الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل السادس 2

دلور ميقري

2018 / 11 / 25
الادب والفن


جرس ضحكتها، ارتفع بين الأصوات المحتفلة بقدومهم. لمحها حالاً، وكانت تقف خلف أمها وشقيقيها، مرتفعة عنهم بقامتها الفارعة، الموروثة عن الأب. خفق قلبه، وهوَ يصافح يدها الناعمة، الممتدة إليه بكثير من الود. في الأثناء، كانت ترمقه بنظرة غامضة، كأنها انعكاسٌ لذلك المشهد القديم، المبهم والعارم معاً، لدقائق انفرادها معه تحت سقف واحد قبل نحو العام. إلا أنّ علاقتهما، كانت قد تطورت بعدئذٍ حدّ أن صارت محرمة تماماً. هيئة " لويزة " أيضاً، كانت متوافقة مع الموعد المتجدد للربيع؛ فصل الخصوبة والاحتفالات الصاخبة، الذي يَعِدُ العشاق بالمزيد من أوقات المتعة. هذا اللقاء، مع أنه كان متوقعاً، جعل عقله المخدر يعاود الافاقة. مثلما كان الأمر، حينَ صمم عقب تلك الليلة بالكف عن التفكير فيها، وبالتالي، اعتباره عابراً الموقفُ المرتبط بها ـ كما لو كان نزوة طارئة أو حتى كمجرد سوء فهم.
" لنجلس يا صاحبي في الصالة، كي نتابع الأخبار، بعيداً عن مشاغل النساء وثرثرتهن! "، قال له المضيفُ مبتسماً بنبرة صوته الأقرب للصياح. امرأة أبي " إدريس "، وكانت تقف إلى جانبه، لكزته عندئذٍ بكوعها في جنبه. حركتها المرحة، رداً على كلام ربيبها عن النسوة، جعلت الضحكات تصدح مثلما يفعل صدى قرع الطبول في مكان مغلق. لأنّ الصالة الأرضية، وكانت على جانبٍ كبير من حُسن التصميم المعماريّ وروعة الزخرفة، كان يصلها ضعيفاً النورُ السماويّ عبرَ فتحة المنوَر. وقد أدرك " دلير " لاحقاً سببَ كون صحن الدار على ذلك الشكل، المخالف للمألوف، لما صعد إلى الدور العلويّ تاركاً ابن حميه مستسلماً للقيلولة فوق الأريكة الوثيرة. وكان يود اللحاقَ بالآخرين، المتجمعين هنالك، بعدما أضجره الجدل مع مضيفه بشأن الأحداث المحتدمة على خلفية " الربيع العربيّ ".
وجد ترّاساً فسيحاً، أحتل قسماً كبيراً من المكان، وكان محصوراً بين مطبخٍ احتياطيّ وحجرة صغيرة عارية. قضى وقتاً في هذه الحجرة، المخصصة لدراسة الولدين البالغين على ما بدا من أثاثها، المقتصر على طاولة عتيقة ذات سطح معدنيّ صدئ، انتصبَ فوقه جهاز كومبيوتر كبير الحجم. قبل ذلك، أطلّ على مكانٍ ملاصق لحجرة الصبيين، وكان منذوراً للدجاج والحمام والأرانب. وقفَ يتأملُ بشغف مخلوقاتِ الله الوادعة، فيما كانت " لويزة " ملتصقة به وهيَ تراقب ابنتها اللاهية حول قاعدة المنور. لما أرادَ المضي إلى المنزل التحتاني، تلبية لنداء المضيف المستيقظ تواً، دسّ في يد كلّ من ولديه ورقة مالية من فئة المائة درهم. ورقة ثالثة، مضاعفة القيمة، همّ على الأثر بوضعها في جيب طفلة " لويزة "، لما هتفت أمها بصوتها ذي البحة المحببة: " لا، دلير، هذا كثير ". قالتها، وقد كسا سحنتها البرونزية تعبيرٌ حيي بالامتنان. وإنه صوتها، مَن سيلبّي نداءه في ظهيرة اليوم التالي، حينَ تعيّن عليهما أن يكونا منفردين مجدداً.

***
كانا قد افترقا منذ ما يزيد عن الثلاثة أشهر، وهيَ الفترة نفسها الفاصلة بين زيارتين للمدينة الحمراء. إذ قضى في المدينة، رفقة أسرته الصغيرة، النصف الثاني كله من العام المنصرم. في خلال ذلك الوقت، كان قد عقد علاقة مع من اعتاد أن يدعوها، " غزالتي "؛ علاقة زنا، تدخل دينياً في خانة الكبائر ـ كما كانت شريكته تصفها، قبل أن تستدرك بالقول أن الله يغفر كل الذنوب باستثناء الشرك!
إلا أن فترة الفراق تلك، على ابتسارها، كانت قاسية عليه. لولا استسلامه لغرائزه، لكان حرياً به أن يشعر بالخزي والخجل. إذ كان مقترناً بفتاة تصغره كثيراً، وفوق ذلك، فإنها عمّة العشيقة. ولكن، كيفَ أضحت عشيقته، " لويزة " هذه؛ هوَ مَن عُرف باستنكافه عن تقليد سلوكيات أمثاله من الأجانب المقيمين في المغرب، كالاندفاع في مغامرات غرامية سريعة أو الاحتفاظ بحياة سرية خارج نطاق المنزل الزوجيّ؟
في حقيقة الحال، أن ثمة من ساعد هذه المرأة كي تخترق حجبه بما امتلكت من مكر ودهاء. لعله سيخفف شعورَ الخزي والخجل، كشفُهُ أن حماته بالذات، كانت تلك التي ساعدت ابنة ربيبها؛ ابنة الرجل، المعتادة على الانطلاق معه على سجيتها أمام الآخرين بما فيهم زوجته وأولاده. في مكان آخر من السيرة، نوّه محققها بطبيعة علاقة " لويزة " مع حماته وأبنائها، وأنها امتداد لتاريخ من سوء الفهم بين أسرتين لدودتين. وكيلا تُظلم المرأة، الموغلة بسرعة في الكهولة نتيجة ابتلائها بعدة أمراض، من المهم أيضاً التنويه بعامل حسن النية وعلى الرغم من كونه البلاط، المفترشة به الأرضية المفضية لمدخل جهنم؛ هنالك، أين ثبتت تلك اللوحة المرقشة بهذه الكلمات الرهيبة: " أيها الداخل، تخلّ عن الأمل! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس أخطر مشهد لـ #عمرو_يوسف في فيلم #شقو ????


.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟




.. سكرين شوت | خلاف على استخدام الكمبيوتر في صناعة الموسيقى.. ت


.. سكرين شوت | نزاع الأغاني التراثية والـAI.. من المصنفات الفني




.. تعمير - هل يمكن تحويل المنزل العادي إلى منزل ذكي؟ .. المعمار