الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على طريق السلام ووحدة العالم 1-3

راندا شوقى الحمامصى

2018 / 11 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يكشف لنا التاريخ حتى الآن كُنه حياة الإنسان الأول لانعدام عنصر التدوين ,رغم الأبحاث المستمرة والكشوف الأثرية المتعددة . لكنه على الأرجح بدأ حياته فى إحدى البقاع من الأرض ومنها انتشرت ذراريه فى جماعات صغيرة الى بقاع أخرى , وبتوالى الزمن اتسعت حاجات الإنسان وزادت مطامحه وتطلع الى توفير أحسن الطرز لحياته بُغية الراحة والهناء , ولوكان ذلك على حساب غيره من بنى جنسه...
وآنذاك فقط بدأت البشرية طور التدافع وحياة الأطماع والتنازع.
وقد تدرجت حلقات الحياة فمن طور الأسرة الى طور القبيلة ... الى الأمة ... الى الدولة ... سواء أكانت دولة مدينة , او دولة جامعة, او دولة إمبراطورية .
ويبدو ان تعدد مطالب الحياة وتشعب مشاكلها دفع أولئك الذين تجمعهم مصالح متشابهة الى الارتباط فى شكل حضارى موحد, والنضال فى سبيل إصلاح مجتمعهم وإن أضر ذلك بغيرهم من المجتمعات.
ونما التطاحن بمرور الزمن وتطور وتضخم ،وابرز صورة الخلافات التى سادت بين الأمم فى القرن العشرين وكانت نتيجتها حربين عالميتين متتاليتين لم يشهد التاريخ مثلهما فظاعة فى ضروب التقتيل والتدمير وخلَّفا عَالمَاً يائساً مُشوشاً عليلاً . واصبح إنسان هذا القرن مخلوقاً قاتماً هزيلاً.
لقد ظلت الإنسانية تعيش فى ظلام وتخبط على مدى قرون عدة لولا ذلك الضوء النورانى الذى كشف الحجب وسطع فى الأفق,,,ذلك الضوء الذى انبعث تباعاً من رسل الله وأنبيائه…
وهم ولاشك مُعلمو الإنسانية الأُول وقادتها المُبرَزون .
وحاملو مشاعل الحق والحرية ومبددو ظلام الجهل والعبودية.
ومما لامِرية فيه انهم لم يألوا جَهداً فى سبيل نشر دعواتهم والعمل على الارتقاء البشرى .
بل وبذل النفس والنفيس لتحقيق أهدافهم العليا ومُثُلِهم الرفيعة، ولطالما بشروا الناس بيوم موعود...فيه يتجدد العالم ويتحقق السلام ويأتى الملكوت الإلهى .
ويصير العالم أمة واحدة ويعمل الكل لهدف واحد ويعبدون ربـاً واحداً...وهو الله جل شأنه.
كما تنبأوا بظهور موعود الأمم الرجل الإلهى الذى يبلغ رسالة الله الجديدة الى الناس ويبنى عالم المستقبل بل ويكون هو نفسه نقطة البدء فى حضارة العالم المنشود.
ولم يخل تاريخ الإنسانية من مصابيح أخرى باهرة تلكُم هى الفلاسفة والمفكرون والمصلحون .
وان كانوا نفراً قليلا إلا ان أفكارهم لمعت وسط الظلمة وتحملوا المشاق فى سبيل نشر آرائهم الحرة وأفكارهم الإصلاحية الصادرة عن نفوس صافية يهزها شعورها العميق نحو إخوانها فى شجرة البشرية.
وقد تخيل كثير منهم - كحل لمشاكل الإنسان العتيدة - نوعاً من المدن الفاضلة أو اليوتوبيات.
وهم وان اختلفوا فى التفاصيل فقد اتحدوا فى اللب ناشدين عالمَاً ترفرف عليه ألوية السلام ويتمتع بالطمأنينة والوئام، وانتشر هؤلاء المصلحون - على قلتهم - عبر التاريخ فى الشرق والغرب منادين بدعواتهم فى محيطهم الخاص وقدر لهذه الآراء الانتشار بين شعوب كثيرة وامم شتى.
وكان لها كبير الأثر فى بعض النفوس المتعطشة للسلام فنشأت بعض الجماعات العالمية والجمعيات الدولية ساعية نحو الوحدة وازداد هذا النشاط فى القرن الحالى خاصة بعد الحرب العالمية الأخيرة.
ومما لاشك فيه ان مطالب الحياة الجديدة الواسعة التى تجلت فى القرن العشرين تدفع الإنسان للعمل على الاتحاد وبأوسع معانيه, بخطى ثابته وطيدة , فتقدم طرق المواصلات تقدماً عظيماً قهر المسافات , بل ألغاها وجعل العالم وكأنه (مدينة كبرى) .
ومن هنا فقد اصبح لزاماً على البشر ان يبحثوا عن حل يُؤَمِّن سلامتهم ويهيئ لهم معيشة مطمئنة وحياة رغدة.
فازدياد حاجات العصر وتعدد مطالبه ومشاكله دفع أولئك الذين يردون تحقق أمانى السلام والوحدة العالمية الى العمل الدؤوب فى هذا السبيل .
ومنهم مفكرون عالميون يدعون الى الوحدة العالمية والسلام العام والأخذ بأسباب الإصلاح لكافة البشر.
من هؤلاء المفكرين الذين يمارسون موضوع مستقبل الإنسان(الدوس هاكسلى) الأديب والناقد والمتصوف. وهو وافر الثقافة واسع الإطلاع مُتوقد الذهن وله عقلية وثَّابة أحاطت بتاريخ العالم قديمه وحديثه، وهو ممن ينظرون الى المستقبل ويقدرون مصير الإنسان ولكنه لا يأتمن العلم وحده على مصير الأفراد والجماعات. العلم الذى يخلق من الناس آلات صماء هى أسيرة لنظام ميكانيكى جامد .
ولا سبيل الى هداية الإنسان إلا أن يتوجه الى السلام فى عالم الروح.
ولاينسى هاكسلى رأى الماديين فى ان الإنسان مجموعة من الاحساسات ولكنه يسأل...
ماالذى جعلها وركبها فى هذه الصورة البشرية. تلك الوحدة هى شئ من عالم الروح، وهى على اتصال بالروح الكلى الذى تقوم به الموجودات، والغاية القصوى ان يعقد المرء الصلة بين قبسه الروحانى وبين الروح الكلى الذي لاتخلو منه حياة
وقد قسم طريق الوصول الى هذه النتيجة الى ثلاثة ابواب
الباب الأعلـى : هو باب التأمل والنظر
الباب الأدنـى : وهو باب الزهد
الباب الأوسط : وهو باب الرياضة الروحية والديانة الصوفية
وان المرء ليصل الى الحقيقة الإلهية , ولو لم يكن من الفلاسفة والعلماء , لان استعداد طلب هذه الحقيقة الإلهية وهذه الحقيقة هو الحب ونقاء القلب والوداعة والصفاء.
وخلاصة قوله ان المرء حين ينحصر فى حدوده ويشتغل بشهواته ومطامعه تقوم الحجب بينه وبين الروح الكلى الذى يعم الأكوان ولا يخص الأفراد والجزئيات، فإذا خرج الإنسان من جزئياته وروَّض نفسه على الحب يسبب له ذلك ، الاتصال الذى يشفيه من داء الإنفصال. وبالدعة وتحطيم الكبرياء يلتقى بالعالم ولا يحجبه عنه سور، وينقى قلبه فلا يطويه على شئ ينعزل به عن البصائر والأبصار.
ومعنى ذلك ان يحيا افضل مما هو وان يتسلط بالجوهر الإنسانى فيه على الطبائع الحيوانية.
وليس فى ذلك تضحية بترك الصفات المبتذلة فى سبيل الكمال المنشود فإن الروح أقوى من الجسد وأقدر على تطويقه، ومن الجائز ان يهتدى السالك الى الروح الكلى على يد المرشدين والعظماء من العارفين , ولكن لابد للوصول من ان يعتمد على بصيرته ووجدانه.
وهو يقول ان هناك طريقاً الى الحقيقة الإلهية من داخل النفس..من داخل العالم وجواهره وأعراضه , فإذا اتفقت الطريقتان فهو المنهج السديد للوصول، وهو يفرق بين طلب البقاء وطلب الحقيقة الإلهية لان الحقيقة حضور سرمدى لاينحصر فى زمان ولامكان.أما البقاء ففى قبضة الزمان انتـقال من حال الى حـال.
هذه خلاصة موجزة من ناحية التصوف الحديث فى كتابات هذا الكاتب العالمى، والعجيب ان تستولى هذه الحكمة الصوفية عليه فى هذا العصر المادى، ويؤخذ من نزعة هاكسلى ان الحقائق المادية غير ثابتة وان احق الناس بالعرفان أولئك الذين نظروا الى الكون بعين الباطن قبل النظر إليه بعين الظاهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24