الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل خطاب الملك / خطاب تودّد

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2018 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الخطاب الذي القاء الملك البارحة مساء بمناسبة ذكرى المسيرة ، لا يختلف في شيء عن خطاب السنة الفارطة ، اللهم وكالمعتاد ، تجنب التذكير بقسم المسيرة الذي لم يعد له وجود ، وكأن الملك انقلب على ارث والده الذي اعتبر في وقت مضى منح حكم ذاتي للصحراويين بمثابة جمهورية داخل ملكية ، حين قال : " كيف ؟ هل يريدون منّي ان اكون ملكا على جمهورية الصحراوية ؟ ابدا " .
لكن الجديد في الخطاب هذا ، انه كان لأول مرة خطابا متودداً موجها للجزائر ، دون غيرها من المؤسسات الدولية التي تتخذ قرارات سنوية في موضوع نزاع الصحراء الغربية ، وكأن الملك يريد الاستفراد بالجزائر ، محملا إياها وحدها مشكل الصحراء ، لكن بلباقة ولغة اخوية ، وليس بتشنج وبلغة صارمة كما في السابق ، وانّ أي حل لا ، ولن يكون الاّ مع الجزائر الجارة ، وليس مع الجزائر العدوة ، كما لن يكون مع الجبهة الطرف الذي فاوضه بمنهاستين بالولايات المتحدة الامريكية ، وبجنيف ، ولا مع الجمهورية الصحراوية التي اعترف بها في سنة 2016 ، عندما دفع بالبرلمان ، وفي غياب الحكومة على التصديق على قانون الاتحاد الافريقي .
النظام الجزائري والجزائر ، لا ولن ينسوا حرب الرمال في سنة 1963 التي يتذكرونها بمرارة ، كما لم ينسوا اغلاق الحدود في بداية تسعينات القرن الماضي ، ولا يمكن ان يهضموا المطالب التي تنبع من هنا وهناك باسترداد الصحراء الشرقية ( شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال ) .
ان قرار اغلاق ادريس البصري للحدود وكان خطأ قاتلا ، كان في وقت عصيب تمر به الجزائر ، حيث الحرب الاهلية بين الإسلاميين والجيش كانت على اشدها . ان اغلاق الحدود في تلك الفترة ، اعتبره النظام الجزائري ، بمثابة تشفي ، ونشوة ، وانتقام ، ودعم للحرب على حساب استقرار الجزائر، ونظامها المعادي لمغربية الصحراء . وهنا لا ننسى خطاب الحسن الثاني حين قال ، لو كنت انا مثلهم ، أي يقصد النظام الجزائري ، لتركتهم يحكمون، أي الاسلاميون لتعرية شعاراتهم ، حتى اذا فشلوا فان الانتخابات التي جاءت بهم ، هي نفسها ستبعدهم .
لكن الحسن الثاني نسي او تناسى ، المحن التي مرت بها ومنها جماعة العدل والاحسان في نفس الفترة ، كما تجاهل كون استغلال الاسلاميين للديمقراطية الانتخابوية ، نهايته الانقلاب عليها عندما يتمكنوا من المؤسسات ، وتكون النهاية بناء نظام اسلاموي فاشي على حساب الدولة . فالجزائريون فهموا من خطاب الملك ، الدعوة لخلق افغانستان ثانية بشمال افريقيا ، حيث ان لهيبها في ما لو نجحت ، سوف لن تبقى داخل حدود الجزائر ، بل ان شظاياها ستعم المنطقة ، ومن بينها المغرب .
فهل الجزائر بليدة لينطلي عليها خطاب ركز كل حلوله على الحكم الذاتي دون غيره من الحلول التي تطالب بها اطراف النزاع ، وخاصة وان تخلي النظام الجزائري عن اختياراته بالاستفتاء وتقرير المصير ، يعني إعدامه ، لان السؤال هنا ما الجدوى من خسارة معركة عمّررت لأكثر من ثلاثة وأربعين سنة خلت ، إذا كانت ستناصر حل الحكم الذاتي الذي فشل قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ؟
ثم هل الجزائر المزهوة بنجاح دبلوماسيتها التي اقنعت العالم ، ومنه الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومجلس الامن ، والاتحاد الأوربي ، بحل الاستفتاء كحل ديمقراطي ينص عليه الميثاق الاممي ، وخاصة وان عيونها عند استقلال الصحراء ، وبناء الدولة الفدرالية ، او الكنفدرالية ، او المندمجة ، ستكون حدودها مع المحيط الأطلسي .... ، ستقبل باقتراح الملك لفتح مفاوضات حول الحكم الذاتي ، وهو النظام المهدد بالاختناق وبالسقوط في حالة استقلت الصحراء ؟
الجزائر المدركة بعزلة النظام في قضية الصحراء ، سوف لن ترد على دعوة محمد السادس ، لأنه بالنسبة لها ، قضية نزاع الصحراء الغربية ، هو نزاع بين الجمهورية الصحراوية وبين النظام المغربي ، وليس بين هذا وبين الجزائر . بل ومما يرجح هذا الموقف ، ان الجزائر تعتبر ان أي حل ، هو بيد الأمم المتحدة التي تمسك الملف منذ 1960 ، وبيد مجلس الامن الذي يتولاه منذ 1975 .


لقد فشل النظام المغربي عندما اصبح عضوا بالاتحاد الافريقي ، بعد ان اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، في النجاح في تقليص نفوذ الجمهورية الصحراوية ، حتى لا نقول طردها من الاتحاد ، بحيث كلما حاول النظام عرقلة حضور الجمهورية في لقاء دولي ، كلما تمسك الافارقة بالجمهورية ، رغم ملايير الدولارات التي وزعت من أموال الشعب المغربي ، لشراء المواقف والذمم ، التي لم تزد الاّ تباعدا عن موقف النظام المتذبذب من النزاع .
انه نفس الفشل ستخيم معالمه على الخطاب الملكي ، الذي بدا متسولا اكثر ، إزاء جار بقدر ما ينظر الى مصالح استراتيجية من خلال نزاع الصحراء ، بقدر ما يضبط توقعات سياساته ، سواء على المستوى القاري الذي يعترف بالجمهورية الصحراوية ، او على المستوى الدولي الذي لا يعترف بمغربية الصحراء ، او على مستوى الأمم المتحدة من الجمعية العامة ، الى مجلس الامن اللذان ينصان في كل قراراتهما فقط على الاستفتاء وتقرير المصير ، بل ان ما زاد النظام الجزائري قناعة بمواقفه المؤيدة دوليا ، هو عدم اعتراف الاتحاد الأوربي ، ومنه محكمة العدل الاوربية بمغربية الصحراء .
فهل الجزائر المنتصرة دوليا وامميا ، بفضل دبلوماسيتها الرزينة والثابتة ، ستنصت الى خطاب التودد الملكي الذي سيكون في حال قبول الجزائر به ، ضربة قاضية لوجود نظامها ؟ شيء لا يمكن لعقل سليم تصوره .
ان الصراع حول الصحراء ، هو صراع بين الأنظمة من اجل الاستئثار ، والنفود ، والسطوة ، والجاه ، ومن اجل الثروة المتنوعة ، من فوسفاط ، واسماك ، وبحار ، ومعادن مختلفة . اما الشعوب الفقيرة والمفقرة ، فهي وقود هذه الحرب وبنزينها ، لأنهم هم من يُمول الحرب بالضرائب المختلفة ، وبرفع الأسعار المهول ، وبالجنود الذين يستشهدون في الصحراء ، ويؤسرون ، ويرابطون ليل نهار وطيلة الفصول الأربعة ، لكي تغتني الأنظمة والحكام بطرق غير مشروعة ، وصلت الى حد تهريب العملة الصعبة ، والذهب الملفوف بالفضة الى الخارج .
الخطاب الملكي سيبقى صيحة في واد ، والجزائر لن تجيب عليه ، بل ستتصرف و كأنها لم تسمع به ابدا ، وهذا يعني ان الحدود لن تفتح ابدا ، طالما ان مشكل الصحراء لم يتم حله طبقا لقرارات الأمم المتحدة ، وان اية مفاوضات مع النظام المغربي ، وخارج المشروعية الدولية ، لن تعرف طريقها الى التنفيذ . ان الباب الوحيد الذي تشجع الجزائر هو طرق أبواب المجتمع الدولي ، من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومجلس الامن .
ان النظام الجزائري المدرك بعزلة النظام المغربي دوليا في قضية الصحراء ، لن يقبل ابدا ان يكون كبشاً لتكسير تلك العزلة الدولية ، وعزلة الشعب الداخلية ، بسبب ملف حقوق الانسان ، وملف الديمقراطية .
ان نظام الجزائر المدرك لأسباب ودواعي تليين النظام المغربي لخطابه ، واستعماله النعومة والكياسة في مخاطبة الجزائر ، بعد ان كانت خطاباته السابقة ازاءها ذات نبرة متعالية ، وحازمة ، وفي العديد من الأحيان اكثر من قاسية ، يدرك ورطة النظام المغربي الدولية ، ويدرك التخبط الذي تخبطت فيه دبلوماسيته المتهالكة والفاشلة ، والمبنية على الترضيات ، وشراء الذمم ، والبحث عن اللّوبيات المختلفة في الأوساط الامريكية والاوربية ، التي بدقر ما ابتلعت اكثر من أموال الشعب المغربي الفقير والمفقر ، بقدر ما خذلت النظام في دفاعها الهجين المفضوح التي افتضح على مستويات متعددة ، عن مصالحه .
قضية الصحراء الغربية ، هي قضية أنظمة سياسية متصارعة على الاستحواذ ، والهيمنة ، ومتصارعة على الثروات المختلفة . وخطاب الملك محمد السادس ، العارف ، والواعي بالمصير المحتوم الذي ينتظره إذا أضاع الصحراء ، توجه بالخطاب مباشرة الى نظام غريم يتحين كل فرصة سانحة لتوجيه ضربته القاضية الى عمق النظام المغربي ، من جهة بالقضاء عليه كمنافس إقليمي ، ومن جهة كإرث ثقيل الحمولة لم يسبق كانت له انْ كانت له علاقة طبيعية معه منذ ستينات القرن الماضي .
لذا لا أتوقع ابدا ان تتململ الجزائر لهذا الخطاب ، بل انها ستتصرف وكأنها لم تسمعه ابدا ، لأنه لا يعنيها في شيء ، وسيما وان نزاع قضية الصحراء ، هو قضية مصير أنظمة سياسية متصارعة ، وان أي نظام يخسر قضيته سيخسر أوتوماتيكيا نظامه .
الخلاصة المستنتجة من هذا التحليل الخارج عن تحليلات ابواق النظام ، ان الجزائر لن تفتح حدودها ابدا ، لأنها ليست هي المستفيد من إعادة فتحها من جهة ، ومن جهة تعتبر ان توقيت اغلاق الحدود في بداية التسعينات ، كان مقصودا لإضعاف الجزائر التي كانت تخوض حربا أهلية ، ومن جهة ، وما دام الصراع هو بين الأنظمة ، فان إعادة فتح الحدود سيستفيد منه النظام المغربي وليس النظام الجزائري ، وهنا الجزائر المدركة بهذه الحقيقة ستتشدد في إجراءات الاغلاق الى ان يتم استقلال الصحراء عن المغرب .
اما الدخول مع الجزائر في مفاوضات ، ستكون عقيمة بسبب ان اصلها هو الصحراء بفرض حل الحكم الذاتي ، فهذا سيكون من ضروب المستحيلات ، والجزائر لن تنطلي عليها مثل هكذا خرجات ناعمة ، لأنها تعتبر نفسها غير معنية بالنزاع الدائر بالمنطقة ، كما تعتبر ان الجهة التي يجب على النظام المغربي التوجه لها قصد المفاوضات ، تبقى الأمم المتحدة ، ومجلس الامن ، واحترام المشروعية الدولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا