الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في حضرة الارق- قصة قصيرة

داود السلمان

2018 / 10 / 2
الادب والفن



دعونا نقول إن الحياة سافلة، بل هي امرأة عاهرة، تجدها في كل يوم، بل في كل ساعة بأحضان رجل، لا حباً بذلك الرجل، بل لأن مهنتها أو سجيتها هي التي تملي عليها ذلك. هكذا هي الحياة التي نعيشها جميعاً، نحن البشر الذين تعاطينا مخدر الحياة، حتى تغلب علينا النوم الإجباري تحت وطأة ذلك المخدّر اللعين، المسمى بـ"الحياة". حيث جئنا مجبرين لركوب موجتها، فركبنا من دون شعور بعواقب الأمور، وسرنا بخطى وئيدة نتعثر في مطبات لها أول وليس لها آخر، نسير في دهاليز مظلمة ليس لها بصيص أمل مرجو.
هكذا كان يفكر توفيق، وهو مستلقي على فراشه، بعد أن هجر النوم مضجعه.
وراح يتقلب على فراش النوم، يميناً وشماله، وهو مستغرق في تأملاته:
- ونستطيع تصوير هذه الحياة بأنها كشخص محكوم بسجن مؤبد، فهو يسكن داخل أربعة جدران ليس فيها غير كوة صغيرة يطل من خلالها بصيص نور لا يكاد يضيء مساحة واسعة من فضاء تلك المساحة المعدة له كسجن انفرادي، عقوبة أبدية بسبب جناية أو حماقة ارتكبها غيره وهو يدفع ثمن تلك الجناية.
ويضحك بصوت عال، حتى خشي أن تستيقظ الجيران أثر صوته المدوي.
لكنه يظهر أن الارق قد دب بكل كيانه وصار قطعة منه. فيغوص في تأملاته:
- ينط الأب على الأم، كنطيط الثور الهائج، ليقضي منها وطره، ثم لا يدري نتيجة ذلك إلا بعد أن ينتفخ بطن الأم بحمل ثقيل تنوء به، فلا تكاد تستلذ ليلاً بالكرى نتيجة ذلك الحمل الثقيل، ونهاراً لا تستطيع الحركة بكامل قواها البدنية، فتمشي الهوينة وتتمايل كالسعفة في مهب الريح، يصاحب ذلك خمول وتثاؤب مستمر، نتيجة عدم اكتفائها من لذة النوم، فيشكل كل ذلك حالة من التذمر الموقت، لكنها عادة ما تكون سعيدة وهي تحت وطأة ذلك الحمل الثقيل.
وينهض من فراشه واقفاً. يفتح الشباك المطل على الشارع العام.. كل شيء يطبق عليه السكون، حتى الشوارع والارصفة والاشجار كانت هي الاخرى في حالة سبات ونوم عميق، الا هو، هو وحده يقاوم جيوش النوم بأسلحة خفيفة.. ويستمر:
- تمر الأيام والساعات على تلك الأم، ليتمخض عن ذلك تسعة أشهر ثقيلة، كأنها جبال من نصب، حتى تنفض ذلك الحمل الثقيل عن كاملها وتتنفس الصعداء، ثم تبدأ بمرحلة جديدة من المعاناة وما يصاحب تلك المعاناة من ألم وقسوة، حتى يكبر ذلك النتاج الوافد على ضنك الحياة وواقعها المرّ، وهو لا يدري لما جاء، وكيف، ولماذا وما هدفه المرسوم على جدار فوضى الوهم، وجبين المستقبل المخادع، وصفحات القدر المظلم، ثم لا يدرك أين يكون مصيره في نهاية المطاف، والسراب المجهول القاتم، فيغرق في مياه تساؤلات فلسفية لا تركن إلى أجوبة تشفي غليل السؤال.
يا الهي:
- كل ذلك بسبب تلك النزوة، أو تلك الحماقة كما أسميناها، وبالتالي هو الآخر يرتكب النزوة نفسها، ويلدغ من ذلك الجحر أكثر من مرة، بل قد تصل لعشر مرات أو تزيد. حماقة تتكرر، وجناية تزيد، وسجون تفتح أبوابها المشرئبة للوافدين، وهكذا دواليك. الحيرة والوجود يلقيان بظلالهما على واقع مستقبلها الواهن، وتمضي السنون ونحن لا نشعر بدبيب أقدامها على اسفلت الطريق.
ويواصل هذيانه:
- لقد ظلمتنا الحياة بضرب سياطها المستمر على ظهر واقعنا البائس، المضمخ بالشقاء، وفي كل يوم تند جراحنا قيحاً، لتستمر اللعبة، لعبة الحياة، من دون توقف ونحن نلف وندور، غير شاعرين باللهاث، حتى يندلع لساننا ويخرج من فيهنا، وبالتالي نخسر المعركة، لأننا قد دخلناها من غير سلاح، بل بالأحرى كانت أسلحتنا موجهة إلى صدورنا منذ الوهلة الأولى.
بعدها يغوص في بحر عميق من النوم، ليس له قرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث