الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم عبارة (الرمز) في الدستور العراقي ومدى توافقه مع أعمام هيئة الإعلام والاتصالات العراقية

سالم روضان الموسوي

2018 / 11 / 2
دراسات وابحاث قانونية


مفهوم عبارة (الرمز ) في الدستور العراقي
ومدى توافقه مع أعمام هيئة الإعلام والاتصالات العراقية
إن العبارات والمفاهيم الواردة في الدستور تتسم بصفة العلوية على غيرها من العبارات والمفردات الواردة في القوانين والتشريعات الأخرى عند ترجيحها على غيرها من العبارات الواردة في القوانين لان كل عبارة من عبارات الدستور يمكن ان توضح هدفاً سعى الدستور إلى ضمانه وتنظيمه رجاحتها على غيرها أتت من كونها تتصف بالدستورية وتتعلق بالدستور الذي يضفي عليها الاعلوية في سموه على التشريعات الأخرى على وفق القاعدة الدستورية (سمو الدستور) والواردة في نص الفقرة (أولاً) من المادة (12) من الدستور النافذ لعام 2005 التي جاء فيها الآتي (أولا: يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة، وبدون استثناء) وحيث إن المختصين في علم التفسير يشيرون إلى أهمية شكل العبارة الوارد في النص لأنها ملزمة وترتب اثر، ولا توجد عبارة وردت في نص دستوري أو قانوني قد وضعت عبثاً ، وإنما لها حكمه يقصدها واضع النص الدستوري أو القانوني لان من أهم الوسائل الرئيسية المباشرة لاستخراج الحكم من النص هو الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية ، وهو ما يسمى بدلالة المنطوق، كذلك الاستعانة بمفهوم النص سلباً وإيجاباً، ومناسبة هذا العرض ما ورد في أعمام هيئة الإعلام والاتصالات الوارد في كتابها العدد 7/ع/5/2/12371 في 23/10/2018 والموجه إلى الجهات الإعلامية المرخصة كافة حيث طلبت فيه إيقاف الإساءة الى الرموز الدينية والوطنية مما اثر الأسئلة من الجميع عن غاية هذا الأعمام هل يقصد به تقييد حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور أم يقصد بها إجراء تنظيمي لمنع الاعتداء على هذه الرموز، ولان الأعمام ذاته حذر من اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالف له، واستندت في إصدار الأعمام أعلاه إلى الصلاحية الممنوحة لها في أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم 65 لسنة 2004 الذي أسسها ونظم أعمالها ولان عبارة الرموز الوطنية والدينية لم يرد لها تعريف في الأمر (65) المشار إليه في أعلاه، ولا في اللوائح التي أصدرتها هيئة الإعلام والاتصالات مما اثأر الجدل والأسئلة حول هذا الأعمام ومنها من هو الرمز الوطني أو الديني وكيفية الاستدلال عليه وهل توجد قائمة بأسماء وعناوين هذه الرموز الوطنية ليتسنى للجمهور تجنبها؟ ولغرض التوضيح فان عبارة رمز استخدمت في الدستور لمرتين فقط في المادة (12) التي تتعلق بتنظيم شكل العلم والنشيد الوطني وفي المادة (67) التي تتعلق بمنصب رئيس الجمهورية ووردت بصيغة الجمع في ديباجة الدستور عندما ذكرت ضحايا النظام السابق من أبناء المناطق الغربية وكذلك في المادة (7) التي حضرت كل كيان ينهج نهجاً عنصريا او طائفيا وأدرجت ضمنه رموز النظام البعثي الصدامي في العراق وفي المادة (134) عندما أشارت إلى المحكمة الجنائية المختصة بجرام النظام الديكتاتوري ورموزه ، أما في المنظومة القانونية العراقية الجنائية فإنها استعملت في قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل لمرتين في المادة (372) فقط والتي تتعلق بجريمة المساس بالشعور الديني واعتبرت في الفقرة (ج) إن الاعتداء على الرمز الديني جريمة وكذلك في الفقرة (ه) فقط وعلى وفق نص الآتي (1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات: ا‌- من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لاحدى الطوائف الدينية او حقر من شعائرها. ب‌- من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية او على حفل او اجتماع ديني او تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك.ج‌- من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معدا لإقامة شعائر طائفة دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية. د- من طبع او نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية اذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه أو إذا استخف بحكم من أحكامه او شيء من تعاليمه. هـ- من اهان علنا رمزا او شخصا هو موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية. و- من قلد علنا نسكا او حفلا دينيا بقصد السخرية منه.2- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من تعرض بإحدى طرق العلانية للفظ الجلالة سبا او قذفا بأية صيغة كانت)، ولبيان معنى الرمز فان معاجم اللغة العربية لها أكثر من معنى لكن الشائع بان عبارة ( رمز) هي (علامة تَدل على معنًى له وجود قائم بذاته ، فتمثِّله وتحل محلَّه) أما في الأدب والفن والفلسفة والعلوم الأخرى فان لها معانٍ شتى حسب صنف العلم الذي يستخدمها ، وحيث إن قانون العقوبات العراقي قد عاقب على المساس بالرموز المتصلة بالدين فقط ولم يتطرق إلى الرمز الوطني الذي أشار إليه أعمام هيئة الاتصالات فان التجريم لأي فعل لا يجوز أن يمتد إلى توصيف آخر غير الرمز الديني ويذكر إن الرمز الديني المقصود به (العنوان لشخص أو شيء) سواء كان لشخص طبيعي أو معنوي أو شيء من الجمادات التي تساعد في خلق أساطير تعبر عن القيم الأخلاقية للمجتمع أو تعاليم الدين، وتعزيز التضامن بين أتباع هذا الدين، وجعل العباد أقرب إلى معبودهم. اما فيما يتعلق بغير الرمز الديني فان القانون لم يذكره ولم يجرم أي فعل تجاهه الا اذا اعتبر من باب الاعتداء على الشخص سواء في حياته أو أمواله أو شرفه وسمعته وتعامل كل حالة بسياقها العام باعتباره شخص طبيعي او معنوي مع مراعاة بعض الصفات المتعلقة بالوظيفة العامة التي يشغلها، وحيث إن الدستور أشار إلى عبارة ( رمز ومشتقاتها بصيغة الجمع رموز) فانه استخدمها في غرضين الأول لتبجيل وصف لعنوان اجتماعي عندما أشار الى ضحايا النظام السابق من أبناء المناطق الغربية في العراق وأطلق عليهم توقيراً وتكريماً عبارة (رموز) وهذا الوصف ينحصر فقط بالضحية ولا يسري على من لم يكن من بين هؤلاء الضحايا الذين حددتهم المنظومة القانونية العراقية (السجناء) الوارد ذكرهم في القانون رقم 4 لسنة 2006 المعدل وكذلك (الشهداء) الوارد ذكرهم في قانون مؤسسة الشهداء رقم 3 لسنة 2006 المعدل، وغير هؤلاء لا يعدون من رموز ضحايا النظام البائد المشار إليهم في ديباجة الدستور، كما وردت تلك العبارة في الدستور عند تنظيم العلم والنشيد الوطني فان الدستور ألزم المشرع بان ينظم العلم والنشيد بما يشكل رمزاً لجميع مكونات الشعب العراقي وعلى وفق ما جاء في الفقرة (أولاً) من المادة (12) من الدستور التي جاء فيها الآتي (ينظم بقانونٍ، علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز الى مكونات الشعب العراقي)، وأشار الدستور أيضاً إلى عبارة (رمز) عندما تعلق الأمر بوصف طبيعة منصب رئيس الجمهورية فان اعتبر هذا المنصب رمز لوحدة العراق وعلى وفق نص المادة (67) من الدستور التي جاء فيها الآتي (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور) بينما وردت عبارة (رموز) وهي جمع لكلمة (رمز) عند تحديد الحظر على بعض المجاميع ومنهم رموز البعث الصدامي كما ورد في المادة (7) وكذلك عند بيان اختصاص المحكمة الجنائية العليا الذي اقتصر على رموز النظام الديكتاتوري البائد على وفق نص المادة (134) من الدستور، وهذا العرض لمصطلح او عبارة ( رموز ومشتقاته رموز لم يرد لها ذكر في الدستور والقانون سوى ما تم ذكره في العرض المتقدم، مما يعني إن أعمام هيئة الإعلام والاتصالات موضوع البحث لم يكن دقيقاً بما يتلائم والطبيعة التي ورد فيها بأنه أعمام توجيهي تحذيري اقرنه باتخاذ إجراءات قانونية رادعة فكان على الهيئة أعلاه أن تفصل بالعناوين التي ورد ذكرها فيه لا أن تترك الأمر خاضع للتأويل على وفق ما يريده البعض وهذا سيؤدي إلى عدة نتائج سلبية منها إنه يشكل قيداً على حرية التعبير كما يخالف النصوص الدستورية التي وردت في الدستور والمواثيق الدولية ومنها المادة (19) من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وبقية الاتفاقيات الدولية الأخرى التي اعتمدتها الهيئة والمشار إليها في البيان الختامي لمؤتمر حرية التعبير والتنمية الإعلامية في العراق المنعقد في باريس شهر كانون الثاني من عام 2007 والمنشور في الموقع الالكتروني لهيئة الإعلام والاتصالات ، ومن خلاصة ما تقدم فان عبارة (الرمز او الرموز الوطنية) الواردة في الأعمام الصادر عن الهيئة لا يتفق والمبادئ القانونية في القوانين الجنائية حيث لا يجوز المنع أو تجريم فعل لم ينص القانون على تجريمه على وفق القاعدة الدستورية الواردة في الفقرة (ثانياً) من المادة (19) من الدستور التي جاء فيها الآتي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة) وفي المادة (1) من قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة).
القاضي
سالم روضان الموسوي










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك


.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي




.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال


.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا




.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي