الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تفاعلات جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي

فتحي علي رشيد

2018 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


1: من الواضح أن تداعيات مقتل ,أو جريمة إسكات جمال الخاشقجي على بشاعتها قد زادت عن حدها كثيرا . فمهما كانت بشاعتها فظيعة فهي لايمكن أن تكون أكبر من جرائم كثيرة أبشع منها وقعت ,وماتزال تقع في ذا ت الوقت ـ سواء في تركيا أوأمريكا أوايران أو سوريا ,خاصة في مخيم الركبان حيث تجري منذ مدة طويلة (كما جرى من قبل في مخيم اليرموك وداريا والغوطة ..إلخ ) عمليات ممنهجة يتم فيها حصار وتجويع مالايقل عن خمسين ألف إنسان نصفهم من الأطفال والنساء حيث يتم منع مياه الشرب والأدوية والأغذية. وهي جريمة أبشع بألف مرة من جريمة مقتل صحفي . وحيث كما ذكرنا سابقا بعمليات قتل أكثر من ستمائة صحفي في سوريا ,وحيث ماتزال الحكومة التركية تعتقل مئات الكتاب والصحفيين الذين قد يوجد بينهم ماهو أهم من السيد جمال . وهذا يجعلنا نشير إلى أنه من الناحية الإنسانية ودرجة البشاعة لافرق بين مقتل صحفي وبين القتل البطيئ لطفل أو أمرأة حامل نتيجة لمنع الماء والغذاء لفترة طويلة ,أوحتى كلب أو قطة . ما يجعل من الموت السريع أرحم من المعاناة لفترة طويلة .وهذا ما يجعلنا نؤكد بداية على أن وراء الضجة الإعلامية التي أثيرت كانت منذ البداية وحتى الآن وربما لأيام قادمة ,تتسم بكثير من الإختلاق والتضخيم والتبشيع والتهويل ,و من خلال توظيف تسريبات وتقاريرصحفية وإعلامية ملفقة ,ترمي إلى تحقيق غايات وأهداف سياسية كبيرة وبعيدة كل البعد عن الموقف الإنساني المزعوم ,وعن الموضوعية والشفافية وإدانة الجريمة وعن بشاعتها.إزاء السيد جمال . وبغض النظر عن موقفه السياسي والفكري الذي يجب أن يحترم .وهو ما يشجعنا على التأكيد على ضرورة فصل ماقيل من كلام عن الجريمة من الناحية الإنسانية عن التوظيفات الأخرى لها خاصة في المجال السياسي .
2:كما علينا أن نميز أثناء تناولنا للمسألة من الناحيتين السياسية والإعلامية من قبل بعض الدول مثل إيران أو قطر أوالولايات المتحدة أوتركيا , أو من قبيل كثير من وسائل الإعلام العربية مثل قناة الجزيرة والمنار والميادين أو من قبل بعض الأحزاب والشخصيات المغرضة ,والمعروفة بمعاداتها التاريخية للسعودية ولخاشقجي بالذات ,لأسباب طائفية ,والمعروفة بأنها مغرقة في الظلامية والقتل والإجرام أكثر.وبين الجانب الأمني الذي غالبا مايخفي حقائق كثيرة ومهمة.
وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن تلك القوى التي لم تكن لتعطي لحياة الإنسان وللسيد جمال أية قيمة أوأية أهمية أو اعتباركونه من الأخوان المسلمين ,أولكونه مواطنا وصحفيا سعوديا عندما كان معروفا بدفاعه عن المملكة طوال حياته . إذ راحت تدافع عنه بعد أن اختلف مع توجهات المملكة وبعد أن غيرت المملكة موقفها من الأخوان المسلمين .لايمكن إلا أن تكون مغرضة ,بحيث تجعلنا لا نثق بأي كلمة تقولها عن الإنسان في أي مكان وزمان كان .
ونذكر تلك القوى المحروقة ـ كذبا ـ على مقتل الخاشقجي بأنها فعلت ماهوأبشع مع كبار المفكرين والفلاسفة العرب والثوريين عندما اغتالت عام 1987 كلا من المفكر والفيلسوف "مهدي عامل " والشيخ الوقورالباحث والمفكر والإنسان حسين مروة (ذو الثلاثة وثمانين عاما مع حفيده في منزله وتركهم يغرقون في دمائهم ,بدم بارد ) .وهذا مايذكرنا أيضا بمقتل المناصل الفلسطيني عمر النايف بطريقة بشعة في سفارة منظمة التحرير في صوفيا وبعمليات تسميم عرفات والجاسوس سكريبال في بريطانيا, حيث تم لملمة تلك القضايا والتستر على المجرمين والقتلة .ولماذا لم تحمل المسؤولية لبوتين أوللأسد أو لنتنياهو أولحسن نصر الله عن جرائم أبشع ارتكبت بحق الشعب السوري كونهم يقعون في قمة هرم السلطة ؟بينما هذه القوى تسعى الآن إلى الاصرار على تحميل جريمة مقتل الخاشقجي للملك وولي العهد ؟ هل سيرتاح حكام قطر وإيران وحزب الله وسوريا وتوابعهم إذا ما اعترف ولي العهد أوالملك بمسؤوليته عن الجريمة ؟ أم أن المطلوب معاقبتهم أم إزاحتهم عن السلطة ؟ وإذا أزيحوا هل ستتوقف الحملات على المملكة , أم سوف تستمر بما يؤدي إلى دمار وتدمير المملكة وشعبها كما جرى في سوريا والعراق واليمن وليبيا ؟ لماذا لم يتم التهويل والتحقيق والبحث عن المسؤولين عن جرائم أبشع مصنفة دوليا بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية , مثل جرائم استخدام الكيمائي في سورية ضد الأطفال والمدنيين العزل ـخاصة ـ بعد أن ثبت بالتحليل الكيمائي بأن المواد التي تم تسليمه من قبل النظام للوكالة الدولية هي ذاتها التي استخدمت في الأماكن الأخرى .بما يؤكد بشكل قاطع على أن النظام هومن استخدمها ؟ولماذا تم التستر على عمليات طمس جريمة استخدام الكيماوي في دوما من قبل الروس والنظام والأمم المتحدة ؟
مايجعلنا نرى كما أكد كثير من الباحثين عن أن كل تلك القوى تقوم بتوظيف المسألة لتحقيق أجندات قذرة ,أقذر من عملية قتل الخاشقجي .أو للتغطية على جرائم ماتزال مستمرة في سوريا والعراق واليمن ـ وسوف تستمر ضد المملكة حتى لوكشفت كل حيثيات الجريمة وتمت معاقبة كل من له ضلع فيها . فالتهويل كما استغل وبولغ فيه ,سوف يستمر ويستغل للقيام أو للتغطية على جرائم أبشع .
وعلينا أن نذكر ونؤكد على أن الموقف من الإنسان واحد لايتجزأ , والموقف الأخلاقي والإنساني الحقيقي يفترض الوقوف ضد مقتل أي إنسان اليوم أو غدا ,حتى ضد مقتل الحيوان (ظلما وعدوانا ) كما ضد محاصرته أو تجويعه أومنع الماء والدواء عنه .كما ضدأي توظيف سياسي لأيةجريمة أو لتحقيق مصالح ذاتية إيديولوجية أواقتصادية أو مالية .
3: وهذا مايستوجب منا أن نتناول المسألة أيضا بعيدا عن موقفنا السياسي وآرائنا المسبقة عن المملكة ونظام الحكم فيها بحيث لايجوز أن نخلط بين الموقف المعادي للملكة والهادف إلى تغيير نظام الحكم فيها أوالهادف إلى تحسين أداؤه أوتعديله .فلكل توجه أوهدف سياسي أدواته ووسائله الخاصة ولايجوز الخلط بين الإثنين . فإذا أردنا أن نسقط النظام يستوجب منا أن نركزعلى أو أن نستخدم وسائل مختلفة غير وسيلة استغلال مقتل صحفي ,أو فقط إدانة جريمة بشعة أو استغلالها للنيل من سمعة وهيبة المملكة .وإذا كنا قد وقفنا ضد النظام السوري فلم يكن ذلك بسبب سحب أظافر أطفال أو بسبب مقتل مئات المتظاهرين السلميين فقط , بل بسبب كون ذلك العمل كان جزءا واستمرارا لنهج ثابت ودائم من قبل نظام استبدادي مغرق في الإجرام منذ سنوات طويلة ولأنه مازال مصرا على الاستمرار بذات النهج المدمر . ومن هذه الزاوية فإن أي استغلال لمقتل الخاشقجي من أجل إثارة الناس على الحكم الملكي العائلي في المملكة ,إن لم يكن بهدف إصلاحه أو تطويره يعتبر جريمة أبشع .كون النتائج التي يمكن أن تترتب على عملية التحريض على تغييره من خلال تأليب السعوديين عليه مستغلين جريمة القتل, قد تؤدي إلى وقوع جرائم أبشع وأخطر في المملكة في ظل ظروف دولية وإقليمة ليست في صالحنا كأمة عربية .
4:من خلال متابعة الأحداث والوقائع يتبين لنا أن ثمة قوى وأحزاب وأفراد وحكومات دول عديدة كانت تتحامل على المملكة وتشن عمليات تحريض عليها منذ عدة سنوات قبل الجريمة ,وتفاقمت أكثر مؤخرا, والجريمة جاءت في سياق هذه الحملة واستغلت إعلاميا إلى أقصى الدرجات من أجل تحقيق مكاسب سياسية أواقتصادية أو مالية أوأيديولوجية ونجحت في ذلك بشكل جزئي مما يفتح الباب لامكانية الاستمرار في استخدامها لاحقا لتحقيق مكاسب أخرى .
فترامب استغل المسألة ليرغم المملكة على عدم الابتعاد عن أمريكا لمنعها شراء السلاح من روسيا أو الصين وأرغمها على طلب الحماية السياسية والأمنية منها , بل سوف يستمرـ ربما ليرغمها على الخنوع المطلق لمطالب قد تكون مجحفة مستقبلا على الأقل .عدم ابرام صفات شراء أسلحة بقيمة 110 مليون دولار .كما أن تركيا أفرجت عن القس الأمريكي المتهم بالتجسس مما جعل ترامب يخفف العقوبات الاقتصادية عليها ويتعاون معها في مسألة منبج وحتى عفرين وإدلب . كذلك استغل الإيرانيين والحوثيين والقطريين الجريمة للضغط على المملكة بما يرغمها على التراخي أو التراجع عن مواقف معينة بما يحقق لهم مكاسب سياسية وعسكرية قد تكون نتائجها وخيمة على الوضع العربي أكثر من الوضع على السعودية , وبما يصب في مصلحة إسرائيل أكثر .كما استطاع النظام السوري في ظل غمامة القتل ورمال مخيم الركبان أن يمرر صفقة مع داعش لإخراج المختطفات الدرزيات ويبيض صورته ولكي يغطي على تمسكه بالدستور القديم . دون أن ننسى أن حزب الله استفاد من بشاعة العملية ومن تضخيمها ليغطي على جرائمه الأبشع بحق السوريين واليمنيين واللبنانيين .كما استفاد الروس والصينيين باسلوب تعاطيهم مع الجريمة في تمتين علاقتهم من المملكة سعيا لتمرير صفقات عسكرية ومالية .
5: بما أنه قد سبقت عملية قتل جمال عمليات استقطاب وتنافر حاد بين كل من السعودية وأمريكا من جهة وبين السعودية وتركيا وبين تركيا وأمريكا وبما أن المملكة ـ كما هو معروف كانت ـ متعاونة سياسيا وعسكريا وأمنيا مع أمريكا وبخاصة مع CIA بشكل كبير جدا ؟.فإن هذا يفتح الباب للتفكير بإمكانية واحتمال اختراقها أمنيا أوإيقاعها في فخ سياسي ,بكل سهولة ويسر.من قبل ذلك الجهاز لقوى سعودية كثيرة متعاونة سابقاوماتزال ـ مع السي آي إيه , أو من خلال قوى أمريكية معارضة لمواقف الرئيس ترامب . وهذا ماتؤكد عليه عملية اغتيال الملك فيصل داخل قصره عام 1976من قبل ابن أخيه ,لأنه قطع النفط عن أمريكا والغرب , وأقسم على الصلاة في القدس . وبما أن السياسة الجديدة للمملكة قد ألبت قوى تقليدية ومتخلفة ورجعية داخل المملكة ,ما جعل ويجعل من إمكانية اختراق الأجهزة الأمنية السعودية واردة جدا .ومن إمكانية تضليل وخداع السيد جمال واردة أيضا مما يدعونا للتساؤل ما الذي دفعه ليغادر واشنطن إلى اسطنبول ؟مع أنه يعرف أنه كان مستهدف ؟ وكيف تم استدراجه إلى اسطنبول وإلى داخل القنصلية ؟ في وقت كان يعرف فيه نتائج تأزم الخلافات بينه وبين الملك وولي العهد . كل هذا يدفعنا إلى تغليب فكرة أن أجهزة أمنية من داخل السعودية وتركيا وأمريكا تعاونت لاستدراجه ,لإرتكاب الجريمة .بهدف زيادة شقة الخلافات بين تلك الدول .وبما يجعل أطراف عديدة تتنافروتتباعد فتخلط الأوراق ,وتحقق من خلالها أطراف أمنية وعسكرية ومالية مكاسب مالية ماكان من الممكن تحقيقها لو لم تحصل تلك الجريمة البشعة.
6:لابد من الإشارة إلى إن طريقة بث المعلومات وتضاربها أفقد الرواية السعودية المصداقية .كما أن حدوث عملية القتل بتلك الطريقة البشعة , فإن هذا يعكس خللاأخلاقيا في البنية الفكرية والنفسية لكثيرمن المواطنين السعوديين .كما في ذات الوقت بعدا عن الدين الإسلامي الحنيف الذي تستند السعودية في حكم شعبها واستقطاب كثير من المسلمين حولها بسببه .
وبما أن تلك الجريمة بسبب كل ماذكر فتحت وستفتح أبوابا وشبابيك كثيرة فإن هذا يجعلنا نتوقع هبوب رياح عاتية على المملكة قد يدخلها في نفق مظلم ,وقد ينذر بخرابها بسبب بنيتها القديمة وطريقة تعامل كثير من السعوديين مع الأمور من منطلقات عفى عليها الزمن , في عالم بات معولما ومكشوفا أكثر مما يتصور حكام المملكة . وبما أن ذلك يعكس ضعفا في السيطرة والالتزام بتفيذ الأوامر وخللاأخلاقيا و أمنيا خطيرا فإنه يجعلنا نعتقد أن ذلك كله قد يرغم المملكة على التراجع عن عملية التحديث أو يجعلها تمر بصراع داخلي في ظل هجمة خارجية واسعة .مما يفترض من الشرفاء داخل المملكة يسرعون بعملية مراجعة شاملة وعميقة بما يؤدي إلى إصلاح وتغيير كثير من سياساتها الداخلية والخارجية .
7: وأخيرا لابد من التأكيد على أن الأيام وربما السنوات القادمة قد تكشف عن أمور جديدة كما جرى في قضية مقتل الحريري أوتفجير الطائرة لوكربي , أوتسميم عرفات أومقتل النايف أو..إلخ . وقد لايتم الكشف عنها كما في اغتيال جون كنيدي واختفاء موسى الصدر.مما يشجعنا على التأكيد دائما : لنوسع من عقولنا ودائرة رؤيتنا للأمور ولنخرج من تأثير الأفكار المسبقة والدعاية المغرضة .لنتجنب استغلال عقولنا وأنفسنا من قبل الغير. وكي لا يتم اللعب والتلاعب بنا .
فتحي علي رشيد
25 / 10/ 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع