الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد الكيلاني يكتب : محنة العقل الجمعي في مصر

خالد الكيلاني

2018 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هناك حكاية من سير الصحابة تُروي عن الخليفة العادل سيدنا عمر بن الخطاب بروايتين ، الأولى تقول أن رجلاً كان قد قتل أخا عمر في معركة اليمامة عندما ارتد مع من ارتد ، ( فقد قتل زيداً بن الخطاب في حروب الردة )، وأسلم الرجل بعد ذلك ، وجاء إلى عمر بن الخطاب رضي اله عنه يوماً ، فقال له عمر : أأنت الذي قتلت زيداً ؟ ، قال : نعم ، قال عمر : أُغرب عن وجهي ، فإني أبغضك ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، أوَ يمنعني هذا حق لي عندك ؟ قال عمر : لا ، فقال الرجل : ما لي وحبك … إنما لا يأسى ( يحزن أو يبكي ) على الحب إلا النساء .
وفي رواية أخرى أن عمر رضي الله عنه قد قالها لوحشي بن حرب ، العبد الحبشي الذي استأجرته هند بنت عتبة في معركة أُحد لقتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأنه قتل أباها وأخيها في معركة بدر ، ثم أمرته ببقر بطنه وإخراج كبده وإعطائها لهند ، وكان وحشي قد أسلم بعد ذلك .
أياً ما كانت الرواية الصحيحة ، فالشاهد فيها أنه في السياسة لا يوجد حب أو كره ، إنما يوجد تقييم موضوعي لأعمال الشخصية العامة سواءً كان سياسياً أو كاتباً أو صحفياً أو إعلامياً .
ولكننا ابتلينا في السنوات الأخيرة بحالة من " العُقم " في التقييم الموضوعي لأي شخصية عامة ، وأصبحت كل أحكامنا عاطفية على الشخصيات العامة ، بل وغير الشخصيات العامة أيضاً .
أحكام عاطفية لا تستند إلى العقل أو المنطق ، وليس فيها سوى لونين فقط هما الأبيض أو الأسود ، فإما أن تكون معي تماماً لدرجة التماهي ، وإما أن تكون مختلفاً ولو في جزئية صغيرة معي ، فأنت ضدي وعدوي وتستحق الموت ، وحتى لو توفاك الله فأنت لا تستحق ولا تطمع في رحمته … مع أن الحياة الإنسانية كلها ليست أبيض أو أسود ، إنما يغلب عليها اللون الرمادي .
وفي السنوات الأخيرة وبسبب حالة السيولة السياسية ، وفقدان أو غياب البوصلة الإعلامية التي تنشر وتنثر الوعي ، تعود الناس على اقتناص العناوين دون التعمق في جذور أي موضوع ، واكتفوا من القراءة بسطرين على الفيس بوك أو تويتر ، أو بعدة ثواني مجتزأة من ڤيديو لبرنامج تليفزيوني ، أو تصريح ما لشخصية معينة … وبنوا أحكامهم على تلك الشخصية من خلال هذا الرأي المجتزأ أو المبتسر من سياقه .
ولأن العقل الجمعي يتعامل مع السياسة كما يتعامل مع مباريات كرة القدم ، فقد تحولات منصات مواقع التواصل الإجتماعي إلى ما يشبه " الألتراس " في كرة القدم ، فما أن تأتي سيرة فلان إلا وينبري الجميع ليقولون لك أن فلان هذا قمة في الوطنية ويذوب عشقاً في حب الوطن ، وقد لا يكون فلاناً هذا قد قدم في حياته شيئاً واحداً لمصلحة هذا الوطن ، أو ضحى بشيء واحد في سبيل هذا الوطن … وربما لا يعرف حتى معنى كلمة وطن من الأصل ، ولو كان كاتباً أو صحفياً أو إعلامياً ، فربما لا تقرأ له جملة وحيدة صحيحة أو وجهة نظر واحدة معمقة في هم من هموم الوطن … ومع ذلك تجد له عشرات الآلاف من المتابعين والمعجبين ، لمجرد أنه يعلن على صفحته كل يوم ، أو في مقالاته أنه يحب ويعشق هذا الوطن ، وهو يخلو تاريخه تماماً من موقف واحد يؤكد هذا الحب .
وما أن تأتي سيرة فلان أخر ، شاء له حظه التعس وصدقه مع نفسه أن انتقد ذات مرة أداء هذا المسئول أو ذلك الوزير ، أو ربما كانت له رؤية مختلفة في ما يحقق مصلحة هذا الوطن ، إلا وانبرى هذا الألتراس بنعته بالخائن والعميل الذي يعمل لمصلحة أعداء الوطن … مهما كان قد قدم سابقاً لهذا الوطن من أعمال جليلة ، ومهما كان قد ضحى لأجل هذا الوطن في مواقف أخرى .
وربما ساهمت رؤية المصريين للدين في العقود الأربعة الأخيرة ، وذلك الفهم المغلوط للدين الذي تعمد نشره في المجتمع السلفيون والإخوان ، على هذه الرؤية الحدية للأشياء ، وافتقادنا للفكر الوسطي في السياسة والإقتصاد والعلاقات الإنسانية ، كما افتقدناه تماماً في الدين .
بل إن هذه المحنة قد انسحبت حتى على العلاقات بين الناس ، سواءً علاقات الصداقة أو حتى العلاقات الأسرية ، بل وعلاقة الإخوة داخل الأسرة الواحدة .
فهناك إخوة مهما قدموا لإخوتهم من تضحيات ، ومهما كانت مواقفهم السابقة ناصعة معهم ، يتصيدون لهذا الأخ ذلة صغيرة … ربما لا علاقة لهم بها ، وربما لا وجود لها سوى في أذهانهم ، ليبدأوا ضده حملة من الكراهية المقيتة متناسين ومتنكرين لكل ما قدمه لهم في سابق الأيام والسنوات .
إنها محنة العقل الجمعي في مصر حالياً ، هذا العقل الذي يستسهل إجتزاء وابتسار الحقائق ، ويرفض إلى حد العداء الخلاف في الرأي والإختلاف في الرؤى … الذي هو سنة الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا