الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرثاء في الشعر العربي , التمثلات والبواعث

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2018 / 10 / 22
الادب والفن


الرثاء لغةً من رثى له أي رقَّ له ، وأشفق عليه كما في معجمي العين للفراهيدي والصحاح للجوهري ، ويضيف ابن منظور في معجمه لسان العرب : رثيت الميت رثياً ، ورثاءً ، ومرثاةً ، ومرثيةً : مدحته ، وبكيته , وقد سمع عن العرب قولهم : رثأت الميت ( بالهمز ) ، يريدون المعنى نفسه ، بيد أنَّ الفراء عدَّه من الوهم بحسب ما نقله الأزهري في تهذيب اللغة والزبيدي في تاج العروس وابن منظور في اللسان أيضا ، معللاً ــ أي الفراء ــ ذلك بقوله : " ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز ".
والرثاء عند النقاد القدامى من باب المديح ، فهو مدح الميت بألفاظ تدل على أنها لهالك ، مثل : كان ، وتولى ، وقضى نحبه ؛ اتفق على ذلك كل من قدامة في نقد الشعر وأبو هلال العسكري في الصناعتين وابن رشيق القيرواني في العمدة .
أما الرثاء في الاصطلاح ، فإنَّه : " غرض من أغراض الشعر الغنائي ، يعبر الشاعر فيه عن مشاعر الحزن ، واللوعة التي تنتابه لغياب عزيز فجع بفقده ، أو لكارثة تنزل بأمة ، أو شعب ، أو دولة " بحسب ما جاء في المعجم المفصل في اللغة والأدب لأميل بديع يعقوب .
والباعث على الرثاء الحاجة النفسية المتمثلة في شعور الإنسان بالغربة ، والوحدة ، حينما يفصم الموت أو الفراق عرى ألفته مع الآخرين ، أو الأشياء ، أو المخلوقات التي اعتاد عليها وألفها ، لذا فإنَّ الرثاء لم يقتصر على البشر ، وإنما تعداه إلى رثاء الحيوانات كما نجد ذلك عند الحطيئة في ديوانه وفي عدد من المقطعات الشعرية التي ذكرها الشمشاطي مؤلف كتاب الأنوار ومحاسن الأشعار ، وقد يرثي الشعراء المدن والدول والقرى ؛ فقد رثيت البصرة وبلاد الأندلس وبلاد أخرى ، وربما تعدى الرثاء إلى الأشياء التي يزاولها الإنسان وقد كتب عبد الله عبد الرحيم السوداني دراسة شيقة بعنوان رثاء غير الإنسان في الشعر العباسي .
لذلك وبناء على ما تقدم لم يكن الحزن في الرثاء على درجة واحدة ، " فعلى شدَّة الجزع يبنى الرثاء " كما يقول ابن رشيق مؤلف كتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، ولهذا وضعوا ألفاظاً ، يدل كل واحد منها على نوع من الرثاء ، ومنها : الندب ، والتأبين ، والعزاء ، فالندب بحسب معجم الصحاح للجوهري وشوقي ضيف في كتيبه فن الرثاء عادة ما يطلق على رثاء الأهل والأقارب والأحبة ، ومنه ندب النبي وأهل بيته .
ويأتي بعد ذلك التأبين ، ويذكر شوقي ضيف في كتابه السالف أنه أشبه بالمجاملات الاجتماعية ، ومنه تأبين الملوك والزعماء والأشراف .
أما العزاء فهو موقف تأمل خاص بالشخص الراثي في مسائل الموت والمصير يعزز ذلك ما جاء في كتاب أدب العرب في عصر الجاهلية لمؤلفه حسين الحاج حسن ، لذلك يمكن أن يعدَّ العزاء تطوراً نوعياً للرثاء بعد أن مرَّ بمراحل تطوريَّة ، تمثَّلت بداياتها بتلك التعويذات السحرية والنوائح التي كانت تقام للميت في مراسيم طقوسية صاخبة كما يذكر حنا فاخوري في كتابه الضخم الجامع في تاريخ الأدب العربي ، ثمَّ أصبح الرثاء يلبي حاجات نفسية ، بوصفه تخليداً للميت كما لا حظ ذلك حسني عبد الجليل يوسف مؤلف كتاب الأدب الجاهلي ؛ قضايا ، وفنون ، ونصوص ، ويرى يوسف اليوسف في كتابه الممتع مقالات في الشعر الجاهلي أن الرثاء يلبي أيضاً حاجات اقتصادية من خلال الغزوات الثأرية .
ومهما يكن من أمر ، فإنَّ الرثاء يعد من أصدق أغراض الشعر في التعبير عن مشاعر الإنسان ، وأبعدها عن النفاق والرياء ، ولاسيما إذا كان الميت قريباً أو عزيزاً ، وقد لاحظ الجاحظ ذلك بفطنته المعهودة حين ذكر في كتابه البيان والتبيين أنَّه " قيل لأعرابي : ما بال المراثي أجود أشعاركم ؟ قال : لأنّا نقول وأكبادنا تحترق " ، لذلك فإنَّ من روائع الشعر العربي تلك المراثي التي ذكرها الاصمعي في كتابه الرائع الأصمعيات وذكرها القرشي مؤلف جمهرة أشعار العرب والتي قيلت في رثاء الإخوان كمرثية دريد بن الصمَّة التي مطلعها :
أرثَّ جديد الحبــل من أم معبــــدِ بعاقبة أو أخلفـــت كل موعــــدِ
ومرثية أوس بن حجر التي وردت في ديوانه ، وأولها :
أيتها النفس أجملــي جزعـــــاً فإنَّ ما تحذرين قـــد وقعــــا
وقد قال فيها ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء : " لم يبتدئ أحد مرثية بأحسن منها ".
ومنها أيضا مرثية الخنساء التي وردت في ديوانها في رثاء أخيها صخر :
قذىً بعينيــك أم بالعيـــــن عوّارُ أم ذرّفت إن خلـت من أهلهــا الدارُ
ومرثية متمم بن نويرة في أخيه مالك التي ذكرها المفضل الضبي كاملة في مفضلياته , ويقول في أولها :
لعمري وما دهــري بتأبيـن مالــك ولا جزع مما أصاب فأوجعــــــا
وقد عدَّ الأصمعي ــ في كتابه فحولة الشعراء ــ كعب بن سعيد الغنوي فحلاً لمرثيته البائية في أخيه أبي المغوار :
فقلت : ادعُ أخرى وارفع الصوت جهرةً لعلَّ أبا المغــوار منك قريــــبُ
وقد أثنى ابن سلام كثيرا في كتابه طبقات فحول الشعراء على هذه المرثية , ويلاحظ إنَّ صدق العاطفة في هذه المراثي يمكن أن يكون تعبيراً عن الحالة النفسية التي تعتري الإنسان العربي حينما يصاب بفقد من يشد به أزره ، ويقوي ساعده في مواجهة حياة الصحراء التي لا ترحم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا