الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة تأصيل علم اللسانيات من خلال دي سوسير وتشومسكي

اسليماني رضوان

2018 / 10 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


محاولة تأصيل علم اللسانيات
من خــــــــــــلال دي سوسيــــــــــر وتشومســـــــــــكي

لابد من الإشارة إلى أن تيار فيرديناند دي سوسير يختلف كل الاختلاف مع تيار نعوم تشومسكي على مستوى تناولهما لدراسة اللغة، فقد كانت نظرية تشومسكي نتاج ناتج نظرية دي سوسير. لكن قبل أن نتناول نظرية كل منهما على حدة بالتمحيص، وجب العودة إلى الوراء قليلا قصد تأصيل علم اللغة والبحث في أغواره. والبداية تكون من التعاريف التي أعطيت لعلم اللغة أو على الأقل محاولات التعريف التي سعت للإحاطة بهذا الأخير. يقينا منا على أن تجاوز تعاريف اللغة من خلال القدماء أو المحدثين أمر متجاوز من لدن الكل. لكن سنحاول أن نورد تعريفا بسيطا يعفينا من سياط النقد بخصوص عدم (تجاوز) تعريفها.
فاللغة حسب الإمام ابن جني "عرف اللغة بأنها مجموعة من الأصوات التي يُعبر بها كل قوم أو مجتمع عن أغراضهم واحتياجاتهم" فبهذا الصدد وحسب مفهوم ابن جني فاللغة؛ مجموع الكلمات والمفردات التي بفضلها يستطيع الإنسان أن يعبر عن أغراضه وحاجاته، بمبرر أنها وسيلة تعبيرية تستعمل لهذا الغرض بالإضافة إلى مجموعة من الأغراض الأخرى.
أما فيما يخص تعريف المحدثين للغة فدي سوسير يراهن على أنها " نتاجٌ اجتماعيٌّ لملَكة اللسان ومجموعة من التقاليد الضرورية التي تبنَّاها مجتمعٌ ما؛ ليساعد أفراده على ممارسة هذه الملَكة"، فبهذا الخصوص يختلف تعريف القدماء عن المحدثين في طبيعة تحديد ماهية اللغة من خلال مجموعة من السمات التي يخص القدماء اللغة بها عن المحدثين.
يأتي الآن دور الحديث عما جاء به كل من فيردنارد دي سوسير و نعوم تشومسكي من أفكار أغنت الساحة العلمية، من خلال نموذجيهما ونظريتهما بخصوص علم اللغة.
ماذا ومن دي سوسيــــــــــــــر ؟
ولد فيرديناند دي سوسير في جنيف (سويسرا) يوم 26 نفمبر1857، التحق بجامعتها عام 1875، ليتخصص في دراسة الفزياء واختلف بين الحين والآخر إلى حلقات البحث في النحو الإغريقي واللاتيني، وقد شجعته هذه البحوث على قطع دراسته ومغادرته إلى جامعة ليبرغ ليتخصص في اللغات الهندوأوروبية.
بعد إحدى عشر سنة (عام 1887)، أصدر أول كتاب له في اللغات وهو كتاب (النظام الصوتي في اللغات الهندوأوروبية القديمة). وبعد أربع سنوات أصبح عضوا في الجمعية الألسنية الفرنسية، وعند عودته إلى جنيف شغل كرسي أستاذ اللغات لسنوات طويلة، قدم فيها سلسلة من المحاضرات نشرت بعد وفاته، وقد تُرجم إلى العربية بعنوان (محاضرات في الألسنية)( ).
بدأ دي سوسير كتابه المذكور بتعريف اللغة ذاتها مميزا بين ثلاث مستويات من النشاط اللغوي (اللغة، واللسان، والكلام)، فاللغة عنده "نظام من الرموز المختلفة التي تشير إلى أفكار مختلفة، وهي مجموعة المصطلحات التي تتخذها هيئة المجتمع بأكمله؛ لإتاحة الفرصة أمام الأفراد لممارسة ملكاتهم"( ). أما اللسان فيعني عنده نظام اللغة التيمن خلاله تُنتَجُ عملية المحادثة( ). أما الكلام فيعرف بأنه "التحقق الفردي لهذا النسق في الحالات الفعلية من اللغة"( ).
يعد دي سوسير أيضا عالم لغويات، والمؤسس للمدرسة البنيوية في اللسانيات فهو من أشهر علماء اللغة في العصر الحديث، حيث اتجه تفكيره نحو دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية، حيث كانت اللغات تدرس دراسة تاريخية.
ماذا ومن تشومســــــــــــــــكي ؟
تشومسكي أستاذ اللسانيات في معهد ماساتشوستس التقنية في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وليس بالإمكان الحديث هنا عن آثاره، فهي من الكثرة بمكان، ويحسن بالقارئ الاضطلاع على كتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب
E. F. Konrad Koerner and Matsuji Tajima. Noam Chomsky: A Personal Bibliography, 1951-1986. Amestrdam, Pheladelphia John BenjaminsPublishing Co. 1986.
الذي يحتوي ما كتبه تشومسكي منذ 1951ـ 1986م في اللسانيات وغيرها، ومن الجوانب التي لابد من ذكرها هنا فيما يخص تشومسكي مواقفه وكتاباته السياسية؛ إذ اشتهر بتلك الكتابات والمواقف منذ أوائل الستينات. وله كتب مشهورة في هذا الموضوع( ).
تعريف اللسانيات: (Linguistique / Linguistics) يعرفها حافيظ إسماعيلي علوي بأنها علم انبثق عن الحوض المعرفي الغربي، وفيه تهيأت لـه كل شروط الإمكان والتحقق ليغدو معرفة طيعة وآلة ذلولا آتت إخصابها في مجالات معرفية شتى . وقد كان من نتائج ذلك أن اللسانيات عرفت طريقها إلى ثقافات إنسانية متباينة، فكان للثقافة العربية حظها من هذا العلم الوافد.
غير أن المتتبع لخريطة البحث اللساني في المجال التداولي العربي، يجد أن اللسانيات العربية مازالت لم تبلغ مستوى نظيرتها في الغرب؛ وذلك على الرغم من مرور ردح من الزمن على تعرف ثقافتنا على اللسانيات، و على الرغم أيضا من وجود أبحاث لسانية عربية لا تقل شأوا ومنزلة عن مستوى نظيرتها في الغرب.( )
بالتالي فاللسانيات هي العلم الذي يعنى بدراسة اللغة دراسة علمية من خلال مجموعة من النقاط وبوجود مجموعة من المعايير التي تحكم اللغة وتحكم هذه الدراسة، والتي لا تستقيم الدراسة إلا من خلالها. كما تختلف طبيعة الدراسة من موضوع إلى آخر بمبرر أن اللسانيات تعمل على الإحاطة بكل الجوانب التي تساهم من قريب أو بعيد في سمو مكانة اللغة والدراسة اللغوية، فتتعدد المواضيع بتعدد الدراسات اللغوية، لهذا نجد أن اللسانيات على مجموعة كبيرة من الفروع ( اللسانيات العامة، اللسانيات الخاصة، اللسانيات الداخلية، اللسانيات الخارجية، اللسانيات الاجتماعية، اللسانيات البنيوية، اللسانيات التوليدية، لسانيات الجملة، لسانيات النص، لسانيات الخطاب، اللسانيات التطبيقية، اللسانيات الحاسوبية، ... الخ ).
المنهج البنيوي والمنهج التوليدي:
المنهج البنيوي بزعامة دي سوسير: اعتمدت النظرية البنيوية على مجموع السمات والمقومات التالية غاية سبر أغوار اللغة من الناحية البنيوية (البنية)، بحيث أنها اعتمدت منهجا وصفيا يرتكز على الاستقراء Inductive يعنى بالبناء السطحي للكلام، كانت النزعة التجريبية Empirisme، اعتبرت اللغة في كنف هذا الأخير عملية آلية، كان الغرض منه وصف الوحدات اللسانية وتصنيفها (مورفيمات ـ فونيمات)، عمل على إهمال ولإقصاء الدور الإيجابي للمتكلم، وقد اهتم بمظهر اللغة السلوكي محاولا الإجابة عن سؤال ما هي اللغة؟( )
المنهج التوليدي التحويلي بزعامة تشومسكي: انتقلت اللسانيات من البنيوية إلى التوليدية بفعل مجموعة من التراكمات الكمية والكيفية التي أدت بها إلى الاعتماد على مقومات مخالفة لمقومات الأولى، بحيث أنها اعتمدت منهجا نظريا تفسيريا يركز على الاستنتاج الاستنباطي Déductive يعنى بالعمليات الداخلية التي تسبق الكلام، تميزت بنزعتها الذهنيةMentalisme أو العقلية Rationalisme، تعتبر اللغة في كنف هذا المنهج عملية إبداعية حيوية، عمل هذا المنهج على تفسير الآلية الكامنة في الذهن البشري، والقادرة على تكوين وتوليد عدد غير محدود من المتواليات (الجمل)، ومجال اهتمامه ينصب على الخلق اللغوي اللامتناهي للمتكلم، ويبحث عما هو كشترك في كل اللغات (الكلية اللغوية) من خلال تفسير العمليات الداخلية من خلال الاهتمام بمظهر اللغة الحركي داخل ذهن المتكلم محاولا الإجابة عن سؤال كيف يتم إنتاج اللغة وإبراز المعنى؟
لقد حظيت النظرية التوليدية التحويلية في اللسانيات العامة والمعرفة الآنية بمكانة ورتبة هامة أهلتها لتحتل الصدارة في الدرس اللغوي، نظرا لما قدمته من نتائج تنظيرية وتطبيقية حول طبيعة اللغة الإنسانية، كما لا تقتصر فاعليتها على الدرس اللساني وحسب، بل هي نظرية تفيد منها العديد من المجالات الإنسانية كالفلسفة وعلم النفس والمنطق.
إذا تأملنا المسار اللساني وتعقبناه منذ بدايته التأسيسية إلى التبلور القاعدي ندرك دون شك أنه كان موسوما ومسيطرا عليه قبل البنيوية، ذلك أنها الاتجاه الذي كان سائدا قبل. فقد تشكلت أفكاره ونمت في ظل عقليات وسمت بالانفتاحية والأكثر دراية. لكن كان من المفترض لهذا الامتداد الفكري من اتجاه آخر يكون بمثابة النزعة المجابهة أو التكميلية، وما يقصد به هو النظرية التوليدية التحويلية.( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللغات القديمة
بارباروسا آكيم ( 2018 / 10 / 27 - 21:53 )
يمكن تحقيق هذا من خلال إعادة الحياة للغات القديمة
وقد تم قبل عدة سنوات تجميع مجموعة من اللغات القديمة من عوائل مختلفة
أي قراءة نصوص مكتوبة بأقرب ما يكون لطريقة النطق الأصلي

و يمكننا هذا من معرفة عقدة اللسان و الركنة و الإدغام و التسكين و طريقة إخراج الحروف من الحنجرة

فاللغة السومرية تبدو وكأنها تنساب من الشفاه بدون مجهود بإستثناء الرفع في الصوت و خفضه
و اللغة الحثية تبدو لغة متعبة ، فالألفاض تبدو كأنها تخرج من الداخل يعني و كأن الشخص يريد أن يتقيأ
أما المصرية القديمة فيبدو الصوت كفحيح الأفاعي
و هكذا دواليك

https://youtu.be/cpgx6GTAMDU

تحياتي

اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة