الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من -فوبيا- السيسى الى -لوم- الاسوانى، يا شعبى لا تحزن !

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2018 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الكثير من الاعلاميين، خاصة ما يسمى باعلام الشرعية، وكل المسئولين، قد دأبوا على تحميل المحكومين مسئولية فشل الحكام المستمر فى عرض مستمر منذ اكثر من 66 عاماً!، اشهر الامثلة لبث الشعور الجمعى بالذنب لدى الشعب هو موضوع الزيادة السكانية، فبدلاً من ان يكون العنصر البشرى هو اهم عناصر التنمية، اصبح عندهم هو العائق الرئيسى للتنمية!. كل المشاعر السلبية تهدم ولا تبنى، الشعور بالذنب، الخوف المرضى "الفوبيا" .. الخ، كلها تفقد الفرد ثقته بنفسه، اى تفقده الاساس الذى بدونه لا يمكن تحقيق اى نجاح، كذلك هى الشعوب، شعب يعانى من شعور جمعى بالذنب لا يبنى، شعب يعانى من الخوف المرضى "الفوبيا" لا يبنى، فقط فرد او جماعة او مجتمع يثق بقدراته الانسانية الخلاقة قادر على النجاح.


"الشعب هو اللى مش عارف يتحكم، مش الحكام هم اللى مش عارفين يحكموا"، هذه هى الفكرة ذات التضليل المزدوج، التى يتم محاولة ترسيخها فى عقول الناس، وقبلها فى وجدانهم، فى كل الاوقات، ومع كل الشعوب.


زيف هذه الفكرة ليس فى عدم منطقيتها، - من كون انت المسئول اذاً فأنت المسئول -، ولكن زيفها الحقيقى، انها تخفى تحتها مغالطة خبيثة تماماً، فالحكام يحكمون، ولكن لمصلحة من يحكمون؟!، هذا هو السؤال، وليس اذا ما كانوا مسئوليين ام غير مسئوليين. لذا فمن البلاهة، للأسف، ان نجد ان قطاعاً واسعاً من المحللين يشيرون كثيراً الى فشل الحكام، وهم فى ذلك لا يرون، او لا يرغبون ان يروا، ان هذا الذى يرونه فشلاً هو النجاح بعينه فى تحقيق هؤلاء الحكام لمصالحهم او مصالح من يمثلونهم. وواحد من ابرز الامثلة على ذلك فى الحالة المصرية المعاصرة، هو ما ردده اغلب المحليين من فشل حكام ما بعد 25 يناير 2011 فى ادارة شئون البلاد، وهم فى ذلك لم يروا، وفى الاغلب مازالوا، النجاح الكامل لحكام هذه الفترة، فى تجاوز والالتفاف على ثورة/انتفاضة يناير عن طريق رأس الرجاء "الاخوان" الصالح؛ اغلب الظن ان هذا الخلل المنهجى فى التحليل، يعود الى ان هؤلاء المحليين ينتظروا من الحكام ان يحققوا لهم الاهداف المفترضة لهؤلاء المحللين، وليس الاهداف التى يددها هؤلاء الحكام لانفسهم لتحقق مصالحهم ومصالح من يمثلونهم.


قبل الانتخابات الرئاسية فى مارس الماضى طالب الرئيس السيسى من الاعلاميين ان يبثوا فى نفوس المصريين "فوبيا" الخوف من هدم الدولة المصرية، وبالرغم من ان الـ"فوبيا" هى مرض، الا ان مستشارو الرئيس، خاصة النفسيين منهم، لم يجدوا حرجاً من ان يطلب الرئيس من الاعلاميين ان يبثوا هذا المرض وسط المصريين!.


فى مقال له تحت عنوان "قبل ان نلوم الديكتاتور"، طالب الكاتب والروائى علاء الاسوانى المصريين ان يلموا انفسهم اذا ما هم "لم يقاوموا الاستبداد ويدافعوا عن حقوقهم بكل ما يمتلكوا من قوة"، "قبل أن نلوم الديكتاتور على ظلمه يجب أن نلوم أنفسنا لأننا بصمتنا وخوفنا قد سمحنا له بانتهاك حقوقنا.".(1) من المعروف ان الخوف هو شعور انسانى طبيعى وان لوم النفس "الشعور بالذنب" على هذا الشعور الانسانى، لن يفيد، بل هو ضار كما كل المشاعر السلبية. ويقول الاسوانى فى مقطع سابق: "اذا كان هناك فرق واحد بين المواطن المصري والمواطن الغربي فهو الاحساس بالمسؤولية العامة." لا يمكن منهجياً المقارنة بين حالتين فى سياقين مختلفان كلياً، بين مواطنين فى مجتمعين مختلفان نوعياً فى درجة تطورهما المادى، وبالتالى فى اللامادى، مختلفان فى تطور ادوات ووسائل وعلاقات ونمط الانتاج ..


فمثلاً فيما يتعلق بتطور ادوات الانتاج، فمع الثورة الصناعية بدأ يترسخ فى وعى الانسان ان انتاج اى منتج جديد هو امر مرتهن بخطوات محددة مرتبطة بأرادته لا شأن للقدر بها، اى تشكلت عناصر الارادة الفاعلة فى وعى هذا الانسان، وليس ابلغ فى هذا المجال من فيلم العبقرى "شارلى شابلن" "العصر الحديث". فكما يصنع الانسان من الالة، منتج جديد، كذا الالة تصنع من الانسان، انسان جديد.
(اين المجتمع المصرى من التصنيع منذ52 والى اليوم، قارن بين فترة الستينيات الخاطفة، رغم كل التحفظات، وبين الفترة من السادات الى اليوم).


ويختتم الاسوانى مقاله: "الاستبداد لا يحدث بارادة الديكتاتور وحده. لا يستطيع فرد واحد أن يفرض سلطته بالاكراه على شعب كامل الا اذا سمح له الشعب بذلك. الديكتاتورية علاقة من طرفين: حاكم مستبد وشعب يقبل الاستبداد." هو فى حد يرضى بالظلم؟!، راح فين تعبير "مغلوب على امره"؟!


وهونفس النهج الذى انتهجه الاسوانى، والذى هو بالصدفة طبيباً ايضاً، فى مقال سابق تحت عنوان "انت المسئول عن هذا القمع"!.


انهم لا يقرأون .. فى مقال سابق لى للاجابة عن سؤال الساعة، والذى يتردد منذ فترة، ويثير حيرة الكثيرين، وهو، لماذا لم يتحرك الشعب المصرى، بالرغم من كل الاجراءات الاقتصادية القاسية؟!(2) كتبت:


الصدمة المزدوجة التى تلقاها الشعب المصرى، كانت الـ"فرصة" لفرض ما لم يكن من الممكن فرضه قبلها، الصدمة الاولى، امتدت فى الفترة التى اعقبت 25 يناير 2011، وما شهدته من انفلات امنى وتعطل الكثير من سبل الحياة، بفعل قوى الثورة المضادة التى عملت على معاقبة شعب قام بثورة، وترك ذاكرة سلبية عن مفهوم "ثورة"، وهى الصدمة التى امتدت حتى اضطر النظام الى وضع ممثل الاخوان "مؤقتاً"، -فى توظيف مبتكر لمرض الجماعة المزمن "الجشع" -، على رأس السلطة فى مصر فى يوليو 2012؛ والصدمة الثانية والمرتبطة عضوياً بالاولى، امتدت على مدى عام واحد بائس، تفاقمت خلاله بشكل ممنهج ازمات معيشية عديدة، وبدعم من قوى اقليمية استبدادية، عملت قوى الثورة المضادة، وقطاع واسع من قوى الثورة!، على انهاء هذا العام البائس على اسوء واسرع ما يمكن، ليس انهاءً لحكم الاخوان فقط، بل وبالاساس، انهاءً للاوضاع التى اجبرت النظام على وضع ممثل الاخوان على رأس السلطة فى مصر، -حتى ولو بشكل مؤقت -، اى انهاء اوضاع ومناخ الثورة، وفرض اجنده سياسية واقتصادية، كان لا يمكن لها ان تفرض دون الصدمة المزدوجة ذاتها.


ان تحويل انتفاضة/ ثورة شعب على اوضاع اللامساواة الاجتماعية والاستبداد السياسى، الى "فرصة" لتحقيق طفرة فى اوضاع اللامساواة الاجتماعية والاستبداد السياسى نفسها، هو بالضبط عبقرية التطبيق المبتكر لـ"عقيدة الصدمة" فى مصر.


ان الثورة/الانتفاضة لا تحدث عندما ترى انت انها يجب ان تحدث الان .. الان الان وليس غداً .. مع الاعتذار لجارة القمر؛ الثورة/الانتفاضة تحدث عندما تنضج ظروفها الذاتية والموضوعية. لم تشهد مصر انتفاضة بحجم الوطن بعد 1919 الا بعد اكثر من خمسة عقود، فى يناير 1976، وبعدها بأكثر من ثلاثة عقود شهدت ثورة/انتفاضة فى يناير 2011.


كثيراً من شعوب الارض وعلى مدى التاريخ، ظلت مستسلمة لظروف القمع والقهر، لعقود بل ولقرون، مغلوبة على امرها، ثم انتفضت وثارت على اوضاعها المزرية. فى العصر الحديث حدث ذلك مع شعوب كل دول الثورات الكبرى، الروسية، الفرنسية، الامريكية، كما حدث ايضاً مع شعوب امريكا الاتينية واسيا وافريقيا.


ان عنف الدولة وبث الرعب هو طريقها الاساسى لتحقيق "القمع الاقتصادى" لملايين الشعب من الفئات غير القادرة اقتصادياً، والذى بدون هذا القمع الامنى يستحيل على السلطة تمرير سياستها الاقتصادية الطاحنة لعشرات الملايين من الشعب. ودائما ما يبرر عنف الدولة بـ"الحرب على الارهاب"، فى السابق كان الحرب على "الارهابيين الشيوعيين"، والان الحرب على "الارهابيين الإسلامين". (3)


لقد حددت السلطة الحالية، وفقاً لطبيعتها الطبقية والوظيفية، موقفها من الازمة المصرية، بأعتبارها ليست ازمة حكم، بالمضى قدماً فى نفس الاتجاه السابق لها، ولكن بمعدلات فائقة السرعة والحدة، لاحداث "الصدمة" التى تمكنها من انجاز ما لم تتمكن من انجازه من قبل. لانجاز المزيد من السيطرة المنفردة الشاملة والتامة على كل اوجه الحياة المصرية. هكذا تعتقد انه سينجح الامر.


وكما رأت عن حق الرائعة "نعومى كلاين"، ".. ينجح ذلك، فيصبح الناس مرتبكين وقلقين وخانعين ينتظرون الاوامر، ويتقاعس الناس ويصبحوا اكثر تبعية وخوفاً. عندها يصبح الناس بمعنى آخر فى حالة صدمة، لذا، عندما تؤدى الصدمات الاقتصادية الى ارتفاع جنونى للاسعار وانخفاض كبير للاجور، تبقى الشوارع هادئة والميادين فارغة. لا مظاهرات تطالب بالغذاء، او اضرابات تطالب بالحقوق, وتتكيف العائلات بصمت، وتفوت وجبات، وتغذى اطفالها بطعام منعدم القيمة لقمع الجوع، ويستيقظون قبل طلوع الفجر كى يسيروا ساعات الى عملهم، موفرين بذلك اجرة الباص.". ينجح ذلك، ايضا،ً فى ازاحة الطبقة الوسطى، "جزع المجتمع"، نحوالاسفل.(4)


بالفعل، لقد نجحت السلطة حتى الان فى لجم اى رد فعل للمجتمع تجاه كل الاجراءات القاسية التى اتخذتها على طريق التطبيق الصارم لليبرالية الجديدة، الا ان تراكم ارباح هذه السياسات فى ايدى اعداد محدودة، واتساع قاعدة الافقار لتشمل الطبقة الوسطى، يوفر امكانية حقيقية لان تتحول هذه الازمة من فرصة ذهبية للنظام الحاكم، الى فرصة ذهبية لقوى التغيير والتقدم، شرط ان تحسن هذه القوى حسابات ميزان القوى الحالى والاهداف التكتيكية التى يمكن تحقيقها ، لانجاز تقدم حقيقى فى مجالى العاملان المتسببان فى الفشل المزمن لقوى التغيير حتى الان، التناقض الجذرى بين ايديولجيتى قوى التغيير اليسارية واليمينية، من ناحية، وتخلف التطور المادى والامادى للمجتمع المصرى، من ناحية ثانية.





اذا ما حدثت ثورة/انتفاضة غداً، ماذا سيحدث؟!

بأفتراض حدث ما يتمناه الواهمون، وحدث "الاصطفاف"، وهو بالمناسبة تعبير شمولى خاص بـ"الرص" المتساوى القطع وليس بالتحالفات على اساس التنوع، عموماً، اذا ما حدث "الاصطفاف" وحدثت الثورة/الانتفاضة المأمولة غداً، او الان الان وليس غداً، ثم بعد 18 يوماً، اكثر او اقل، ولان "الاصطفاف" هش بطبيعته الشمولية، سيبدأ التنازع السياسى بين القوى "المصطفة"، على السلطة، حيث مازال التناقض الجذرى بين ايديولجيتى قوى التغيير اليسارية واليمينية قائماً، من ناحية، وتخلف التطور المادى والامادى للمجتمع المصرى، من ناحية ثانية، وهما المهمتان الرئيسيتان المطلوب ايجاد مخارج "اهداف" تكتيكية ومبتكرة قابلة للتحقق، فى اتجاه انجاز التغيير الاستراتيجى المطلوب، فى مواجهة انانية السلطة الشمولية المستحكمة.(5)

المصادر:
(1) "قبل ان نلوم الديكتاتور"، علاء الاسوانى.
https://www.dw.com/ar/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D9%86-%D9%86%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1/a-45347814
(2) اجابة لسؤال الساعة: لماذا لا يتحرك الشعب المصرى ؟!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=602835
(3) فى مصر ايضاً: اثراء الاقلية، عبر ارعاب الاكثرية!.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=592010
(4) الازمة المصرية، كفرصة ذهبية !
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=582815
(5) جريمة "الابادة الجماعية" الرائعة !
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=579913








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو