الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن التوافه

راغب الركابي

2018 / 9 / 29
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية



 
في عالم  تزداد فيه  القيم إنحداراً  ،  وتزداد  فيه  التوافه  سطوةً وسيادةً   ،  سأل سائل  : وهل للتوافه زمن   ؟   حتى يُقال  -  زمن التوافه  -  ،  أم إن الأمر  من إفرازات  العصر والعولمة  ؟  ،  ولكن ماذا نعني  بمقالنا هذا   وما  نُريد   ؟  ،  وببساطة  نقول  ومن غير مقدمات إن   - زمن التوافه -  الذي نعيش  به  ،  يلتقينا  في الحكم  وفي نظام الحكم  وبطبيعة الحكام   ،   كما  إن التفاهة  أصبحت عنوان  لمرحلة  سادت في الأداب وفي التربية وفي التعليم وفي الإقتصاد وفي كل شيء  ، وقد أُتيح  لهذا  الزمن  ورموزه  السيادة  منذ بداية التسعينات من القرن الماضي وإلى يومنا هذا يتسيدون    ، وأصبح  هؤلاء التوافه هم واجهة   المشهد  يتكلمون  بالنيابة عنا  و يقررون و يفرضون من الشروط  ما تروق  لهم  .
 وفي ظل هذا التهافت  اللامنطقي  غاب عن المشهد أهل القيم وأهل الرسالة ومن يحملون فكراً نافعاً  للمجتمع وللبشرية   ،   ولفظ  -  تافه  -  وجمعه  توافه   لفظ  صحيح رباعي المصدر والرسم   ومعناه : (  في المفرد   ذلك الشخص  الذي فقد توازنه  أو ذلك الشخص الذي   لا قيمة له  ولا عقل وهو من  يتحكم بالعباد والبلاد  ،  والمعنى في الجمع  يشمل المجتمع  والأمة التي فقدت توازنها وأصبحت من غير قيم ولا عقل تهتدي به   )    ،   هذا  المعنى  إن تتبعنا  إسقاطاته  في واقعنا  العربي والمسلم  نجده جلياً واضحاً لا لبس فيه   ،   وسريان  هذا  المعنى  نجده  في  فتاوى شيوخ الدين الذين  غدت مقولاتهم تافهة لدرجة من الإسفاف والسطحية   ،   ونحن قاصدين أن  نشير إلى هذه النوعية  والتي لا عمق  فيها ولا تدبر  ولا تتحرى الدقة وتسير مع الركبان حيث يميل الهوى ومن بيده السلطان .
 إذن نحن نعيش هذا  الواقع وهذا الزمن  الرديء و الذي يحكمنا ويحكم  ثقافتنا  ويحكم فكرنا و وعينا  ، حتى صارت  عادة  ومنقبة  لدى  البعض  حين يستسهل  الخروج على النظام  والقانون  ، وفي ذات  الوصف أنتفت القيم الإنسانية وأنتفت  معه  معاني مقدسة عن الهوية والجذور ،  وأصبحنا في المُخيلة  إن ركزنا  بها  ووعيناها  : -  عبارة عن أوراق  متناثرة  تذرها الرياح حيثما مالت  شمالاً  ويميناً  -   ،  وفي ساحة  المقاربة  و بعيداً عن التعميم سأخذكم  لبعض الأمثلة  من الواقع  كنموذجاً  يمكننا الإشارة إليه   :
المثل الأول  :  (  غياب القيم المؤوسسة   )  وسيادة النزعة العدوانية وتنامي  التجهيل في كل حافات وبواطن المجتمع والفرد . وهنا  تبدو قيم الدولة والنظام والسلوك الحضاري والبناء والإعمار ضرب من الخيال ، لهذا يكثر الكلام عن ذلك من غير عمل ، وتسود في ظل ذلك الأفعال السيئة التي تبتدأ من عدم النزاهة وعدم الإيمان ومن ثم تسود ظواهر الرشوة والفساد بكل عناوينه وأشكاله ، مما يصعب معه القدرة على البناء والإعمار والإصلاح ، وتنامي ظاهرة التفكيك في داخل المجتمع تفكيك أسري وتفكيك في أهمية القانون والنظام ، وإستسهال الأعمال القبيحة وممارسة كل أنواع الرذيلة من قتل وسرقة وإختطاف وإغتصاب وخيانة وسلوكيات منحرفة كثيرة  .
المثل  الثاني  :  (  تنامي الشعور بالنقص والدونية والحقارة )  يؤدي هذا لحنق نفسي على كل ظاهرة خيرة أو عمل حسن  وجميل في الحياة ، وإليكم هذا الفعل الموجه من قبل تنظيمات خاسرة لتقوم ببعض أفعال من القتل المنظم ، لظواهر جميلة في المجتمع حدث هذا مع الشهيدات رفيف ورشا وتارة وسعاد ، وللظاهرة ما وراءها ، ومن جهتي أعتبر ذلك محاولة لخلق نوعاً من التوتر وعدم الثقة بالدولة والنظام والقانون ، كما إنه حنق مقصود وموجه ضد الإنتصار في جبهات الحرب العسكرية على الإرهاب ،  فالخاسرون في الميدان وفي السياسة يذهبون حيث المناطق الرخوة ليثيروا غضبة شعبية عامة ، مفادها إن من يتحكمون بالنظام العام فاشلين وغير مؤهلين ، ولابد من إعادة عجلة الحكم إلى الوراء البعيد !!
ومن جهة أخرى هذا السيبان  من جانب القوى الأمنية  في تتبع أثر الجناة والقتلة ، وتقديمهم للعدالة وهذا يتطلب فعل نزيه وعمل منظم وجهوزية وإيمان ، ناهيك عن حزم في طرد  بعض الأصوات النشاز التي تعلو في التحريم والتحليل   ،  القادمة  من جهلة متخلفين وفاقدين للشرعية والأهلية   (  رجال دين وغيرهم )   ، مما يثير لدى الجهلة ردات فعل مدمرة وغير محسوبة ، ولأن البلد يعيش زمن التوافه فليست هناك جدية في متابعة القضايا التي تهم الأمن والنظام والمستقبل ، وكلما نستبشر أو نُمني النفس بتغيير الحال ، ننصدم بجملة وهالة من الممارسات التي تقول -  إن فاقد الشيء لا يعطيه -  .
في زمن التوافه نفتقد للحسم الوطني والإرادة الوطنية وللفكر الخلاق ، وفيه نسمع فقط ثرثرة وكلام متهالك مبعثر يدل على طبيعة قائليه ، وللمتدخلين في شؤونات العراق أثر في ذلك وهم كثير من الشرق والغرب ، في غياب من بيده  تأصيل  مبادئ  المسؤولية الوطنية والشعور بالواجب الوطني ، والإعلام في زمن التوافه لايبدو إنه مشغولاً أو مهتماً  كثيراً بإيجاد الحلول   ،  إنما يستخدم منابره للإثارة والتحشيد مما يفاقم الوضع في جو من الجهل والتجهيل  المتعمد  كثير ، وكما قلنا إن الشعور بالمسؤولية هي ليست نداء يوجه بل هي حالة ذاتية إن فُقدت فيصعب التأسيس عليها أو بنائها ، خاصة في ظل هذه السيادة الممنوحة من الشرق والغرب لكي يبقى عالمنا يعيش التفاهه ، سلوكاً وممارسة وثقافة وفكراً  ، لا أقول بالتآمر من خارج الحدود لكني لا أنفيه ولكني أعتبر كل مجتمع يفرز ويقدم ما لديه وكما قيل في الأثر -  كما تكونوا يولى عليكم  -  ، فما يحدث عندنا ليس من جهة الأغيار بل هو منا حين أستسهلنا التسطيح والجهل وجعلنا منهما شرعة ومنهاجا ، لذلك تقبلنا طيور الظلام حين أتت  وتحكت في محافظاتنا  الغربية  ، وتفاعلنا مع الناعقين من غير هدي فجعلناهم أئمة وقادة  ، وسوف لن يكون الخلاص من هذا الزمن وتوابعه  ممكناً   من غير نهضة صادقة وتغيير كبير  ،   وبظني إن هذا الخلاص  الآن غير ممكن  ولا متيسر ،   ولذلك يبقى الحال على ماهو عليه ، وإلى أن يحين  ذلك  الوقت  سيظل  يعيش المجتمع والدولة في ظل زمن التوافه..
راغب الركابي  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا