامن السياحي.
ان تعزيز التعاون بين الاستخبارات والامن في مجال السياحة يعتبر مفتاح النجاح الكبير في دفع فاتورة وجود مئات الوف الاجانب من مختلف الجنسيات في بلد سياحي .
----------------------------------
السياحة في العراق
----------------------------------
لاأحد ينكر ان ضخامة السياحة الدينية في العراق في المواسم والمناسبات المختلفة هو تحدٍّ كبير لاتقوى على تأمينه الكثير من الدول السياحية , لاسيما وان تلك المواسم كانت تتم في وقت تنتشر فيه تنظيمات ارهابية تكفّر الزائرين وتتقرب الى الله في نثر اشلائهم .
وبرغم ذلك , حققت الاجهزة الامنية بالتعاون مع الجيش نجاحات في مناسبات دينية عديدة , الا ان من الصحيح القول ان الزخم الديني والمذهبي للزائرين جعلهم لايكترثون لعواقب زياراتهم للعتبات المقدسة في أحلك الظروف والمخاطر , وهو ما سهّل مهمة الاجهزة الامنية والعسكرية .
ان الامر الذي ينطبق على السياحة الدينية لاينطبق على غيرها من انواع السياحة , لذا لايعتبر هذا نجاحاً إستخبارياً , فهنالك قفزة سياحية في العراق لكنها بلا بنى تحتية سياحية وامنية واستخبارية .
فالعراق مرشح بمزاراته وجباله واهواره وآثاره ان يشهد اقبالاً سياحياً كبيرا قابلاً للتعاظم كلما شهد استقراراً امنياً , وهذا الامر يتطلب ان تتوجه الجهات الامنية والاستخبارية الى تفعيل دورها من كافة الجوانب في المجال السياحي وتداخلاته الاستخبارية والامنية , فالسياحة غير الدينية وغير العقائدية تتأثر بسهولة بأي وضع غير مستقر لأنها مبنية على مايرجوه السائح من متعة وليس للثواب الديني.
فلابد من تفعيل الشرطه السياحية وملاحقها الاستخبارية استعدادا للتطور السياحي المتوقع جنباً الى جنب مع تشجيع الاستثمار في مجال البنى التحتية السياحية وتطوير المفاصل السياحية .
------------
خلاصة
------------
السياحة اقتصاد مزدهر لاينضب الا بالاختلال الامني , فلابد من ان تتم المحافظة على ديمومة السياحة وتطويرها من خلال توفير البيئة السياحية المناسبة والمريحة بالتزامن مع درء مخاطر العمل الاستخباري المضاد المغلف بواجهات سياحية . وهي امور تتطلب تظافر الجهود الامنية والاستخبارية في المجال السياحي , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا