الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الأول 4

دلور ميقري

2018 / 10 / 22
الادب والفن


" لكي لا يُذكر مرة أخرى موضوعُ المذكرات المراكشية، أكتفي بوعدٍ منك بإعادة النظر لاحقاً في أمر إرسالها إليّ "، قال لمضيفه بلهجة جدية. هذا الأخير، تململ في مجلسه وبدا كأنه يهمّ بالنهوض حينَ عادَ الآخرُ للتساؤل: " هل أنت موافق على اقتراحي؟ "
" اقتراح معقول. إنه يجعلني في حلّ من لجاجتك، على الأقل لوقت مغادرتك هامبورغ! "، أجابَ الرجلُ ضاحكاً. ثم أردف حالاً، وكان قد نهض ليتناول سترته من على مسند الكرسي: " أما الآن، فهلمّ معي كي نصيب شيئاً من الطعام "
" لا أشعر بالجوع، لأن الفطور كان وافراً على طريقتنا الشامية "
" سنذهب إلى مطعمي، وسيفتح النبيذ الفرنسيّ شهيتك "
" آه، هذه هيَ المسألة! يلوح لي أنك تطبّعتَ بخلق كرد تركيا، المعروفين بالمبالغة في تعاطي الخمر؟ "
" عبثاً ملاحظتك، إذا كانت لمزاً من قناة تنظيمنا. فإن أغلب الرفاق يقتدون بالقائد؛ وهوَ، لعلمك، لم يكن يحبذ الشرب "، شدد المضيف على الكلمات بشيء من التوتر. ووقف " دلير " بدَوره، فرسم ابتسامة خبيثة على شفتيه الرقيقتين: " أوف "، هتفَ بنبرة مرحة وأضافَ " لم أقصد اللمز، صدقني يا بن العم. أما في شأن قائدكم، فإنه على ما يبدو مختلفٌ عن بقية زعماء الشيوعية، وبالأخص السوفييت، وكانوا مشهورين بالإدمان حدّ أن أغلبهم قضوا بسببه ". وكان الرد من لدُن " سيامند "، إطلاقه ضحكة عالية. ثم بادرَ للتعليق بالقول الشائع، وقد استعادت ملامحه الرواء: " وشهدَ شاهدٌ من أهلها! ".

***
في بهو المقهى، ألقى " سيامند " نظرة متفحصة على مظهره. مشط شعره هنالك بأصابعه، ثم لحق بخطواته الكبيرة ضيفه، وكان هذا قد صارَ في الخارج. ومن الجادة الجانبية الهادئة، الواقعة خلف المقهى، ما لبثت المرسيدس الأنيقة أن انطلقت بهما عبرَ شوارع مزدحمة وضاجّة بالضوضاء. أجازَ " دلير " لنفسه إزعاج مضيفه، مجدداً: " البروباغندا الحزبية، تدّعي أن الرفاق في ألمانيا يقيمون معاً بشكل جماعيّ كي يوفروا المال للتنظيم "، لاحظ بنبرة رصينة. ألقى " سيامند " نظرة سريعة مشتعلة على ضيفه الجالس بقربه، ثم استمر في متابعة الطريق بعينين يقظتين. عقّبَ بصوت معتدل، وقد أدرك أنّ الآخرَ يُشاكسه: " لديّ سيارة جديدة ومنزل فخم، ولكنني تبرعت للتنظيم بأضعاف ثمنيهما "
" لعلك الرابح في كلّ الأحوال، طالما أنك تتهرّب من الضرائب كما يفعل العديد من الأجانب؟ "
" سوفَ تستهلك طاقتك في محاولة استفزازي. وأؤكد لك، أنها محاولة محكومة بالفشل "، ردّ مبتسماً. تظاهرَ " دلير " بالدهشة والحيرة، وقال متكلّفاً التعبير عن ذلك: " ياه، كم في طبيعتك من الشكوك والوساوس! ". إلا أنه لم يعُد في وسعه كبتَ ضحكته، فأرسلها على سجيّتها. وكذلك فعلت السماء، وعلى طريقتها. فخلال الطريق، كان الطقس قد آل إلى التغير. اختفت الشمسُ خلف السحب البيضاء، مثل عروسٍ تُعيد إخفاء وجهها بالطرحة الناصعة. وها هوَ رذاذٌ ناعم يلسع زجاجَ السيارة الأماميّ، مدعوماً بدويّ الرعد، ثم ما أسرعَ أن انقلبَ إلى هطول مدرار. استمر ذلك لعدة دقائق، وما عتمت العروس أن أشرقت ثانيةً من خلف الغلالات الرهيفة الناصعة، لتبدأ بالإطلال على الطريق المغسولة بالماء وجانبيها الملوثين بالوحل.
عند ذلك، سأل " دلير " مضيفه وقد اكتست سحنته بشيء من الكآبة: " ألم تشتاق لشمس مراكش، لسمائها الزرقاء الصافية؟ ". هز الآخرُ رأسه بحركة غامضة، ثم أشارَ بيده المُطلقة عبرَ نافذة السيارة المفتوحة تواً: " الطقس، ليسَ كل شيء في هذه الحياة. وإلا لما قذف المهاجرون، الهاربون من بلاد الشمس، بأرواحهم في عمق اليمّ لأجل الوصول إلى البرّ الغربيّ. فما أن يستقرّ أحدنا هنا، حتى يبدأ التباكي حنيناً إلى الجانب الشرقيّ؛ إلى الشمس والأشجار المثمرة وعرائش الياسمين والمجنونة "
" وأنتَ، يا بن العم، ألا تشعر حتى بالحنين إلى بلدك؟ "
" بلدي كان والدتي، فلما رحلت عن العالم لم يبقَ لي مكان أحنّ إليه "، قالها متجهماً وكأنما عدوى الكآبة انتقلت إليه. ثم امتدت يده إلى أسفل، لتُخرجَ اسطوانة ( سي دي ) وتضعها من ثم في جهاز الستيريو. وأعقب بالقول، فيما لحنُ نايٍ شجيّ ينبعث رويداً: " إنها أغنيتي المفضلة؛ يادي، لعيشة شان. وعلى فكرة، هذه المطربة هيَ أصلاً من موطن أمي الأصليّ في بوطان ". استمعا للأغنية، وكانت موالاً حزيناً يرثي الأم بكلمات مؤثرة. أرادَ " دلير " طرحَ سؤالٍ، خطرَ فجأةً لذهنه. ولكن في الأثناء، كانت المرسيدس تجتاز جسراً جميلاً مشرفاً من ناحيته الشرقية على بحيرة صغيرة. فما كان منه إلا الاستفهام من صاحبه، وهوَ يومئ برأسه إلى الخارج: " كأننا في الضاحية، أينَ تسكن أنتَ؟ فالمطعم إذاً هنا؟ "
" نعم، وماذا ظننتَ أنتَ؟ "
" اعتقدتُ أنه في مكان آخر "
" بل إنه يُشكّل الطابق الأرضيّ من مسكني، إلا أنك لم تلحظ ذلك في الأمس بسبب انشغال فكرك بالمذكرات اللعينة! "، نطق جملته بنوع من الحدّة وإن غلّفها ببسمة مرحة. وكاد " دلير " أن يخبره، بأنّ فكرة جديدة طرأت قبل دقيقة لذهنه وعلى خلفية المذكرات أيضاً.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية