الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملكية الدستورية هي الحل! لماذا؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ليس أمام دولة كليبيا من أجل الاستقرار سواء ثلاثة خيارات: إما العودة للملكية الدستورية البرلمانية مع تقليص صلاحيات الملك لصالح البرلمان، أو العودة لأحضان حكم العسكر، أو الانحلال والتفكك لمكونيها الأساسْين أي الجمهورية الطرابلسية وامارة برقة! .. غير هذا والله مضيعة للوقت والجهد والجري بالشعب في متهات الأوهام والضياع!
*********
لا شك أنه في تجارب الممالك الدستورية العربية (النشئة والنامية) التي أعقبت حقبة الاستقلال ابتداءً بالمملكة المصرية والعراقية ثم المملكة الليبية المتحدة (1951) وحاليًا الأردن والمغرب كان للملك صلاحيات واسعة كما لو أنها ممالك بنظام رئاسي لا برلماني!... ولكن تلك النماذج الناشئة للملكيات البرلمانية الناشئة التي اكتسحها تسونامي ثورات الربيع العربي الأول ودمرها (!!).. ذلك الربيع الذي قاده العسكر والحركات القومية الاشتراكية الوحدوية ثم تحول لخريف مخيف!!.. تظل تلك النماذج النامية بكل عيوبها أفضل من أمرين:
(1) الأول : أفضل من الملكيات والإمارات التقليدية شبه المطلقة وغير البرلمانية كما هو الحال في أغلب دول الخليج!.
(2) الثاني: أفضل من اكذوبة الجمهوريات العربية !.. والتي تحولت إلى جمهوريات واقطاعيات (وراثية) فاشلة، كما هو حال الجمهوريات التي اجتاحها تسونامي ما سُمي بالربيع العربي (الثاني) والذي كان وقوده ويقوده الاسلاميون!.

فأما أمر الممالك والامارات الخليجية التقليدية غير البرلمانية فأمر لا يحتاج لمناقشة (*) وأما أمر الجمهوريات العربية (الكاذبة) فهو ما يحتاج للمناقشة الواقعية والشجاعة إذ الحقيقة المرة لا يوجد بلد عربي جمهوري حتى الآن بشكل حقيقي ومستقر ومزدهر!، حتى دولة (لبنان) الأكثر تمدنًا وتحضرًا وانفتاحًا في العالم العربي بات بحكم الأمر الواقع ((جمهورية بمحاصصة طائفية وعائلية!)) أي بنخبة حاكمة متعددة الأقطاب!.. الأمر الذي يتم استنساخه حاليًا في (العراق) لتحقيق (التوازن والاستقرار) وهذا النموذج (جمهورية المحاصصة الطائفية) بكل عيوبه إلا أنه - عمليًا - أفضل مليون مرة من الجمهوريات العربية التي يحكمها (قُطب واحد)!!.. سواء أكان هذا (القطب) في صورة الرئيس الأبدي أو القائد التاريخي الفريد المدعوم من الجيش ورجال المخابرات كما هو حال جماهيرية القذافي ومبارك والأسد وصالح قبل الربيع العربي أو كحال جمهورية مصر وجمهورية الجزائر وجمهورية موريتانيا حاليًا، أو كان هذا (القطب) في صورة طائفة أو قبيلة أو عائلة حاكمة كحال جمهوريات سوريا ومصر وليبيا واليمن قبل ثورات الربيع العربي التي كانت تسير نحو التوريث المؤكد بقبول غربي (!!) أي لتصبح ككوريا وسوريا (جمهوريات وراثية!!!؟؟؟)... وتبقى جمهورية تونس التي كان يحكمها رجل المخابرات الأسبق (بن علي) وزوجته واليوم هاهي تحاول أن تكون جمهورية ديموقراطية حقيقية مستقرة كمحاولةٍ نادرة للحكم الجمهوري لكن ليس هناك ضمانات بأنها ستنجح!!، لذلك أنا شخصيًا بتُ أرى أننا نحتاج من باب الواقعية بل الضرورة لنظام ملكي برلماني دستوري يتمتع فيه الشعب بالاستقرار والازدهار وتتمتع فيه النخب السياسية بشيء من (الحرية النسبية) في التعبير السياسي والنشاط السياسي والحكم البرلماني على أمل تطوير هذا الحكم والارتقاء عبر العقود نحو المثال النموذجي للحكم الديموقراطي كما في أوروبا وهو أيضًا ليس بتلك الصورة الرومانسية والمثالية التي تعشش في عقول بعض النخب السياسية والمثقفة العربية المتنطعة!!.. فوجود نظام حكم ملكي دستوري برلماني بصلاحيات محددة ومحدودة للملك هذا ما نحتاج إليه الآن – إذا كنا عرب اليوم نستطيع بالفعل فعل شيءٍ جاد وذي جدوى فيما يتعلق بالإصلاح السياسي وبعيدًا عن تكرار تجارب الانقلابات العسكرية والانتفاضات الثورية الفاشلة والمخيبة للآمال! - بل وخلال هذا العمر الحضاري والسياسي لشعوبنا المتخلفة التي لم تصل الى سن الرشد السياسي بعد - وخصوصًا في (دولة مُركَّبة) في الأصل من (قطرين/بلدين) مثل دولة ليبيا والتي تعاني من استقطاب جهوي وقبلي وايديولوجي وسياسي حاد غير منضبط بشيء مما يؤكد لنا على أن حالة عدم الاستقرار ستستمر مادام كرسي رأس الدولة منصبًا ومركزًا يتصارع عليه الجميع، والحل يكمن في أن نأخذ هذا الكرسي الذي يتصارعون عليه نابًا ومخلبًا ونعطيه لملك دستوري محكوم بالدستور، ملك يكون بمثابة (خادم الأمة) وحارس الوحدة الوطنية والاستقرار الوطني العام وأيضًا حارس للديموقراطية البرلمانية (الناشئة النامية) بحيث يمكن للملك ووفق الدستور - للحفاظ على تطورها الطبيعي ونموها التدريجي – أن يتدخل كلما اقتضى الأمر لكبح جماح النخب السياسية المتطرفة والمتسرعة (اسلاماوية أو علماناوية) إذا غالت في الصراع السياسي بينها أو لجأت لممارسة الشعبوية التي تعتمد على تهييج الجماهير واللعب على غرائزها وعواطفها الدينية أو الوطنية أو القومية أو على حقدها ضد الملاك والاثرياء!!... فإذا لاحظ الملك أن الأمور تنزلق نحو الشعبوية أو الصراع السياسي المدمر والفوضى لحد يشكل خطرًا على المصالح العامة تدخل وأطفأ هذه النار التي تنذر بانفجار كبير وخطير!!، أو إذا لاحظ أن النخب السياسية أرادت استعجال نمو شجرة الديموقراطية وابتسار ثمارها قبل آوانها الطبيعي تدخل وكبح جماحها ورد الأمور لنصابها الطبيعي والنمو الهادئ والعميق!.
لكل الحقائق والمسوغات السابقة فإنني بت شخصيًا أرى أن الملكية الدستورية البرلمانية هي أفضل نظام لشعبٍ كشعبنا الليبي وأنسب أداة للاستقرار والوحدة الوطنية بل وللدخول في المسار الديموقراطي البطيء والهادئ والعميق لدولة كدولتنا الليبية الهشة والفاشلة!، نظام ملكي دستوري نجعل للملك فيه ((صلاحيات محددة ومحدودة)) وليست واسعة جدًا كما كان في تجربة المملكة السابقة بزعامة الملك الصالح (ادريس السنوسي) رحمه الله، وقد تتمثل هذه (الصلاحية المحدودة) التي نعطيها لهذا الملك تحدث في حالة استثنائية واحدة فقط، ويمارسها الملك وفق ضوابط الدستور حين يفشل (الساسة الليبيون) في البرلمان في ادارة الأزمة بينهم بشكل عقلاني رشيد، وحين يكثر الهرج والمرج بينهم بسبب مناكفاتهم الحزبية وصراعاتهم السياسية شبه الصبيانية حتى يأخذوا البلد بقضها وقضيضها خلفهم نحو شفير الفوضى والهاوية أو لطريق مسدود وحالة من الجمود بما يهدد الاستقرار ووحدة البلاد ومصالح العباد وحركة الاقتصاد، فهنا ، وهنا فقط ، يتدخل الملك - وفق نص دستوري - وبالتشاور مع المحكمة الدستورية العليا وربما مجلس الشيوخ وقيادة الجيش - ويقرر حل البرلمان وطرد السياسيين (الفاشلين) الذين تسببوا في هذه الأزمة لبيوتهم في اجازة وعطلة سياسية اجبارية لمدة 6 أشهر، فالعطلة السياسية الاجبارية هنا بمثابة عقوبة تُوقعها الأمة بنص دستوري وعن طريق ممثلها الدائم أي الملك على هؤلاء الساسة جراء فشلهم في ادارة التنافس بينهم وادارة الدولة بشكل عقلاني رشيد يحقق الاستقرار والازدهار للبلد، و يدير الملك خلال هذه الستة أشهر (العطلة السياسية الاجبارية) الدولة بحكومة مُصغرة لتصريف الأعمال ثم بعد انتهاء فترة العطلة يتم انتخاب برلمان جديد.. وهكذا كلما انحرف الساسة أو تطرفوا أو غالوا في الشحناء بينهم على حساب مصلحة البلد العامة أو سلكوا مسالك الشعوبيين تدخل الملك وأوقفهم عند حدودهم ووقى البلد شر تناحرهم الصبياني والأناني!!. وصدقوني يا قوم فبهذه الكيفية وهذه الصلاحية للملك الدستوري الليبي - في وضع هش كوضع ليبيا - يمكن تحقيق التوازن السياسي بين مطلب الاستقرار كأساس للازدهار ومطلب الحرية السياسية والديموقراطية النسبية، فالملك عند اللزوم يقوم بكبح جماح صراع النخب السياسية غير الراشدة ويحد من خطر مغامراتهم ومناكفاتهم الحزبية على الدولة والشعب والاقتصاد، هذه الصراعات للنخب السياسية الليبية - والعربية عمومًا - غير الراشدة التي كثيرًا ما تتسبب في الفوضى بل وبإجهاض أي تجربة ديموقراطية وليدة في طور النشوء والتطور مما يؤدي بالنتيجة إلى اعطاء العسكر المبرر للانقلاب!.. هذا ما حدث بعد حقبة الاستقلال وهو ما حصل بعد ما سُمى بثورات الربيع العربي!.. فنحن بسبب هؤلاء المغامرين السياسيين الجامحين والطوباويين (اسلاماويين وعلماناويين وقوماويين) ما إن نطلع بعض خطوات على سلم التطور الديموقراطي حتى نهوي ونسقط للأسفل على رؤوسنا!، ولنجد أنفسنا في قبضة الحكم الجبري الديكتاتوري من جديد!!... فتذهب دماء كل الثورات هباء كأنك ((يا بوزيت ما غزيت!!)) .... لكل هذه الحقائق أرى أن النظام الأنسب لليبيا والشعب الليبي - وربما للعرب عامة - هو النظام الملكي البرلماني الدستوري بأكبر قدر ممكن من (الروح الليبرالية) – وبما تطيق ثوابتنا الثقافية العامة - مع العمل بهدوء وصبر جميل ونفس طويل على توسيع دائرة الديموقراطية وتنميتها خطوة خطوة بطريقة (بطيء ولكن أكيد وعميق!!) وعبر الأجيال دون استعجال!... وغير هذا ليس أمامنا من حل آخر لضمان الوحدة الوطنية والاستقرار في دولة كليبيا مُركبة في الأصل من بلدين هما (برقة/ شرق ليبيا اليوم) و(طرابلس الغرب/غرب ليبيا اليوم) إلا استلام العسكر للحكم إما بشكل مباشر أو من خلال ضابط يرتدي بزة مدنية يجيء به الجيش عبر انتخابات شعبية شكلية مع واجهة جمهورية كاذبة مزيفة أي كما في مصر وموريتانيا وسوريا اليوم!!.. وهذا بلا شك ((حل انتحاري يائس) على المدى البعيد اذ سيُعيد كل الأمراض ويجتر كل المشاهد التي تسببت في انفجار بركان ثورات الشارع العربي في الجمهوريات العربية الديكتاتورية العائلية الفاشلة!.. وسنظل نلدغ من جحر العقرب ألف مرة، ونجتر التجارب والحلول الفاشلة بدون نهاية في متاهة لولبية كفأر تجارب حيران ومسكين!!!.. أفلا تعقلون يا قوم!؟ أفلا تتعظون!؟؟ .... اللهم اني قد بلغت قومي فاشهد!
سليم نصر الرقعي 2018
(*) الموضوع هنا مخصص عن ليبيا بحكم معرفتي العميقة والدقيقة بتاريخ نشأة وتطور الدولة الليبية وحقيقة تكوينها ومعرفتي بالواقع الليبي الاجتماعي والسياسي الحالي، ومع ذلك يمكن أن ينطبق هذا الرأي وهذا التحليل وهذه الرؤية على بلدان عربية أخرى تتشابه ظروفها مع ظروف ليبيا كمجتمع أو كدولة !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة