الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رءيس مجلس النواب الجديد : محمد الحلبوسي

اسماعيل شاكر الرفاعي

2018 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ولد محمد الحلبوسي عام 1981، وكان عمره 22 عاماً حين سقط نظام صدام حسين في حربه الخارجية مع الولايات المتحدة الامريكية ، وخلال هذين العقدين من الزمان كان الحلبوسي واحداً من الملايين التي كان الكبت والحرمان من المشاركة السياسية الصفة المشتركة بينها . لقد حرم عليها نظام صدام حسين النشاط السياسي ، ومنعها من التفكير والتساؤل عما يجري . كانت علاقة النظام بمحكوميه تقوم على روءية النظام الثابتة : من ان جميع العراقيين متامرين ويضمرون الخيانة ، وهي تهمة كافية لان تحكم عليهم بالعيش كقطيع : واجبه السمع والطاعة لاوامر النظام وايعاز منظماته الحزبية والأمنية ...

اصبح الحلبوسي بعد سقوط نظام صدام : واحداً من الملايين التي دعاها المحتل الامريكي للمشاركة في اتخاذ قرار إدارة الشان العام . فهو كالكثير من مجايليه ومن الذين سبقوه في الولادة قد عاش فضاءين : فضاء الكبت والحرمان المليء بالأوامر والنواهي والمحرمات لمنهج حكم صدام حسين ، وفضاء ما بعد السقوط والاحتلال عام 2003 الذي فرض فيه المحتل الامريكي نظاماً سياسياً شبيهاً - من حيث الشكل للنظام المركزي للدولة المحتلة - ، فالحلبوسي في الحالتين ابن ظرف خاص وابن مرحلة في تاريخ العراق : لم يسهم هو ولا ملايين العراقيين في صناعتها ، وانما أسهمت القوة العسكرية في إنتاجها ( الانقلاب العسكري لحزب صدام حسين عام 1968 ، وإسقاط القوة العسكرية الامريكية له ولنظامه في حرب عام 2003 ) لقد تربى الحلبوسي في مناخين : مناخ الكبت والحرمان من المشاركة السياسية قبل 2003 ، ومناخ الصراع المذهبي والقومي بعد هذه السنة . وحين اتخذ الحلبوسي قرار المشاركة السياسية ( لصناعة مستقبل الامة ) انطلق كغيره من القوى السياسية الجديدة ( وهي قوى سياسية اسلامية ذات توجه مذهبي ) من مقولات محلية موروثة عن تاريخ زاخر بالصراعات المذهبية : وكانت المقولة الاساسية التي انطلق منها : هي مقولة الفرقة الناجية الواردة في حديث منحول على النبي محمد ، وهي مقولة خلافية تسببت في شق المجتمع وانقسامه على نفسه بين شيعة وسنة .. لكن ماذا يفعل رجل يريد ان يعمل في النشاط السياسي ، كيف يتمكن من جمع القوة اللازمة لانطلاقته السياسية ان لم يخاطب ويغازل العامة من الناس في ما يوءمنون به : والاهم ان يرسم له صورة البطل المدافع عن معتقداتهم ؟ ...

فكرة الدفاع عما يعيش عليه العامة من الناس من اوضاع ومن معتقدات ، هي الاستراتيجية الاولى في النشاط والتبشير السياسي لدى سياسيي الشيعة والسنة على السواء ، وهي الفكرة التي تتضمن وجود عدو يريد الاطاحة بهذه المعتقدات ، ويتآمر لإقامة مجازر جماعية لتصفية أعضاء المذهب جسدياً ، وللرد على هذا التامر يجب بالضرورة تكوين ميليشيا المذهب المسلحة التي تدافع عنه . ان الخوف الذي اشاعه سياسيو الشيعة والسنة في أوساطهم الانتخابية وإعلانهم عن التطوع للدفاع عن المذهب هو الذي جعل منهم سياسيين مرغوبين في اعين ناخبيهم . فهم لم يفوزوا وفق برامج وضعوها لتطوير حياة الناس ، وتحديث أساليب عيشهم ، والارتقاء بها - عبر العمل على تنويع مصادر الدخل وإيجاد الوظاءف للقضاء على البطالة بل فازوا بالضبط لان وعيهم السياسي مطابق لوعي العامة ويخلو من قلق الخوف على المستقبل ، وبهذا أعادوا انتاج نظرية التامر الصدامية اذ اصبح العراقيون مجدداً متهمون بالتآمر : السنة على الشيعة والشيعة على السنة ...

ارتبط النشاط السياسي بعد 2003 بالقوة : قوة السياسي من قوة تنظيماته الميليشياوية ، وبقدر ما يسعى الى تعظيمها عدداً وعدة بقدر ما يصبح ذا حض كبير بالحصول على المنصب والامتيازات . نشاط سياسي من هذا النوع ، له آلياته الخاصة التي تتطلب من الناشط السياسي فهمها واستيعابها ، ويبدو ان محمد الحلبوسي تعقلها بسرعة الموهوب في معرفة طرق اشتغال آلياتها والتفنن في معرفة ممراتها ودهاليزها ومتاهاتها : ولذا فان الهجاء والتشكيك والطعن في شخص الحلبوسي لا ينفع ابداً في حل هذه المتاهة التي يتخبط فيها العراقيون ، إنما الصحيح ان يتوجه العراقيون بالنقد للظروف التي جعلت الحلبوسي وسواه من السياسيين العراقيين يكرسون جل أوقاتهم للكيفية التي بها يتسلقون هرم السلطة حيث المال الوفير والامتيازات الكثيرة ، وهذا لا يتم الا بازاحة الاخرين عن طريقهم ...

تشبه المرحلة التي باشر فيها الحلبوسي نشاطه السياسي : السوق السوداء التي يهرب اليها سراً كل ما هو غير شرعي وغير قانوني ، وهي سوق مطلوبة دولياً واقليماً تحقق من خلالها هذه الدول مصالحها ، لكن الطلب الخارجي يظل مجرد رجاء ان لم تتوفر له قاعدة سياسية مستعدة لان تجعل من السوق السوداء : القانون الطبيعي وما عداه نوعاً من الشذوذ والهذيان ...

بسرعة عاصفة تمكن مهربو السوق السوداء بما يملكون من دعم خارجي ، من قلب معادلة العلاقة بين الوطن وما يضم من أديان وطوائف وعشاءر وقوميات ، الى علاقة مكوناتية اصبح فيها لكل واحدة من هذه المكونات وطنها الخاص ، تقيم فيه امارتها الخاصة التي يعلو فيها صوت الأمراء على صوت : الدستور والقضاء وقرارات مجلس الوزراء وتشريعات البرلمان . في هذه الإمارات لا يوجد دستور بل يوجد عرف ، ولا تسري عليها قوانين الدولة بل الكلمة الفصل فيها لسلطة الإمارة التي تتدخل بشكل مستمر بآلية عمل دواءر الدولة . هذه هي المعادلة السياسية التي شق فيها ومن خلالها الحلبوسي وسواه من السياسيين شيعة وسنة طريقهم الى مجلس النواب : معادلة الطاءفة فوق الوطن ، والمتعصب الطاءفي فوق المواطن . فالفترة التي باشر فيها محمد الحلبوسي حضوره السياسي فترة اصبح فيها المهربون وناشطو السوق السوداء هم الوزارات وهم السيطرات وهم كتاب عقود النفط وموردي الأسلحة وهم المشرفون على التجارتين الداخلية والخارجية وهم ضباط الامن والمخابرات والجيش : كانت خطوتهم الاولى اضفاء صفة الشرعية على سوقهم السياسبة السوداء عن طريق دورية الانتخابات التي ينشطون فيها تحت شعار : أَعْط صوتك لابن عشيرتك وابن مدينتك وابن طاءفتك ، وحاذر من التصويت لابن الدين والطاءفة والقومية الاخرى الذين يتآمرون على مصيرك ، وقد عزز ت داعش من الخوف الموجود بهزيمتها لجيش المالكي ، من العودة الى استجداء الرحمة من أمراء الحرب لصد داعش من التقدم جنوباً ...

هذا هو المناخ السياسي العام الذي تشربه الحلبوسي تماماً ، وعرف كيف يجيد استخدام أدواته وطرائق اشتغاله لكي يفوز في الانتخابات ، اذ لم يعرف عن الحلبوسي انه كان مناضلاً من اجل الحياة المدنية وحقوق الاقليات والنساء والتعددية والمساواة ، لا في عهد صدام حسين ولا في المرحلة الجديدة بعد 2003 بل يعرف عنه انه كان من المتشددين المناصرين لابناء طاءفته وهم يتحولون من طور الى طور في مواقفهم السياسية ، ولو لم يكن كذلك لما فاز في الانتخابات ...

جاء التأييد الدولي لفوز محمد الحلبوسي برءاسة مجلس النواب العراقي مصداقاً لما ذهبنا اليه من ان الرجل كان موهوباً في الكشف عن قوانين واليات اشتغال هذه السوق السياسية السوداء بسرعة فاقت سرعة شيوخ السوق من السياسيين المخضرمين . ففي وقت واحد باركت الخارجيتين الامريكية والايرانية فوزه مما يدل على ان الرجل عرف كيف يخطب ود القوتين المتنافستين في العراق ويفوز برضاهما ...

ومثلما عرف الحلبوسي كيف يرضي القوتين المتنافستين في ان معاً ، فانه سينجح في كسب ود القوى الداخلية : من تحالف الفتح الى تحالف النصر الى تحالف ساءرون ، ان عقل الرجل مفتوح على ارضاء الجميع املاً في ان الجميع سيحتفظ به أيقونة على عصر ممتد ولن ينته : عصر المحاصصة وإيدلوجيته الغالبة : ايدلوجية الفرقة الناجية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا