الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات مع معلمي رشدي العامل

كفاح حسن

2018 / 10 / 1
الصحافة والاعلام


لقد عرفت الشاعر رشدي العامل منذ مطلع انخراطي في العمل السياسي، ايام الشباب المنقضية. و شدني إليه اسلوبه السلس في كتابة الشعر.. و استخدامه المبدع للحدث في صياغة أبياته الجميلة.
الا ان اول لقاء لي معه، تم في صيف ١٩٧٦.. حيث كنت منكبا على عملي في المكتب الصحفي الطلابي في بناية أسرة تحرير طريق الشعب.. و اشتقت إلى استكان شاي من يد العزيز قاسم.. فنزلت إلى حديقة البناية الخلفية.. و هناك وجدت رجلا مخمورا جالس على المنضدة و هي يتندر في حديث مع زميل جلس بقربه.. و جلست جنبهما منتظرا الشاي اللذيذ من يد قاسم.
و لم يكن المتحدث المخمور سوى شاعرنا رشدي العامل.. حيث كان يعمل في صفحة شؤون عربية و دولية في جريدة طريق الشعب.. و لا ادري لماذا اختار العمل في هذه الصفحة بدلا من العمل في الصفحة الثقافية القريبة منه كشاعر مبدع.
لقد كان بسيطا و طيبا.. و منذ الجلسة الأولى تحدث معي كأنه يعرفني منذ زمن بعيد..كان يخاطبنا نحن الطلبة العاملين معه في بناية الجريدة باهتمام.. و كان يقول انه يحبنا لأننا نذكره بأيام شبابه.. كان يحدثنا بعطف طالبا مننا ان لا نكرر الأخطاء الذي وقع فيها جيله..
و كانت صرخته الدائمة لنا..
لا ترحلوا.. فالغربة مقبرة..
ابقوا حيث انتم.. فلا يوجد مكان في العالم يعادل جلسة في ابو نؤاس.. او ندوة في اتحاد الادباء.. او وقفة سريعة في الباب الشرقي حيث الزحمة و رائحة الكص المشوي..
كان يتوسل بنا بأن نبقى حيث نحن.. و نترك جذورنا تنمو في تربة الرافدين..
رغم إدمانه و رائحة الكحول الملازمة له ..كما تلازمه دائما سيكارته المثقلة بالرماد.. الا انه كان يحدثنا بوعي و إدراك كاملين.. كان يشم رائحة الخطر.. و ينتظر وقوعه..
و في اليوم الذي عدت فيه من كربلاء و انا اعبر الدبابات و عربات الجنود المساكين الذين ارسلوا لقمع طقوس دينية سلمية في ذكرى أربعينية الإمام الحسين، اعتاد أبناء المنطقة عليها. حيث يسير الناس مشيا على الأقدام من النجف إلى كربلاء .. جلس جنبي شاعرنا رشدي و امطرني بالأسئلة.. و هو يحذرني من ان فوهات المدافع و البنادق ستحطم العراق.. حدثني و الدموع تسيل من عينيه.. لقد كان حزينا بشكل لا يوصف.. لم يعد العرق يسكره.. و لا السيجارة تهدأه.. فهو يشهد بداية مذبحة ستحرق العراق و اهله..
و في اليوم الأخير من دوامه في بناية الجريدة.. ودعنا بحزن شديد.. و كنت واقفا مع رفيقي الشهيد باسم كمونه، زميلي في العمل في المكتب الصحفي.. جاء إلينا مسرعا و ودعنا..و أعاد نصيحته لنا..
لا ترحلوا.. فليس في الدنيا الذ من ماء الفراتين.. و لا تربة تضمنا في القبر احسن من تربة العراق..
لا ترحلوا و تتركوا الطغاة ينهشون بلحم العراقيين..
و انا في وسط الجبال.. وسط رفاقي و رفيقاتي عثرت على ديوان رشدي العامل .. حديقة علي.. و كانت فيه نفس الوصية إلى ابنه..
يا ولدي لا ترحل..
مجدا لابن الرافدين الملتصق بتربة بلده.. مجدا لمعلمي الشاعر رشدي العامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رشدي العامل
على عجيل منهل ( 2018 / 10 / 1 - 21:47 )
رشدي العامل شاعر عراقي من مرحلة ما بعد الرواد ويقصد بها خمسينيات القرن الماضي إلى جانب سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصائغ وحسين مردان، ولد في مدينة حديثة بمحافظة الأنبار سنة 1934. من دواوينه : -همسات عشتروت- 1951، -أغان بلا دموع- 1956، -عيون بغداد والمطر- 1961، -للكلمات أبواب واشرعة- 1971، -أنتم اولاً-، - هجرة الألوان - 1983، - حديقة علي - 1986. كان شاعرا شيوعيا ملتزما لم يجامل النظام العراقي رغم أنه لم يغادر العراق بعد انهيار الجبهة الوطنية في سبعينات من القرن الماضي. أدمن على الكحول وعاش وحيدا معوزاً حتى وفاته وشُيّع من قبل عدد غفير ليدفن في مقبرة -أبو غريب-،
وصدرت اعماله الشعريه عن دار المدى

اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي