الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحفرة ... !!

مهند زكي

2018 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


قبل اكثر من اربعين سنة جاء الاب ادريس هو ورفاقه الى منطقة شبه خاليه , تعاهدوا على جعل هذه البقعة محط انظار المناطق المحيطة بها , قام الاب ادريس ورفاقه بالسهر على هذه المنطقة وبنائها ووضع قانون لها , قانون يساوي الكل , ويرفع من هيبة الناس امام بعض وهيبة القانون امام الناس . الاب ادريس ورفاقه اتموا مهمتهم , وضعوا القانون , والتشريع وكل ما يدير هذا المكان , واطلقوا عليها اسم الحفــــرة ...!
الاب ادريس هو ذلك الرجل الشرقي , حاد الملامح , يرتسم على محياه شارب غليظ , رغم حدة ملامحه الا انه يمتلك ابتسامة تدفئ القلب , يشعرك بها بطمئنان الروح , يشارك الناس همومهم , يجول البيوت , يرى اكلهم وشربهم , لا يخذل من التجئ اليه .
مرت السنين والسنين , واصبحت في الحفرة اجيال بعد اجيال , يحمونها ويدافعون عنها من الغرباء , ويضحون بما هونفيس وغالي من اجل ان تبقى الحفرة شامخة لا تمسها ايادي الطامعين .
تعرضت الحفرة واهلها الى ازمة عمل وطعام , حاول المغرضون ان ينهوا عزيمة الاب ادريس ورفاقه وجعل الناس تنفر منه , الا ان الاب ادريس كان مؤمن هو ورفاقه بهذا المكان اكثر من ايمانهم بأنفسهم , فقاموا بعمل مطبخ ومطعم يقدم الطعام اليومي للناس مجانا مهما كان حجم العائلة , وسوق يقدم المواد التموينية والخضار الى الناس بسعر زهيد جدا من يريد ان يدفع ومجانا من لا يريد ان يدفع او من ليس لديه المال , كما كان الطلاب يدفع لهم الاب ادريس لاكمال دراستهم , وكان يتكفل بالايتام ومن لا مأوى له .
وبصبرهم وتكاتفهم , مروا من هذه الازمة , لكن استمر هذه النظام لانهم رأوا ان هذه النظام سوف يساعد المحتاجين واهل الدخل القليل
كان للاب ادريس ابناء من ضمن ابناءه ( سليم ) الذي طالما حلم بأن يكون هو الزعيم على الحفرة , لكن الاب كان يرى ان سليم لايصلح ان يقود الحفرة وان ابنه الاصغر هو الاصح لهذا المكان , لحكمته وطريقة تعامله مع المشاكل الداخلية والخارجية .
وبعد سنوات وسنوات من اطماع شركات الاستثمار ورجال الاعمال وبعض الجهات التي طالما عرف عنها التوسع والعداء التاريخي الدفين للحفرة , قرروا ان يسيطروا على الحفرة والاطاحة بالاب ادريس ورفاقه , والاستثمار في هذه المنطقة وانهاء هذا العهد الذي طالما ارقهم وكان شوكه في اعينهم وسد منيع لكل اطماعهم .
وفي ليل يوم ما شرقت الشمس بعده , قرروا ان يهاجموا الحفرة , ويقتلوا عائلة الاب ادريس وكل رفاقه السيطرة على الحفرة وكل مفاصلها ,
هجموا بغربانهم السود , وقتلوا من قتلوا , واخذوا من اخذوا
بيت الاب ادريس كان رمزا لمن يلجئ اليه , الان محصن لزمرة ( الغربان السود )
القانون تغير , تدفع تعيش , اغروا الناس بالمال في بداية الامر , لكن بعد اشهر , اتضح كل شيء .
شوارع الحفرة النظيفة ,اصبحت النفايات والمخدرات تملئها , الجريمة التي نادرا ماكانت تحدث وان حدثت يعاقب مرتكبها في موقع الحدث , الان الجريمة والتصفيات جزء لا يتجزء من احيائها , مجموعات تمتلك السلاح تنتشر في كل ازقتها لمن هم ولمن يعملون وما هي اهدافهم لا تعلم , وعندما تسألهم يقولون نحن ندافع عنكم , ممن ؟؟ وانتهم من تقتلوننا وتستبيحون اعراضنا , ان عارضتهم قتلوك ان اطعتهم اذلوك .
البطالة انتشرت , والجوع تفاقم , المطعم والمطبخ الذي عمله الاب ادريس تلاشى شيئا فشيئا , السوق المجاني انتهى , واصبحت بدل بضاعة الحفرة وخضرواتها , الان المستثمرين واتباعهم استبدولوها ببضاعتهم وخضرواتهم , التي تأتي من الممول لمجموعة ( الغربان السود )
شعار الحفرة القديم انتهى , وضعوا شعارا جديد , القوانين القديمة الغيت , لانها كانت تنصف الفقراء , حتى الطلاب الذين كانت دراستهم مجانية , الان اصبحت باهضة الثمن جدا , العوائل الذين فقدوا ابائهم دفاعا عن الحفرة وكانوا يستلمون الرواتب لعيش عوائلهم , الغيت هذه الرواتب , العوائل هربت من الحفرة , اصبحوا يتأملون اليوم الذي تعود فيه الحفرة الى سابق عهدها وقوتها , شباب الحفرة بعد ان كان لهم سطوتهم وهيبتهم , الان هربوا من الحفرة والتجأوا الى مناطق اخرى يعملون بها خدم وعمال , نساء الحفرة اللاتي عرفن بقوتهن وشرفهن وصبرهن , اغمن على العارة المبطنة والتسول وغيرها ,
قادة ( الغربان السود ) اتفقوا ان يجعلوا اهل الحفرة وشبابها تختلف فيما بينهم لكي يضمنوا سيطرتهم التامة , ولا يقوموا بثورة عليهم , حل النزاع فيما بينهم , والصديق اختلف مع الصديق , والجار خاصم الجار , والاخ قتل الاخ , هذه رغبة ( الغربان السود )
شغلوهم بالفرقة , والمصادر العيش , ومصاعب الحياة , ذهبت تلك الايام التي ما ان صاح احد محتاجا الا وهب له اهل الحفرة , الخوف يتعري الكل , السرقة تملئ الشوارع , المخدرات , تجارة الاطفال , تجارة الاعضاء , كل مالم يخطر على احد , اصبح الان رائجا في الحفرة
الحفرة كانت رمزا من رموز المحبة والتعايش , رمزا من رموز الاستقرار , رمزا من رموز سيادة القانون
اليوم يضرب بها المثل في مستوى الجريمة والفساد والقتل والدمار والسرقة والتفرقة وسيطرة الخارج على امور الداخل
الناس في الحفرة ... تتمنى لو انهم فعلا بذلوا الدم وانفسهم لحماية الحفرة , الان تذكروا كل ماقاله لهم الاب ادريس , لو ضعفت الحفرة سوف نمزق ويسيطر عليها الاعداء
طالما قالها الاب ادريس لو تمكن الاعداء من السيطرة على الحفرة , سوف قتلوا كل شيء ويحولوها الى تابعة , ذليلة , مأجورة الى منطقة اخرى
نعم قالها , نعم قالها
لهم اطماع , سوف يستعبدون اهلها
نعم قالها الاب ادريس , ولم يفقه له اهل الحفرة
الا بعد ان جربوا , ورأوا بأم اعينهم
قالها الاب ادريس ...
الحفرة ليست مكان فقط ,
الحفرة مبدأ , فكرة , حلم , الحفرة ايقوة حياة , فالنبقى ندافع عنها , فالحفرة هنا ... بالقلب , تجري مع الدم , مع مجرى النفس , لا ترحل عنك , معك حيثما تذهب واينما ترحل ...
فالحفرة وطـــــــــــــن
والوطــــــن لا ينتزع
لا تذهب بعيدا بمخيلتك ... فهذا مسلسل تركي اسمه الحفـــرة ...!!
ما اقرب حفرتنا لهذه الحفرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا