الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسانُ أحمقٌ شِرِّير: الحرب العالمية الأولى!

سعدون الركابي

2018 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



قبلَ مِئةَ سنةٍ بالتمامِ و الكمال و في يوم 11/11/1918, توَقَّفت مدافعُ أسوءِ حربٍ كونيةٍ تَعَرَّضت لها البشرية, هي الحرب العالمية الأولى. و التي تُعتبرُ أسوءُ حتى من الحرب العالمية الثانية, في مدى الدمار الهائل الذي سبَّبَتهُ و خلَّفته و راءها في أوروبا و بقيةِ أنحاء المعمورة, و بسببِ التغييرات الجيوسياسية الكبرى في جغرافيا و تأريخ العالمِ كُلِّهِ. رغمَ إنَّ ضحايا الحرب العالمية الثانية أثناء الحرب و بعدها, هم أكثرُ عدَدآ, كما إنَّ الدمار الذي خلَّفتهُ الحرب العالمية الثانية عظيمٌ جِدّآ! إذ شاركَ في هذهِ الحرب الكونية محوَرانِ رئيسيان, و هما: أولآ: الحلفاء, و هم: أمبراطورية روسيا القيصرية و إمبراطورية بريطانيا العظمى و مستعمراتها و فرنسا و مستعمراتها و مَملَكة صربيا و مملكة رومانيا و إيطاليا و الولايات المُتَّحِدة و اليابان. ثانيآ: دول المحور, و تَضُّمُ كُلٌ مِن: الإمبراطورية النمساوية الهنغارية, و الإمبراطورية الألمانية, و الإمبراطورية العثمانية و مَملَكة بلغاريا. و لقد جُنِّدَ في هذهِ الحرب الكونية, أكثر من 70 مليون إنسان, بين جنودٍ مُقاتلين, و بين مدنيين يدعمونهم بمستلزمات القتال. و لقى مصرعهم في تلك الحرب الكونية, أكثر من عشرةِ ملايين عسكري و أكثر من تسعةِ ملايين مدني, عدا الجرحى و المُعوَّقين. بينما أدت تلك الحرب الى إنتشار الأوبئةِ و الأمراض الفتاكة, التي راح ضحيتها حوالي 100 مليون إنسان في العالمِ كُلِّهِ, أثناء فترة الحرب أو في السنوات اللاحقة! و لقد إنتهت تلك الحرب في مِثلِ هذا اليوم من سنةِ 1918, بعد أن إستمرت حوالي الثلاث سنوات و نصف و ذلك مُنذُ صيفِ سنة 1914, إنتهت بإستسلامِ " محورِ " دول المحوَّر و إنتصار الحلفاء. و كان من أبرزِ نتائجها الجيوستراتيجية المُهمةِ و التي غيَّرَت وجه العالم رأسآ على عقب: 1. سقوط و تفكُّك الأمبراطورية النمساوية الهنغارية. 2. سقوط و تفكُّك الأمبراطورية العثمانية, و نهب و تقاسم مستعمراتها بين بريطانيا و فرنسا, عدا مركزها المُتمثِّل بتركيا الحالية. 3. سقوط حكم الإمبراطورية القيصرية على يدِ بلاشفةِ لينين بثورةِ إكتوبر الشيوعية سنة 1917. و قتلِ العائلة القيصرية الحاكمة بمذبحةٍ دنيئة, على يدِ الثوار الشيوعيين ( ملاحظة: تكَرَّرت مثل هذهِ المذبحة القذرة, بحقِ العائلة المالكة في العراق, بعد ثورة 14 تموز سنة 1958). و على ذِكرِ ثورة إكتوبر الشيوعية, يُقال ( التأريخ يقول ) بأنَّ البلاشفة بقيادةِ لينين, جاءوا في قطارٍ ألماني, بمؤامرةٍ ألمانية, أي إنَهم كانوا مُجردَ عُملاءٍ للألمان. و ذلك للإنقلابِ على القيصر و حكمهِ, و إيقاف مُشاركةِ روسيا القيصرية في الحربِ العالمية لصالح الحلفاء ضِدَّ دولِ المحور, و التي تُعتبرُ ألمانيا محورآ رئيسيآ فيها. و إضعافِ جناح الحلفاء الأيسر. و هذا ما فعلهُ الشيوعيون بالفعل. إذ لم يكتفوا بسحب روسيا من الحرب لصالحِ دول الحلفاء و السماح للألمان بسحب قواتهم من الشرق لقتال الحلفاء بالغرب, بل و دفعوا تعويضاتٍ هائلةً لألمانيا و سَلَّموها مساحاتٍ شاسعةً من أراضي الأمبراطورية القيصرية دون مُبَرِّرٍ قاهر. 4. تدمير ألمانيا و فرضِ عقوباتٍ هائلةٍ عليها و تقليمِ حدودها و نهبِ و تقاسمِ مستعمراتها في أفريقيا و جنوبِ شرقِ أسيا. و هذا هوَ السبب الرئيسي لأندلاع الحرب العالمية الثانية بعدَ 21 سنة من نهاية الحرب العالمية الأولى. 5. إتساع رقعة الأمبراطورية البريطانية و الإمبراطورية الفرنسية. 6. إتساع رقعة الأمبراطورية اليابانية في شرقِ أسيا. و ظهورِ إيطاليا كدولةٍ إستعمارية, و ذلك بإحتلالها لليبيا و للحبشة و الصومال و أريتيريا. 7. خروج الولايات المُتَّحدة الى خارج حدودها و بروزها كقوَّةً إستعماريةٍ صاعدة.
الشيء المُثير في تلكَ الحرب الكونية, و الذي يُثبت إن الإنسانَ هو شِرّيرٌ أرعن بطبعهِ, هو ليس كُلُّ ذلك الدمار الهائل الذي تركتهُ تلكَ الحرب المجنونة, بل السبب المُباشر و التافه و المُضحك جدآ و الذي أشعلَ فتيل الحرب العالمية الأولى. رغمَ إنَّ ذلكَ السبب, كان فقط الشرارة التي أشعلت النار أو أطلقت الطلقةَ الأولى للحرب, بينما كانت الأسباب الحقيقية, هي في الصراعات المُتراكمةِ الظاهرةِ و الخفيَّة بين الأمبراطوريات الإستعمارية المُتنافسة في أوروبا بصورة خاصة. إذ يمكن إعتبار إنَّ اوروبا, و مُنذُ القرون الوسطى و حتى نهاية الحرب العالمية الثانية, هي النجم المُهيمن على العالمِ كُلِّهِ و قلبهُ النابض.
السبب الذي أشعلَ الحرب العالمية الأولى هوَ, مقتلُ و لي عهد الأمبراطوريةِ النمساوية و زوجتهِ على يدِ مُتَطَرِّفٍ صربي. و هوَ شابٌ مُتهَوِّرٌ و مريضٌ بالسلِّ و السُكَّر. و ذلك خلالِ زيارتهما ( ولي عهد النمسا و زوجتهُ ) الى منطقة البوسنيا ذات الأغلبية المُسلمة و التي كانت جزءآ من الأمبراطورية النمساوية. بينما كانت مَملكةُ صربيا في حالةٍ من العداء معَ الإمبراطورية النمساوية. و الطريف, إنَّ عمليةَ أغتيال الدوق النمساوي و لي العهد, إشتركَ فيها مجموعةٌ من الطلبةِ الصرب المُعادين للنمسا الموجودين في البوسنيا و المدعومين من دولتهم الأم, مملكةِ صربيا. إذ تعرَّض الدوق في البدايةِ لإلقاءِ قنبلةٍ نجى منها بأعجوبة. إذ أمسكَ الدوقُ بالقنبلةِ بنفسهِ و رماها بعيدآ عنهُ و عن زوجتهِ. و بدلآ من تشديد الإجراءات الأمنية حول الدوق من قبلِ جنودهِ المتواجدين في مدينة سرايفو عاصمة البوسنيا و من ثُمَّ العودة الى عاصمة إمبراطوريتهِ فيينا, إستمرَ الدوق و زوجتهُ بالتجوِّلِ في شوارعِ سراييفو, الى أن عاجلهُ ذلكَ الشاب الصربي و زوجتهُ برصاصتين قاتلتين. طبعآ هذا هو قدرهُ الذي جعلهُ يرفض الإمتثالِ لحرسهِ و إستمر بالتسكُّعِ في شوارعِ سراييفو. و سوءُ حظِّ العالمِ كُلِّهِ و حظِّ مئاتِ الملايين من البشرالذين راحوا ضحايا بسببِ مقتلِ هذا الدوق و زوجتهِ. و لقد طالبت الأمبراطوريةُ النمساوية مَملكةَ صربيا بتسليمِ القاتل و مَن كان وراءهُ, فرفضت صربيا ذلك الطلب المشروع. الأمر الذي إعتبرتهُ النمسا إعتداءآ سافرآ على كرامتها من قِبلِ المملكةِ الصربية, خاصةً و إنَّ التحقيقات أثبتت بأنَّ حكومةَ صربيا هي التي دفعت بالقتلةِ لإرتكابِ جريمتهم الرعناء تلك.. فأعلنت النمسا الحرب على صربيا, و وقفت بجانبها كُلٌّ من الأمبراطورية الألمانية و كذلك الإمبراطورية العثمانية, و مَملكةُ بلغاريا, رغم إنَّ بلغاريا هي دولةٌ سلافيةُ القومية و كذلك صربيا هي سلافيةُ القوميةِ أيضآ! رُبَّما طغت المصالح على القوميةِ, كحالِ العرب اليوم! مُكوِّنين بذلكَ حلفآ سُمَّي بحلفِ دول المحور. بينما ساند الصرب كُلٌّ من: الأمبراطورية القيصرية الروسية السلافية و الأمبراطورية البريطانية والأمبراطورية الفرنسية. و فيما بعد, الولايات المُتَّحدة و رومانيا و إيطاليا و اليابان. عِلمآ بأنّ إيطاليا و اليابان, أصبحتا بجانب ألمانيا في الحربِ العالمية الثانية. و ضد دول الحلفاء سابقة الذكر, بينما كان الأتحاد السوفيتي جناح الحلفاء الأيسر, بل كانَ القوّةُ الرئيسيةُ في جبهة الحلفاء و التي تَحَمّّلت معظم خسائر الحرب العالمية الثانية. و لولا الإتحاد السوفيتي, لكان مصيرُ الحرب العالمية الثانية مُختلفآ تمامآ! أريتم, كيفَ يُدَمَّرُ الكون من أجلِ فتىً مجنون و فوقَ ذلكَ مريض بالسل. و الطريف, إنّ ذلك الشابَ الذي قتل وليَ عهدِ النمسا و الذي إندلعت بسببهِ الحربُ العالمية الثانية, مات مُتأثرآ بمرض السل و السُكَّر الذي يُعاني منهما. و ذلكَ بعد سنتين من الحادثة, بينما كانَ يقبعُ في السجنِ في دولتهِ صربيا. بفي الوقت الذي كانت فيهِ الحرب العالمية تطحنُ العالمَ طحنآ و تُمزِّقُ الامبراطورياتِ و الدولَ إربآ إربآ!! أودُّ الإشارةَ هُنا, بإنَّ أهلَ البوسنيا المسلمين, كانوا قد تَعَرَّضوا للمذابح و الإبادةِ على يدِ الصرب, أثناء تلكَ الحرب و بعدها. و ذلك لإتهامهم من قِبلِ الصرب, بأنَّهم كانوا حُلفاءآ للنمسا و ألمانيا, حالهم في ذلكَ حالَ الدولة العثمانية. ثُمَّ تَعَرَّضوا للإبادةِ على يدِ الصرب و الكروات بعدَ عقودٍ من ذلكَ. و ذلكَ بعدَ تَفَكُّكِ يوغسلافيا في بدايةِ التسعينيات. علمآ بأنَّ المسلمين يُشكِّلون الأغلبية في البوسنيا, بينما يُشاركهم العيش جنبآ الى جنب في البوسنيا, الصرب و الكروات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل