الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(كلمات)

سلام محمد المزوغي

2018 / 11 / 14
الادب والفن


صديقتي اللاأدرية تعرف تفاصيلا أكثر بكثير من الذي سيقال.. لا تزال تغار من الموتى وهي معذورة في ذلك..
عندما كنت عربيا مسلما بالاسم، كنت أحب فأحببت امرأتين كنت أراهما شمس نهاري وقمر ليلي، الشمس كانت أصل النور لكن القمر لم يقل عنها قيمة وتأثيرا في كل نفس كنت أراه منهما وإليهما.. رحل القمر ولم ترحل الشمس..
اللعنة على ذلك اليوم الذي فكرت فيه وواجهت، لم أكن يوما جبانا لأهرب من المواجهة.. لكني تمنيت لو كنت جبانا يومها.. لو كنت جبانا ما كنت ألحدت بكل شيء عشته، بكل شيء حتى بحبي لشمسي.. لم يعد عندي مكان لأحب أي شيء يتحرك.. حي.. لكن المكان كله أخذه حب الأموات.. قمري وبلدي.. ليتني بقيت كما كنت، كنت سأستطيع أن أحب صديقتي اللاأدرية.. أروع امرأة على سطح الأرض قبل شمسي لكن بعد قمري وبلدي.... أعتذر.

الكلام عن قمري الذي رحل دون عودة، المرأة الوحيدة التي أستطيع اليوم أن أقول أني "أحببتها، أحبها وسأحبها إلى الأبد".. كما غنى كابرال.. المرأة الوحيدة التي لن أغفر لها رحيلها بغباء، بحماقة، بجهالة.. الدين وثقافته أخذاها مني.. "شهيدة" يصفونها لأنها وهبت الحياة قبل الرحيل.. لا أزال لم أقبل رحيلها ولم أستطع قبول ابنها وأشعر بألم عظيم وبجرح ينزف أكثر وأكثر كلما سمعته يناديني "خالي".. المسكين لا ذنب له لكني لا أزال لا أستطيع ولا أظن أني سأستطيع يوما.. عمره اليوم 16 سنة....

في ذلك الريف كلما التقينا في عطلة نهاية أسبوع، كنا نمضي أغلب الوقت معا، كانت تدخن وكنت أدخن..
غريب كيف لم يعاقبني أحد وقد علموا أني أدخن منذ السادسة ابتدائي أي في عمر الحادية عشرة، يوم سمع أبي قال لي "إن سمعت بك مرة أخرى تدخن سأعاقبك" وسكت! ومنذ ذلك اليوم وأبي يسمع ويقال له أن ابنه يدخن لكنه لم يفعل شيئا.. حتى صفعة صغيرة لم أتلقى منه..
أما أمي فكانت "البنك الممول"، الوحيدة التي تعودتُ أن أستلم منها "المصروف".. لا أذكر أني أخذت مليما واحدا من أبي طوال حياتي؛ كان يعطي لأمي وهي تعطيني وعندما سمع بقصة التدخين وبعد أن هددني بالعقاب.. لم ينقطع عني التمويل! سنة 1989 كان مصروفي في الأسبوع دينار.. كان مبلغا ضخما وقتها يتجاوز حاجيات تلميذ ابتدائية من المفروض أنه لا يحتاج أي مليم...
لا أزال إلى اليوم أمازح الوالد والوالدة وأقول لهما أني ومع تلك الحرية العجيبة الغريبة التي عشتها من المفروض أن أكون اليوم بائع زطلة أو منحرفا "فَارْ حْبُوسَاتْ"..
"في الخارجية"، شفع لي تفوقي الدراسي، والغريب أيضا هنا أن لا أحد اعتنى بي أو سألني يوما ماذا درستَ؟ وهل أعددتَ واجباتك؟.. أبي لم يتدخل في دراستي - إلى أن تخرجت - إلا مرتين عندما كنت في الخامسة من العمر، من المفروض يلزم تلميذ السنة الأولى ست سنوات إلا أن أبي قابل المدير وطلب منه قبولي في الخامسة فرفض المدير لكنه أصرّ ووصل حدّ تهديده أن "يُهَجِّجَهُ" من البْلَادْ وتعلته أن ابنه ذكي ويحفظ برنامج السنة الأولى من قراءة وحساب وغيره.. قبل المدير لكن أمل أبي خاب حيث كان ترتيبي في الثلاثي الأول 25 على 30.. المرة الثانية التي تدخّل فيها أبي كان بعد تلك النتيجة المخزية، حيث ذهب للمعلم وقال له أن ابني ذكي وقال أنك معلم "مْصَطِّكْ" (= غبي) لا تعرف التدريس ويجب عليك أن تعرف كيف تتعامل معه.. أبي كان على حق أن ابنه "ذكي"، لكنه لم يفهم أني أمضيت كل الوقت ألعب وأتعارك مع الصبية مستهترا بالقسم وبما يقول المعلم.. المعلم الذي عرف كيف يعتني بي وفهم جيدا نفسية طفل لا يعرف إلا اللهو واللعب، حتى أحببته وأحببت الفصل ووصل الأمر بمعلمي إلى أن يأخذني معه لمنزله لألعب مع ابنته وأفطر معه ومع زوجته وابنته التي كان عمرها أربع سنوات.. ربما لولا ذلك المعلم ما كنت تجاوزت المدرسة.. أهديه سلامي وامتناني واحترامي.. منذ الثلاثي الثاني أصبحت الاول في القسم واستمر ذلك كل سنوات الابتدائية. لذلك لم يهتم أحد لدراستي يوما لأن الأمر عند أبي وأمي كان "تحصيل حاصل" و "مفروغا منه".
شفع لي تفوقي "في الداخلية"؛ حيث تلقيت تربية من أمي وكأني "ابنة" فتعلمتُ كل شيء حتى تكفلت وأنا في السادسة عشرة بالطبخ لكل أفراد العائلة الموسعة وكانوا كثيرين يومها، كانت أمي تراقب دون أن تقول شيئا وكان أبي بين الحين والحين يدخل المطبخ غاضبا ويقول لها أني سأفسد الفطور، كان كالامتحان كنت فيه التلميذ وكانت الأستاذة المراقب.. تعلمت تحضير العجين وطبخ خبز الطابونة والشعير والملاوي على الغَنَّايْ، تعلمت ذبح الدجاج و"تَرْيِيشَهُ" وكذلك الحمام والحجل والسمان والزرزور، الأرنب وسلخها وتحضيرها بالخل والقارص والزعتر والكليل وطبخها على الحطب، ذبح العلوش والبرشني وسلخه وتقطيعه، الكسكسي بالعلوش/ بالحوت، الملوخية، المقرونة، النواصر، الطاجين، الحلويات وخصوصا المقروض وكعك الورقة، عصيدة الزّْڤُوڤُو... تقريبا كل شيء تعرفه المائدة التونسية وفي كل المناسبات.. الحلويات تعلمتها أكثر من أختي، كنت أكره رحي الزّْڤُوڤُو الذي كان متعبا جدا وكنت أكره تحريك العصيدة ببطء فكنت لأغضبها أحركها بسرعة أو لا أقطع جيدا قطع البقلاوة أو أتعمد نسيان القلب في تمرة وأضعها مع باقي التمر الذي سيعجن للمقروض... كنت أغضب أمي أيضا أحيانا كأن أقطّع البصل وأضعه في الملوخية أو أضع الكمون في لحم العلوش المعد للشواء فتصرخ "حُوتْ رَدِّيتُو"!
أما مع أبي فقد نجحت في حب الأرض والفلاحة والحرث بالجرار وحصاد القمح والشعير مع الخدّامة إضافة إلى جمع الزيتون والذهاب معه للمعصرة والأهم من ذلك كله مرافقته في رحلات الصيد في الغابات المجاورة لنا لصيد الأرنب والحجل، تلك الجولات التي كانت تتخللها القصص عن الأجداد ونوادر أولاد البلاد.. رفض أبي السماح لي بإطلاق النار واستعمال "المَڤْرُونْ" حتى سن الخامسة عشرة، وكان يغضب مني كلما لم أصب أرنبا وتركته يفلتُ، تطلب مني تعلم التصويب قرابة السنتين أي في السابعة عشرة ومنذ ذلك الوقت سمح لي بالخروج للصيد بمفردي أو صحبة أختي....

كانت تدخن وكنت أدخن، كنا ندخن معا في غرفتي أو في غرفتها وكلما دخلت أمي أو أحد آخر كانت تظن أن الرائحة أنا مصدرها.. كنت أكره الأغاني التونسية والشرقية، كنت أميل للفرنسية وللإنكليزية وأقول على الأقل تحسن من إتقاني للغة جديدة بماذا سيفيدني "الغْنَى بِالعَرْبِي".. كانت تسمع مطربي الزمن الجميل، العمالقة، وكنت أسمع معها مجبرا لا مُحبا.. أذكر واحدة ليست من زمن العمالقة، كانت تحب لها أغنية واحدة.. رقصنا عليها مرات كثيرة حتى تعلمت كيف أرقص.. علمتني.. كانت تقول أرجو عندما تكبر ألا تتزوج وتبتعد فنصبح لا نلتقي إلا في المناسبات وكنت أقول لها أني لن أفعل وربما هي من ستتزوج وتتبع زوجها فتبتعد، كنت أهددها أنها إن فعلت سأفتك منها نصيبها من ميراثها وسأمنعها من العودة للبلاد.. كانت تضحك وأضحك.. وعدتْ ولم تفِ بوعدها، قال لها الأطباء أن الحمل فيه خطر كبير على حياتها، قال لها زوجها يكفينا بنت لا أريد غيرها.. لكنها رفضت لأنها كانت تريد ولدا وعندما حملت في أشهرها الأولى قالت أنها تشعر أن الله سيرزقها ولدا، وبعد أن علمت أنه ولد صدّقت أن إلهها قد استجاب لها.. إلهها أخذها عنده "شهيدة" كما تقول عقيدته التافهة ودينه القذر وأتباعه السذج.. الحقيقة التي بقت أنها وعدت أن تبقى لكنها لم تف بوعدها ورحلت.... أكره الكذب، أكره الوعود الزائفة لذلك أكره وأمقت كل كذاب يعد ولا يفي بوعوده.. لذلك أكره الأديان، لذلك أكره الله.. لذلك لا أستطيع أن أكذب وأعد صديقتي اللاأدرية وعودا زائفة.

https://www.youtube.com/watch?v=4csDpJtsBLw








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد