الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (139) الذكاء الصناعي

بشير الوندي

2018 / 11 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
--------------
قبيل احداث الحادي عشر من سبتمبر وتفجير برجي مركز التجارة العالمي بشهرين , حذرت الاستخبارات الامريكية الرئيس بوش بتقرير لها من ان هجمات ارهابية ستشن قريباً جداً على مواقع امريكية هامة وان الارهابيين سيستخدمون طائرات امريكية يختطفونها تحديداً في هجماتهم , وهو الأمر الذي تجاهله البيت الابيض .
وحين واجهت لجنة تحقيق الحادي عشر من سبتمبر كوندليزا رايس مستشارة الامن القومي آنذاك بالتقرير , بررت اهماله على اساس انه لايعدو ان يكون تكهنات بلا تواريخ محددة , ولقد كانت رايس محقة في ان التقرير لم يحدد تواريخ واماكن بعينها وهو بلاشك نقص فادح في التقارير الاستخبارية , ولكن مالم تلتفت اليه (او مااخفته ) هي المعطيات التي بنت عليها اجهزة الاستخبارات تقريرها الى الرئيس الامريكي , وهو تقرير جاد للغاية ويكفي ان جورج تينيت بنفسه هو من سلمه للرئيس الامريكي بوش .
نعم , لقد كانت استنتاجات تحليلية مبنية على معطيات احصائية بالكومبيوتر اشارت الى وجود عدد ملفت من العرب من جنسيات مختلفة يتدربون في اوقات متزامنة على الطائرات وعلى اجهزة المحاكاة في معاهد الطيران الامريكية وصل عددهم الى 25 متدرباً , وهي معطيات ماكان لها ان تظهر للمحللين الاستخباريين لولا وجود برامجيات ذكاء صناعي قارنت بين اتجاهات وتوقيتات ومصادفات ادى تحليلها الى اشتعال الاضواء الحمراء في مكاتب المحللين الاستخباريين وادت بهم الى استنتاجات قريبة للواقع تم تلخيصها في التقرير الاستخباري .
وقد اثبتت تلك البرامجيات كفائتها في اصابة كبد الحقيقة كان يمكن ان تكون الاصابة البديلة لثلاثة آلاف قتيل من المدنيين وضعف العدد من الجرحى , نعم لقد كان تحليلاً لمعطيات واضحة الخطورة وكان يمكن ان لا تتوافر فرصة تجميع صورتها لولا الذكاء الصناعي ..وهو جوهر مبحثنا.
--------------------------------------
التكنلوجيا والذكاء الصناعي
--------------------------------------
ان من بين سبعة مليارات ونصف المليار من البشر على كوكبنا هنالك قرابة الاربعة مليارات من مستخدمي النت منهم ثلاثة مليارات من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعى المتواصلين , فيما يصل عدد ممتلكي الهواتف المحمولة الى اكثر من خمسة مليارات من البشر.
فمع هكذا ارقام مذهلة وما تتيحه من امكانات لها مخاطرها الاستخبارية الجمة , وما توفره من بحار لاقاعَ لها من المعلومات الذي لابد من الافادة منها , كان لزاماً على الاجهزة الاستخبارية ان تغوص وسط هذا البحر الزاخر والاهم ان تعرف كيف تصطاد وماذا تصطاد , والاهم من ذلك ان تعي انها قد تغرق اذا ماغفلت قيد انملة , وهو امر يحتاج الى الاستفادة القصوى من برامجيات الذكاء الصناعي .
ولقد اخذ تطور وسائل التواصل وانتشار العالم الافتراضي حيزاً كبيراً من التكنلوجيا والانترنيت الأمر الذي كان لابد من ان تلاحقه الاستخبارات لتطور من قابلياتها في هضم واستيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات التي تتيحها تطبيقات تكنولوجية حديثة تعتمد على الويب من أجل التواصل والتفاعل بين البشر عن طريق الرسائل المسموعة والمكتوبة والمرئية .
وامام عدد المستخدمين الهائل للتكنلوجيا والتواصل , فانه لم تعد من فائدة من تكنلوجيا المعلومات في عالم الاستخبارات بدون الذكاء الصناعي , فالتكنلوجيا تتيح للجهاز الاستخباري التنصت على ملايين المكالمات وقراءة ملايين الرسائل الالكترونية , الا ان الذكاء الصناعي هو من يحلل تلك المكالمات والرسائل ليحدد بسرعات قياسية مذهلة من منها وردت فيه كلمة قنبلة او اغتيال او غاز السارين او حزام ناسف , ومن منها يبدو مشفراً ويحمل معانِ غير منطقية , ذلك ان الذكاء الصناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها , ومن أهم تلك الخصائص القدرة على التعلم والاستنتاج والحصر والفرز وهو لباب العمل التحليلي الاستخباري.
لقد بات تصور العمل الاستخباري المحترف بدون برامجيات الذكاء الصناعي شبه مستحيل وهو ماقاله احد رجال الاستخبارات الجغرافية التحليلية روبرت كارديلو من انه " لو توجب علينا أن نستخدم , يدويا ، كل الصور عبر الأقمار الصناعية التي نتوقع تلقيها خلال السنوات العشرين المقبلة ، فلا بد لنا من توظيف ثمانية ملايين محلل متخصص في الصور".
وهو مااكده بوتين من ان "الذكاء الصناعي هو المستقبل والذي سيصبح الرائد في هذا المجال سيكون سيد العالم" ومن هنا اصبح الذكاء الصناعي هو سمة مستقبل برامج التحليل الاستخبارية , فتحليل معلومات العالم الافتراضي غير ممكن بشرياً بسبب الكم الهائل من المعلومات , فمن خلال الذكاء الصناعي يمكن معرفة الرغبات والغايات والاهداف والمشاكل والمزاج والتحليل النفسي واتجاهات الرأي العام وانماط التفكير والتصرف والخيارات والمفضلات وغيرها .
-----------------------------------------
تطبيقات استخبارية لامتناهية
-----------------------------------------
إن بحوث الذكاء الصناعي من الأبحاث عالية التخصص والتقنية المغرية للاستخدامات العسكرية والامنية والاستخبارية , بل ان هذا المجال صار محور اهتمام الاجهزة الاستخبارية ومؤسساتها , حتى غدت التكنلوجيا الدفاعية والاستخبارية تعمل في اغلبها بالذكاء الصناعي , ففي مواجهة أعباء مليارات المعطيات الأولية الواجب فرزها ومعالجتها، تتجه أجهزة الاستخبارات العالمية إلى الذكاء الصناعي لمساعدتها في تقييم أهمية مختلف البيانات وفهم الأحداث الجارية في العالم. ويكفي ان نعلم أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) تدرس حاليا اكثر من 100 مشروعا يقوم على الذكاء الصناعي لتقر استخدامه وتطويره.
لقد صار بإمكان استخدام الذكاء الصناعي للتكهن بأحداث مهمة ، سواء سياسية أو غير سياسية، من خلال إيجاد روابط بين التغييرات في دفق البيانات وغيرها من المعلومات .وكذلك في دراسة انماط سلوكية متكررة تؤدي الى استنتاجات قريبة من الواقع في قراءة وتكهن ماسيقدمون عليه.
ومن خلال الذكاء الصناعي وبرمجياته تكون قادرا على السيطرة على وسائل التواصل واستيعاب تضخمها باستمرار وتستطيع بالتالي فرزها وفق العدد والاعمار والنشاط والمواضيع والرغبات والتحديات والجغرافيا والاهداف والمخاطر , ففي مجال توقع الخطر , يمكن للذكاء الصناعي معالجة أكثر من 100 تيرابايت من بيانات التهديد العالمي يوميًا.
كما يمكن للذكاء الصناعي تحليل الحوادث والتحقيق فيها وتقديم إجابات تستند إلى البيانات حول التهديدات ، من أجل تحديد هوية المهاجم بسرعة ومكان التهديد .
ان مسح وسائل التواصل بشكل يومي ضمن جدول كبير من الرقميات والاحصاءات يضع الاستخبارات والمؤسسة الامنية على بينه من الحوادث والاخبار والاسرار , لذا نسمي الاجهزة المتقدمة استخبارياً بالاجهزة الاستخبارية الذكية القادرة على استباق الاحداث وفهم الامور.
----------------------
الذكاء والاحصاء
----------------------
ان محور الذكاء الصناعي هو علم الاحصاء , بل ان الاستبيانات الاحصائية هي في اساسها بدايات محدودة للاستنتاجات المناطة بالمقارنة والتحليل ولكن ضمن نطاقات وعينات محدودة .
وقد كان انطلاق التكنلوجيا في فضاءآتها الواسعة قد ادى الى التوازي بانطلاق التطور بالتطبيقات الاحصائية وصولاً الى الذكاء الصناعي وهو امر يسهل الاستدلال عليه بالانظمة والتطبيقات التي يستخدم فيها الذكاء الصناعي , فانظمة الكشف والتعرف والبصمة وبصمة الصوت والطائرة بدون طيار والاسلحة الحرارية والاسلحة الذكية والفرز الالكتروني لملايين المكالمات والرسائل وغيرها , وكلها تطبيقات ذكية تقوم على اساس علم الاحصاء .
فبالذكاء الصناعي صار الاحصاء والفرز والتحليل والخزن والخرق ممكناً بسهولة مهما كان فيض المعلومات وعدد المستهدفين هائلاً , فعملية الاختراق والهكرز نقطوية تستهدف بيانات محددة , لكن ٢٠ مليون مشترك يستحيل خرقهم جميعاً الا ببرامجيات الذكاء الصناعي لذا فانه بحق مستقبل التحليل الاستخباري , حتى امست الاستخبارات التي لا تعتمد الذكاء الصناعي بمثابة استخبارات بدائية فاشلة.
فليس بمستغرباً ان نلاحظ منذ بداية القرن ٢١ ان تتوسع الاستخبارات الفنية على حساب استخبارات المصادر بشكل ملفت , فلا يوجد بلد متقدم لم تصبح استخباراته الفنيه اكبر واوسع على حساب استخبارات الميدان والمصادر حيث اصبح الذراع الفني هو الاستثمار الحقيقي للجهد الاستخباري.
---------------------
تطبيقات عامة
--------------------
ان الذكاء الصناعي لايقتصر على الاستخدامات العسكرية والاستخبارية , فقد دخل في تطبيقات ومجالات لا حدود لها كالتشخيص الطبيّ وتطوير آلية البحث على جهاز الحاسوب عبر الإنترنت وتطوير أنظمة تداول الأسهم وتوقعات السوق والمحاكاة المعرفيّة والعاب الفيديو المحاكية للواقع والترجمة لكافة اللغات وغيرها , وكل ذلك يتم عبر برامج تحاكي كيفية عمل العقل البشريّ والوظائف التي يقوم بها كالتعرّف على الوجوه المألوفة وتفعيل الذاكرة.
ووصل الامر ببرامجيات الذكاء الصناعي الى رصد ومماحكة ومحاكاة الرغبات الشخصية الفردية , فلو جربت ان تبحث عبر النت لشراء سيارة , فسترى انك حين تفتح اي موقع ويب تجد امامك عروض سيارات , ولو جربت البحث عن فندق لقضاء اجازتك في دولة ما , فسترى انك ماان تفتح موقع الفيس بوك فانك تجد امامك عروض اعلانات فنادق, وهذه الحالة تقع في حيز الذكاء الصناعي الذي يتيح لتطبيقات التصفح الالكتروني ملاحقتك وقراءة مزاجك وما ترغب في رؤيته .
---------------
خلاصة
---------------

لاشك ان من المؤلم ان نتحدث عن الذكاء الصناعي وسط مانراه من معكوس الذكاء (لانود استخدام كلمة اخرى) في واقع اجهزتنا الاستخبارية , فلا يكفي ان نقول ان هكذا امكانات هي غير متوافرة لدى اجهزتنا وان هنالك بدلاً عنه ذهول وجمود , ولكن المولم ان نرى العكس هو الموجود , ففي كل استخبارات الدنيا تكون مواقع التواصل من المواقع المتقدمة للرصد الاستخباري , لكن تلك المواقع الالكترونية في العراق هي من ترصد وتكشف الوثائق الاستخبارية وتتداول ادق الاسرار , وصارت اجهزتنا هي التي تسعى للاحتماء من تلك المواقع وهو وضع كارثي نتمنى ان يتغير , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا