الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار أولية حول مفهوم * الطرب * (2)

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2018 / 11 / 6
الادب والفن


في كتابه " مدخل إلى الموسيقا " الصادر عن مكتبة بغداد 2015 وترجمة الأستاذ ثائر صالح يشرح لنا العالم " أوتو كارويي" أن الصوت لايتكون إلا بسبب نوع من الحركة ، وان الحركة (أو الاهتزاز) الناتجة من جسم مهتز ( كالحبال الصوتية أو الأوتار على الآلة الموسيقية ) ، هي تولد ذبذبات وأمواجاً تنتقل عبر الهواء – أو أي وسط مادي آخر – بسرعة تبلغ 335 م في الثانية ".
و يُبين لنا المؤلف كيف أن الأيقاع والسرعة هما ما يعطي للموسيقى حيويتها وحرارتها ..
وقد شبههما المؤلف بالجهاز العصبي للموسيقى ، لأنهما يحددان سوية صفة أو طبيعة اللحن الموسيقي.
ونحن بالطبع لا ننسى أن نذكر بأن هناك خاصية هامة جداً في أي لحن كان ، ألا وهي خاصية التوازن ، أي بمعنى أنه يجب أن يكون التوتر والارتخاء في اللحن بنسب صحيحة ، وتحليل أعداد كبيرة من الألحان يرينا أن اللحن إن سار باتجاه الصعود لابدّ وأن سيعود بعدها نازلاً إلى الأسفل هاجلاً أو آجلاً للوصول إلى حالة التوازن ، والعكس صحيح ، وهذا التوازن – في تقديري - هو ما يجعل اللحن سلساً وطبيعياً .
ولكي نفهم ذلك أكثر ، علينا أن نعلم أولاً أن اللحن ( المُؤلف من عدة جمل موسيقية ) هو من الناحية الفيزيائية ليس أكثر من سلسلة من الأصوات ، ولهذا واستنادا الى هذا التحديد ، حتى السلم الموسيقي يصلح لأن يكون لحناً ، لكن السلم الموسيقي بحد ذاته ليس لحنا، بل هو شيء أشبه بالهيكل الذي يبنى عليه اللحن ، لأن اللحن هو اكثر من ذلك بالطبع ، وكلمة ( أكثر ) يُقصد بها الروح التي تعطي سلسلة الأصوات تلك، معنىً داخليا ، وقدرة على الحياة ..
بمعنى أن تلك الجُمَل الموسيقية تبقى جامدة يابسة ، إلى أن تنفخ فيها الروح والحياة من خلال التنويع الموسيقي .. والذي هو عنصر هام جداً وأساسي ،
ولكن - في اعتقادي - أهم عنصر بين كل وسائل إدخال التنويع إلى الموسيقى وأكثرها سحراً ، هو هنيهة التحويل في العلامات ، ولحظة الانتقال بين المقامات بخفة ومهارة وموهبة ..
و لطالما إحتمالات تنويع اللحن لاتعد ولا تحصى ، سوف يستحيل على أي باحث إعطاء وصف كامل أو فهم دقيق لكل خصائصه ..
ولكن يمكن القول أن هذا التنويع أو التحويل في الموسيقا يعني ببساطة :
الانتقال من مركز نغمي إلى مركز نغمي آخر..
ولتوضيح معنى السلم الموسيقي يقول مؤلف كتاب مدخل الى الموسيقا :
" أن السلالم الموسيقية ظهرت خلال السعي الدؤوب لصنع الموسيقى ، وخضعت مع الزمن للتعديل والتطوير جيلاً بعد جيل ، حتى وصل الفن درجةً عالية ً من التطور.
ثم بعد ذلك، يبين لنا :" أن كلمة (الأوكتاف ) هي كلمة لاتينية وتعني سلماً ، وان السلم الموسيقي هو على أنواع :
منها السلم البنتانوني ( المكون من خمس نغمات ) والسلم الهندي " راكا " ،
والسلم الأساسي في الموسيقى الأوربية هو السلم الدياتوني ( ذو الاثنتا عشرة نغمة) وهو يتألف من تونات وأنصاف التونات على مدى أوكتاف كامل ".
فمثلاً " لوعزفنا على البيانو العلامات البيضاء من (دو ) الوسطى حتى (دو ) الجواب يكون قد عزفنا ما يسمى بسلم ( دو ماجور) أو الكبير ، وسميّ بالسلم الكبير لمواصفات أبعاده الموسيقية والعلاقة بين التون ونصف التون ،
ويُضيف المؤلف أن ما يعطي السلم الكبير خاصيته
هو البعد (المسافة ) المميز بين النغمة الأولى والثالثة في السلم ، والذي يسمى الثالثة الكبيرة .
لكن ما يهمنا ذكره هنا ، هو أن السلم الموسيقي الشرقي و(العربي )، يستعمل بإعجاز وفرادة ( سبعة عشر نغمة ) .
وهنا بيت القصيد .. بل – في رأي - هو بيت أصل الطرب الذي نبحث في جوهره ونرشف من ينبوعه ..
و " لأن الرتابة في الفن جريمة لاتغتفر" كما يقال ، فأنا أعتقد ، أن هذا الطرب أو" التجلي الرحماني " بلغة أهلي في حلب ، ينبثق في النفس الذائقة الطربية بالتحديد - موسيقياً - عند لحظة التحويل (أو الانتقال ) في المقامات الموسيقية المُغنّاة ، أكثر من المقامات الموسيقية المعزوفة ..
وأغلب الظن أنه أثناء هذا الانتقال بالذات يحدث الطرب ، أي أن الطرب يتخلّق أوان اللحظة العليا من الانسجام بين الإيقاع العام واللحن والكلمة والأداء و .. الخ .
ويظهر عند استئثار كل ذلك بفيوض مجرى الأحوال النفسية والذهنية للمنتبه الحصيف ، ومن ثم مساعدته شيئا فشيئاً على التركيز وتوجيه الشعور نحو موضوع الجملة النغمية المبتكرة التي تستقبلها حواسه.
و من هنا اعتقدت ، أن ذروة التركيز الذهني للمتلقي ، هي العنصر الجوهري والأساس في حال الطرب ، ولهذا أجزم بأنه يتولد من شدة التركيز وليس من حال التغييب والذوبان أو الضعف كما يرى البعض ، إذ لا يُمكن – في رأي - أن يُطرَب المرء من إبداع موسيقي ما ، لا يُرَكز فيه سمعه وتتشبّع منه حواسه بسلافة إبداعية تجعل ذهنه يثمل شوقاً ووجدانه يختلج طربا وتوقاً ...
و بالطبع هذا التركيز الطربي – ان جاز التعبير - لايأتي فجأة ، أو دفعة واحدة على حين غرّة ، بل يُبنى تدريجياً في إدراك المتلقي ، وذلك عبر ربط تلك الفيوض الرهيفة و الأحاسيس الدقيقة والمتراكمة بمبعث النشوة في مكنونات ذاكرة الشخص المطروب ..
ثم تنبلج إثر ذلك اللحظة الطربية فجأة ، لتستحوذ على وعيه وأركان شعوره ، ثم تدخله في لحظات طربية ممتدة ، جميلة و بديعة ، قد يندهش لها هو ذاته، إن وعاها لاحقاً ..
للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح