الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 2

دلور ميقري

2018 / 10 / 28
الادب والفن


فرحة امرأته، كانت عارمة حدّ الصراخ حينَ أخيرها بإمكانية قضاء شهور إضافية في موطن الشمس: " طفلنا حصل على لقاحاته، مثلما أن إجازة الحضانة تنتهي في نهاية العام "، قال لها مُطَمئناً. ولقد شاركتها شقيقاتها مشاعرها، بل ورحن يقبلنها ضاحكات. ثم هرعن جمعاً إلى تبشير الأم بالخبر، وكانت هذه متوارية كالعادة في المطبخ؛ عرينها المنيع!
ولكن عليه كان في الخطوة التالية تركيز أفكاره، المشتتة في كل مهبّ. وكان أكثرها لا جدوى منه في الوقت الحالي، على الأقل. فكم أشبهت ألعابَ الابن الصغير، المتناثرة في أنحاء منزل الجدّة، والتي قلّما أثارت اهتمامه وهوَ في عمره الغض. هنالك في الدور الثاني من المنزل، في حجرة مثل القبر ضيقاً وعتمة، كان رأس " دلير " يمور بالأفكار فيما بقية جسده تنضح عرقاً. الطقس، كان ما يفتأ صيفياً جافاً، وسيستمر على هذا المنوال لحين انقضاء شهر ايلول/ سبتمبر. ولقد أبلغوه عند عودته من ألمانيا، بأن الحرارة ارتفعت جداً في خلال شهر رمضان، المختتم مذ بعض الوقت، فتجاوزت يوماً الخمسين درجة.

***
علمنا من قبل، كيفَ أُقحِمَ في السيرة المراكشية كأحد شخصياتها. كان مكلفاً إذاً بمهمة من لدُن الناشر، ولم يكن متأكداً من إمكانية نجاحها. لقد قال له منذ البداية، متشككاَ: " ما الفائدة من زج نفسي في حياة الآخرين، بالأخص بعد مرور نحو عقدين على الحكاية؟ "
" في كلّ الأحوال، لن يضيع وقتك سدىً. فأنتَ عاكفٌ على تأليف كتاب رحلات عن مدينة مراكش، مما يعني أن أيّ معلومة جديدة ستكون ضرورية لك "، كان الناشرُ قد أجابه من وراء كرشه الكبيرة. تلك، لم يجد فيها حجّة مقنعة. على أنّ لقائه مؤخراً مع " سيامند "، وكذا صلته المتجددة بالصديقة السويدية، هوّنا ولا مِراء من عبء المهمة الملقاة على عاتقه: بمحض الصدفة وحدها، أضيفت مساهمات أكثر جدّة إلى عقد أولئك الأصدقاء ممن رفدوا السيرة المراكشية بكلماتهم. كونه روائياً، فوق أيّ صفة أدبية أخرى، فما عليه الآنَ سوى إنهاء السيرة بمساهمته الشخصية ومن ثم صقلها جميعاً بلغته وأسلوبه ـ كما يفعل الصائغُ بعقد من لآلئ، متنوع الحبّات.

***
تذكرة " سيامند "، مثلما هوَ معلوم لدينا، كانت تغطي الفترة اللاحقة لحلول أخويه غير الشقيقين في المدينة الحمراء ولحين مغادرته لها نهائياً في عشية الاحتفال بالألفية الجديدة. مع ذلك، لم يفد محققَ السيرة فيما يتعلق بمعرفة مصير شخصياتها الأخرى. وكان قد قال له بنبرة مبرمة: " أنقطع أيّ اتصال بيني وبينهم في خلال تلك الفترة كلها ". ولما سأله " دلير " عما إذا كان ذلك يشمل أيضاً ابنة أخيه، لم يزد على الرد باقتضاب: " نعم.. ".
كان من الضروري، والحالة هذه، أن يحاول الاتصال مع محامي " شيرين " والذي كان التقى معه أول مرة، اتفاقاً، في أروقة إحدى المحاكم وذلك قبل حوالي ثلاثة أعوام. ولكنها محاولة محكومة سلفاً بالفشل، كونه سبقَ وجرّبَ الاتصال بالرجل عدة مرات سواءً من مكان إقامته الدائم في السويد أو هنا في المغرب. فلما أعادَ ذكر الموضوع أمام امرأته، وكانت على بعض العلم بتفاصيله، فإنها قالت له: " أتذكّره رجلاً طاعناً في السن، ومن الممكن أن يكون رحل عن العالم ". ثم أردفت وهيَ تنقّل نظراتها بين أفراد الأسرة، كأنما لتأكيد اقتراحها: " أخي الكبير لديه العديد من المعارف، وبالوسع الاستعانة به. أليسَ كذلك؟ ".
كانت تعني أخاها من والدها، واسمه " إدريس ". كان الوحيد بين أشقائه المقيم في مراكش، حيث بقوا هم في بلدة الآباء والأجداد، المستلقية على أحد سفوح جبل الأطلس. وفرة معارف الرجل، جاءت في واقع الحال من صلاته الطيبة بأفراد مرموقين في الحزب الرئيس الموالي للعرش. مع أنّ وظيفته المتواضعة، المتصلة بأشغال القرويين في إحدى ضواحي المدينة، كانت هيَ على الأرجح مصدرَ السِعة في عيشته. كذلك أمتلك منزلاً جميلاً من دورَين في تلك الضاحية، جعل تزيينه المعماريّ الداخليّ أشبه بالرياض، وقام من ثم بتأثيثه على الطريقة التقليدية المحلية. وقد أفصحَ الرجلُ عن مقدار نزاهته ونظافة يده، حينَ غضب ذات مرة من أخيه الأصغر غير الشقيق، فأفلت لسانه بحضور " دلير " هذه الجملة: " لولا أنني علمته أسلوب الرشوة، لبقيَ موظفاً بائساً يعيش على راتب الألف وخمسمائة درهماً! ".
في اليوم التالي مباشرةً، كان " إدريس " يقف بسيارته العتيقة على طرف الشارع، المفتوح عليه ذلك الزقاق الضيّق والطويل، أين تقيم أسرة زوجة أبيه الراحل. على الأثر، تعالى صوت هذه المرأة وهيَ تخاطب من الصالة زوجَ ابنتها: " الرجل ينتظرك منذ نصف ساعة، واه! ". وكان " دلير " في الأثناء منهمكاً بارتداء ملابسه، وهوَ في حجرته بالدور الثاني. أطل برأسه أكثر من مرة على الحماة المتذمرة ، ليطمئنها بأنه جاهز للنزول. ثم نزل إليها أخيراً، وكانت مشغولة بدَورها في أمور المطبخ، كي يطبع على وجنتها قبلة الصباح على عادة المغاربة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو