الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمرد والمغامرة

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2018 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تذهب بنا مفردة التمرد للوهلة الأولى إلى الخروج على القانون والأعراف، بما يقرن التمرد بالاجرام والانحلال الأخلاقي. لكن الأمر ليس دوماً هكذا. فالتمرد أيضا هو آلية المجتمعات للتغيير والتطور المستمر. يتمرد أفراد وأجيال على السائد ببيئاتهم ومجتمعاتهم، ليشكلوا واقعاً جديداً مختلفاً. وتختلف سهولة وتدفق عمليات التمرد هذه من مجتمع لآخر. لكنها عموماً تتم بقدر أو بآخر من المعاناة ومقاومة القديم للجديد.
معضلة التمرد الذي يجوز وصفه بالبناء في الشرق، أن شبابه رغم أنه يتمرد إجتماعياً كسائر شباب العالم، إلا أن تمرده عملي سلوكي،
وليس تمرداً فكرياً أصيلاً. يتمرد سلوكياً، ويظل فكرياً أسير فكر آبائه وأجداده، معتبراً نفسه خاطئاً مؤقتاً، لحين أن يمن عليه الإله بالتوبة، وهذا ما يحدث في أغلب الأحوال تدريجياً مع تقدمه في العمر.
لا يؤسس الشباب المعقود عليهم الأمل في التطور والتغيير هكذا لفكر جديد مختلف، يناسب العصر وطبيعة الإنسان التي تقمعها الأفكار التقليدية الخانقة.
لننظر مثلاً لظاهرة توبة الفنانات المعتزلات. فهي لا ترجع فقط للرشاوي التي تقدمها لهم جماعة الإخوان المسلمين. فمع إغراء المال هناك الاستعداد النفسي والفكري لدى هؤلاء
اللاتي احتفظن بأفكار الجدات، أن التمثيل فسق والسفور انحلال.
هكذا يتغير ويتطور العالم، ونبقى نحن أسرى تابوهاتنا. ليس لأننا لا نتمرد، ولكن لأن متمردينا يعتبرون تمردهم خطيئة مؤقتة سيتوبون عنها يوما ما.
المغامرة أيضاً لها وجهيها الإيجابي والسلبي. فهناك المغامرون بحثاً عن المتعة البريئة، كما إقداماً على ارتكاب المخاطر في كشوف عظيمة. كما فعل ماجلان وفاسكو دي جاما وكريستوفر كولومبس وغيرهم بالآلاف.
لكن شرقنا ينتج نوعية سلبية من المغامرين، ينشرون الفساد في المجتمعات. وتخصص بعض من متفوقيهم في القفز على كراسي الحكم، ليقودوا شعوبنا إلى ما نشهد من مصير لا يحتاج لشرح بؤسه.
مثل هذه الشخصيات المغامرة متمحورة حول نفسها. أسيرة لذواتها، ولما ترتكبه من مغامرات وحماقات وجرائم، تسوقها مسلوبة الإرادة،
لترتكب المزيد والمزيد من المغامرات، التي تلح عليها بها سيكولوجيتها، وما تحمي به نفسها من ردود أفعال تلك الممارسات.
خطأ ووهم انتظار ارتداع تلك الشخصية بردود أفعال محدودة تجاهها، أو باتعاظها من مصير مدمر لأمثالها هنا وهناك. هي تمضي معصوبة العيون في طريقها، سواء توهمت قدرتها على البقاء في حالة سيطرة وانتصار،
أو كانت تدرك سواد مصيرها.
الشعوب الساكنة المستكينة لا تتقدم إلا غصباً ودفعاً تحت تأثير الظروف المحيطة. لكنها تبقى دوماً في مؤخرة مسيرة البشرية نحو المزيد من التحضر والرفاهية. شرقنا المنطرح على وجهه في أمس الحاجة ليخرج من كهوفه الأبدية المظلمة إلى أكبر عدد ممكن من المتمردين والمغامرين، لكن من نوعية أخرى غير تلك التي نعرفها. نوعية تتمرد على الانغلاق والجمود والتخلف، وتغامر بالهجرة إلى عوالم جديدة أفضل وأرقى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو