الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 3

دلور ميقري

2018 / 11 / 4
الادب والفن


أيام الصيف ذات النهارات الطويلة، تمضي بطيئة وممضّة بطقسها الحار، المذكّر الغافلين بأتون جهنم. إلا أنّ " دلير " كان ما ينفكّ سائراً على طريق الصراط، الأطول من أيّ صيفٍ أفريقيّ. محبطاً، كان يقلّب في كلّ حين أوراقَ السيرة المراكشية غير المكتملة، التي خُطّت كلماتها من لدُن أغراب ثمانية مروا في المدينة الحمراء خطفاً أو رويّةً، موزعة مصائرهم بالتساوي بين قسمَتَيّ الموت والحياة. في المقابل، كانت أوراق كتابه، المصنّف في خانة أدب الرحلات، تتكاثر يوماً بعد يوم وذلك بفضل ساعات التسكّع في المدينة؛ وهيَ ساعات، مشحونة بحيوية روحٍ تتوقُ، في آنٍ معاً، لأماكن الجمال والقبح، الهدوء والصخب، الشهوة والتصوف، الانحراف والاستقامة؛ لكل ما مَنَحَ المدينة ألقابها المتعددة، انتماءاتها المتباينة، فوارقها ومفارقاتها وتناقضاتها. لم يكن في وسعه فهمَ ماضي المدينة، المصوَّر مشهداً مشهداً في تذاكر تلك السيرة، إلا بمقارنته مع حاضرها ـ كما حظيَ هوَ بالتعايش معه في خلال السنوات الخمس الأخيرة.
لقد بدت مراكش لأولئك الذين قاربوها سابقاً، وتحديداً قبل قرابة ربع قرن، بمثابة قرية كبيرة بمَن اجتاحها من بربر الجبال وأعراب البوادي؛ ضواح سكنية، تطوّق من الخارج أسوارَ المدينة القديمة، ملتهمةً بنهم دائبٍ عرصاتِ النخيل ودساكر الزيتون ورقع الأشجار المثمرة وجدعاتِ الصبّار. فإذا هيَ اليوم، في زمن كتابة هذه الأسطر، حاضرةٌ مزدهرة تُضاهي أحدث المدن، سواءً المستلقية على الضفاف الشرقية للبحر المتوسط أو المتوغلة جنوباً بمحاذاة الصحراء الممتدة بين قارتين يفصل بينهما بحرٌ في حُمرة المحار.. حاضرة، تضم إقليماً يجعلها ملتصقة أيضاً بالمحيط العظيم، المُكنّى في كتب الجغرافيين المسلمين ب " بحر الظلمات " بسبب لون مياهه القاتمة وكونه يُفضي إلى اللانهاية. لم يكن بلا مغزى إذن، أن تُستهل هذه السيرة بتذكرة " تاجر موغادور "، العائدة إلى منتصف القرن التاسع عشر، والمترجِمة أحوالَ رجلٍ مشرقيّ قدِمَ من الشام عن طريق جزيرة يونانية كي يجد ملاذاً لأميره في حمى سلطان مراكش العلويّ؛ أميره الكرديّ، الذي سبقَ وتمرد على سلطان بني عثمان قبل أن يتم أسره ونفيه إلى تلك الجزيرة.

***
في سنواته الأولى بمراكش، كان " دلير " يقضي الوقتَ خارجاً بالتجول في دروب المدينة القديمة. كان آنذاك يتحاشى حيَ غيليز الراقي، إلا في مناسبات مبتسرة مع عديله الفرنسيّ، وكانت في الليل غالباً ـ كدعوة عائلية إلى مطعم أو سهرة خاصة في ملهى. كونه يضيق ذرعاً بالعلاقات الاجتماعية وما تفرضه من لباس رسميّ، فإنه أعتاد أن يتهرب من الزيارات والحفلات. ذلك كان يثير حفيظة الشقيقة الكبرى لامرأته، واجدة فيه نوعاً من الغرور والاستعلاء. كذلك نظرت " أنغام " بعين الريبة للعلاقة الجيدة بين صهرها هذا وخصمها اللدود، الذي عرفنا أنه أخوها غير الشقيق. لم يكترث الصهرُ بأيّ عنعنات مماثلة، حينَ كان يمضي مع ابن حميه إلى منزله في الضاحية ليقيم لديه أحياناً بضعة أيام. مؤخراً، مع استهلال المهمة المتواشجة بالسيرة المراكشية، أضحت صلتهما شبه يومية.
من ناحيته، كان " إدريس " يختال بقامته الضخمة أمام أفراد أسرة أبيه في كلّ مرةٍ يستدعيه فيها الصهر السوريّ من أجل خدمةٍ ما. هذا، مع أنه كان مثلهم تقريباً، لناحية الجهل بطبيعة تلك المهمة ومراميها: " ما أعرفه أنه يؤلف كتاباً عن مراكش، وقد نصحته بإهدائه لجلالة الملك كي ينال الحظوة لديه! "، قالها ذات مرة أمامهم بكثير من التباهي وذلك في غياب الصهر المعنيّ. تساءلت امرأةُ صاحب الحظوة المأمولة، وقد انتابها إحساسٌ مماثل: " هل أنتَ واثق من جدّيته في تقبّل الفكرة؟ "
" من..؟ آه، نعم بطبيعة الحال! "
" مبعث قلقي، أنه لا يهتم سوى بالكتابة. لقد سبقَ وتوقف عن نشر مقالاته في موقع خليجي، مع كونه مورداً جيداً له "، قالتها وهيَ تشمل الآخرين بنظرة سريعة. انتقل الاهتمام إليهم، واتخذوا من الخبر حديثاً لبقية السهرة. في اليوم التالي، جاء " بيير " في سيارته وأوقفها في مقابل منزل حميه. بعد دقائق، كانوا يصرخون من المنزل التحتاني على الصهر السوريّ طالبين منه النزول بسرعة. فلما استبطأ " الكَاوري " عديله، فإنه صعيد إليه بنفسه وكان نادراً ما يفعل ذلك: " أنت مدعو للخروج معي، الليلة. سأنتظرك تحت، لحين أن ترتدي سترة مناسبة "، خاطبه بانكليزية ركيكة مطعّمة بمفردات من الدارجة المحلية. كمألوف العادة أيضاً، تناولا العشاء في حدود الساعة الثامنة بأحد المطاعم ومن ثم توجها إلى بار ـ ديسكو لقضاء السهرة هنالك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع