الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد بن سلمان على شفير الهاوية

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2018 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



أشرف الصراع على مصير وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، على نهاية مرحلته الحرجة الراهنة المتعلقة بجريمة اغتيال جمال خاشقجي. فكما أكّدنا مراراً على هذه الصفحات، يرتهن مصير الأمير أكثر ما يرتهن بموقف صاحب الأمر والنهي الحقيقي في شؤون المملكة السعودية، ألا وهو عرّابها الأمريكي. فإن مركز القرار الرئيسي في شتّى القضايا الحسّاسة التي تتعلق بالمملكة إنما هو واشنطن قبل الرياض، وهذا منذ أن اكتشفت الشركات الأمريكية مخزون النفط العظيم الذي احتوى عليه شرقي المملكة على ساحل الخليج، وكان ذلك في أواخر الثلاثينيات من القرن المنصرم.
وقد جاء اجتماع الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت بالملك عبد العزيز بن سعود في عام 1945، وروزفلت عائد من مؤتمر يالطا لتقاسم العالم بين الولايات المتحدة وحليفتها البريطانية من جهة، والاتحاد السوفييتي من الجهة الأخرى، جاء ذلك الاجتماع ليكرّس الوصاية التي سوف يمارسها مذّاك العملاق الأمريكي على المملكة. وقد شرع الأمريكيون آنذاك ببناء إحدى أهم قواعدهم الجوّية في الظهران، وسط حقول النفط على الساحل الخليجي. وبقيت الشركات الأمريكية تتصرّف بنفط المملكة لما زاد عن ثلاثة عقود، إلى أن اضطرت الرياض إلى مجاراة موجة التأميم التي أطلقتها الحكومات القومية العربية في بداية السبعينيات. أما وصاية واشنطن على مسار الحكم السعودي فلم تتبدّل مثلما لم يقلّ ارتهان أمن المملكة بحماية عرّابها الأمريكي، بل زاد مع تصاعد التهديد المتمثّل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لذا لا يُعقل أن يتولّى الحكم السعودي رجلٌ تقاطعه واشنطن. فلو قرّرت الإدارة الأمريكية مقاطعة بن سلمان لقضى ذلك على طموحاته وحتّم سقوطه، سواء أزاحه والده أو جرت إزاحته ووالده. والحال أن الوليّ جعل العهد مكروهاً برمّته لدى الغالبية العظمى من رجال العائلة الحاكمة السعودية، أبناء عبد العزيز وأحفاده. وقد أرسى الشاب الصلف محمد بن سلمان مناخاً من الرعب لدى أمراء العائلة الحاكمة، فارضاً على أغلبهم نوعاً من الإقامة الجبرية مسلّطاً سيف القمع فوق رؤوسهم. وقد تلذّذ سكّان المملكة لمشهد آل سعود يخضعون لمثل الإرهاب الذي يخضع له المواطنون العاديون باستمرار، وسرورهم مفهوم تماماً ولو كان قصير النظر إذ أن المستبدّ الأوحد أسوأ من تعدّد المستبدّين وحدّة الاستبداد تتناسب مع درجة تمركزه.

ولم تكن من الصدفة بالطبع أن الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان الأصغر منه بخمس سنوات، عاد إلى المملكة في الشهر الماضي في خضمّ قضية خاشقجي وبعد غياب زاد عن شهرين. ومن المعلوم أن أحمد هو أبرز الأمراء الثلاثة الذين تجرّأوا على رفض مبايعة الشاب محمد ولياً للعهد، ويفسّر جرأتهم اطمئنانهم النسبي إلى أن سلمان لن يسمح باعتقالهم (أحمد شقيق سلمان، وليس أخاه فحسب، فهما آخر السُديريين السبعة، أبناء حصة السديري). وإذ يقف سلمان على حافة القبر، يقف ابنه محمّد على شفير الهاوية، بعد أن ضعف موقفه إلى حدّ كبير ولم يعد متأكّداً من تولّي المُلك بعد والده حيث يقضي العُرف السعودي بمبايعة العائلة للملك الجديد حتى لو كان وليّ عهد الملك السابق.
هذا والسبب الرئيسي في إضعاف ابن سلمان إنما هو ضعضعة سيطرته على العمود الفقري للدولة السعودية الذي تشكّله أجهزتها المسلّحة، حالها في ذلك حال كافة الدول لاسيما القمعية منها والاستبدادية. فلا شكّ في أن اضطرار «النيابة العامة» السعودية إلى إطلاق التهم المرتبطة بعقوبة الإعدام على بعض رجال الأمن الأوفياء لوليّ العهد والأكثر قرباً منه، والعقوبات التي انهالت عليهم دولياً بما في ذلك من طرف واشنطن، هذه الأمور إنمّا عنت زعزعة قوية في ثقة الأجهزة المسلّحة بابن سلمان وبالتالي في تسلّطه عليها. ومن شأن الأحداث الأخيرة أن تجعل رجال الأجهزة يغلّبون الولاء للعائلة على الولاء للابن حيث غدت المراهنة على ديمومة هذا الأخير في السلطة مجازفة كبرى.
بقي العرّاب الأمريكي وبيده مصير حكم آل سعود. بيد أن هذا العرّاب ليس حكماً مطلقاً، فليس بوسع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانفراد بالموقف، وهو محدود في مشيئته بموازين القوى التي تتحكّم بالقرار الأمريكي. وقد احتدم الصراع في واشنطن بين فريق المدافعين عن ابن سلمان، وعلى رأسهم صهر ترامب جاريد كوشنر يقف خلفه شريكه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو، ويقف إلى جانبه مستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتن، المهووس بالعداء لإيران، هؤلاء من جهة، وفي الجهة المقابلة وكالة الاستخبارات المركزية التي أعلنت قناعتها بأن مسؤولية قتل جمال خاشقجي تقع على محمد بن سلمان، وقسم هام من المؤسسة الحاكمة الأمريكية سواء في السلطة التنفيذية (استقالت يوم الجمعة الماضي المسؤولة عن منطقة الخليج في مجلس الأمن القومي فيما دلّ على اختلافها مع بولتن في الموضوع السعودي)، أو في السلطة التشريعية (ولاسيما بعض الجمهوريين البارزين أمثال عضو مجلس الشيوخ ليندسي غراهام)، ناهيكم من «السلطة الرابعة» المتمثّلة بالإعلام.
وبينما نكتب هذه السطور ينتظر العالم إعلان ترامب عن موقفه النهائي في قضية اغتيال خاشقجي، وقد وعد يوم السبت الماضي بأنه سوف يعلنه يوم الثلاثاء بعد أن رفض التصديق على توجيه الاستخبارات الأمريكية التهمة إلى وليّ العهد السعودي. فلو رضخ ترامب لضغط المطالبين بتنحية بن سلمان، لانتهت ولاية هذا الأخير خلال أيام. وحتى لو أصرّ ترامب على تغطيته نزولاً عند رغبة كوشنر ونتنياهو، فسوف تستمرّ الحملة في واشنطن من أجل التخلّص من وليّ عهد يرى فيه معظم المعنيين شاباً متهوّراً لا يطمئنون له مسيّراً لشؤون إحدى أهم حلقات المنظومة الاستراتيجية الأمريكية. أما تحجّج ترامب بأن مصلحة أمريكا تقضي بالإبقاء على بن سلمان بالذات، فلا تنطلي على أحد إذ يعلم الجميع أن ارتهان المملكة بالولايات المتحدة من الثوابت التي لا يستطيع أي حاكم سعودي أن يحيد عنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة