الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر السياسي لمحمد عبده

سعد سوسه

2018 / 11 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت نقطة الانطلاق في التفكير السياسي للشيخ محمد عبده أن الطريق إلى نهضة العرب والمسلمين لا يتم آلا بعد تحرير المجتمع من الداخل والخارج ، إذ رأى عبده أن تحرير المجتمع ألا سلامي من الداخل يتطلب أول ما يتطلب محاربة كل ضروب الاستبداد المخيمة على حياته والسعي من اجل حرية الإنسان، مؤكداً أن تحرير المجتمع يجب أن يرتكز على وضع تشريعات عادلة تتصل اتصالا وثيقاً بعادات وتقاليد وأخلاق وعقيدة وحال الجماعة التي وضعت من اجلها التشريعات والقوانين ، فركز عبده كما أكد أستاذه الأفغاني على ضرورة أن يحكم أهل مصـر البلاد بواسطة الاشتراك الأصلي بالحكم الدستوري الصـحيح ، ألا انه كان قليل الثقة بالجماهير وقيمتها بوصفها غاية أي تغيير إصلاحي ، وإنما كان يعلق الآمال على الطبقة المثقفة المستنيرة ، وراهن على الطبقة الوسطى بوصفها الطبقة الطموحة التي أرادت كسب مواقع الأجنبي في البلاد لحسابها والتسلح بالعلم لخدمة التقدم وتطوير المجتمع ، وان سبب اعتماده على هذه الطبقة ، لأنه يرى أن الطبقة الأولى وهم الخواص والأغنياء ورجال الحكومة لديهم امتيازاتهم لاسيما التي تجعلهم في غنى عن السعي لأي إصلاح أو تغيير في المجتمع ، لذا فانه اعتمد على الطبقة الوسطى بتربيتهم وتعليمهم لان الاستنارة الفكرية هي السبيل لتحقيق نهضة الشرق وتجديد حياته .
وان منهاج عبده لتحرير المجتمع من الداخل لا يقتصر على جانب واحد ، وإنما يمتد ليشمل كل الجوانب من سياسية واجتماعية وتربوية ودينية ، وان الإصلاح لا يتم من جانب معين وتترك الجوانب الأخرى لأنها كل مترابط ، وان حركة الإصلاح يجب إن تكون شمولية وليست أحادية ، لكنه بجانب هذه النظرة الشاملة للتحرير يحاول أن يكشف عن علة الضعف الحقيقية ، فرأى أنها تكمن في تحرير المجتمع من سيطرة الأنانية وانحلال روح الجماعة في نفوس الأفراد التي مردها أما إلى ( الجهل المطلق ) أو ( سبب سوء فهم الإسلام والحياة ) ، محدداً الإصلاح بأنه استعادة لروح الجماعة ، وان أولى مراحل تكوين روح الجماعة تتم بتنشئة الجيل على التعاليم الإسلامية الحقة ، فالفرد يتخلص من أنانيته عندما يضع نفسه في حذوة المجتمع ، فهو يرفض القيم السلبية الفاسدة السارية في المجتمع ويسعى إلى التحرر منها إلى قيم إيجابية صحيحة وبالتالي ترتد إلى إصلاح الأشخاص وإصلاح الأنظمة واهم سبيل لإصلاح الأشخاص هو الدين والتربية . وربط الشيخ عبده بين تحرير المجتمع داخليا مع تحريره خارجياً ، فقد اتفق مع الأفغاني على أن النفوذ الأجنبي يتغلغل في المجتمعات والى الشعوب لتحقيق مأربه ومصالحه ، وان الوسيلة لتحقيق ذلك تتم عن طريق توجيه حياة وتفكير المجتمعات التي ينفذ أليها لكي ينسجم ذلك مع أهدافه ومصالحه ، وعبر علاقة جدلية حددها عبده في أن هدف تحرير المجتمع من الداخل يلتقي مع هدف تحريره من الخارج ، ففي كل منهما تظهر الحاجة إلى تماسك المسلمين لكي يسترجعوا قوتهم ، وفي كل منهما تظهر الحاجة إلى العمل من اجل القضاء على الضعف والتخلف ، وعد الشيخ عبده أسباب الضعف الخارجي هو تسرب عناصر غير عربية إلى الإدارة ألا سلامية لا سيما الفرس والجنود الأجانب الأتراك ، معدا هؤلاء مؤمنين شفاها لا قلبا وهم في نظر عبده العامل الرئيس في انحلال الدولة العربية ألا سلامية ، ومجد العرب وأظهر دورهم الحضاري آلا انه على الرغم من ذلك ، حذرهم من الاستقلال أو الانفصال عن الدولة العثمانية التي أكد على استبدا ديتها وجمودها وتخلفها ، لأنه كان يعتقد آن انفصال العرب عن الدولة العثمانية سيجر إلى تدخل أوربي يؤدي في النتيجة إلى إخضاع العرب والأتراك معا للغرب . ومن هذا المنطلق فان عبده يجد آن الحكم العثماني ، على الرغم من كل نواقصه ومساوئه ، لا يزال يمثل التجسيد الأخير للاستقلال السياسي للامة ، وان رأيه هذا مبني على أساس تجسيدهم للدين ألا سلامي فأنهـا ( وحدها المحافظة لسلطان الدين الكافلة ببقاء حوزته ، وليس للدين سلطان في سواها ) 4 لكون الدولة العثمانية هي الوجه السياسي للإسلام الذي يراد تحديثه وتقويته في مواجهة الغرب 5 ، فحرصه على السلطة العثمانية ليس حرصا على نظام سياسي بل كان حرصا منه على الوحدة ألا سلامية لكونها هي السبيل الوحيد لحفظ هذه الوحدة ، لكن هذا لا يمنع أن عبده قد انتقد الدولة العثمانية وطالب بإصلاح أوضاع الخلافة رافضا الاستبداد ، وضمن هذا الإطار فان عبده دعا إلى بقاء الرابطة العثمانية التي تجمع بين الشعوب الخاضعة للحكم العثماني وتعزيزها، ولكن على أساس ألا صلاح الذي ينبغي أن يطول نواحي الحياة الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية ومن الوسائل التي برز بها رأي عبده هذا هو اهتمامه بالجامعة الإسلامية لأنه رأى فيها الوسيلة التي تمكن الأمة الإسلامية من الصمود في وجه الدول الأوربية التي كانت ماضية في التوسع بالبلدان العربية وعدها أساس الكفاح من اجل القضاء على الاستعمار والنفوذ الأجنبي وعلى هذا الأساس كافح الشيخ عبده في سبيل الأمة العربية قبل كل شيء وكره النفوذ الأجنبي حتى وصل به الحال أن وصفهم بالشياطين 6 مطالبا بتكوين وإقامة حكومة إسلامية عامة .

1 . الأمام عبده ، الأعمال الكاملة ، ج1 ، ص362 .
2 . عليوي ، هادي حسن / اليقظة العربية في المشرق العربي خلال القرن التاسع عشر ، المجلة الثقافية ، الجامعة الأردنية ، العدد (56 ) تموز 2002 ، ص 77 .
3 . رضا ، محمد رشيد / تاريخ محمد عبده وخلاصة سيرة جمال الدين الأفغاني، بيروت، 1949، ص511- 512.
4 . الأمام عبده / الأعمال الكاملة ، ج3 ، ص 72 .
5 . برا ونه ، فالتر / الفكرة القومية عند العرب ، ترجمة عن الألمانية ، رضوان السيد ، مجلة (قضايا عربية)، العدد الرابع ، السنة الخامسة ، سبتمبر 1978 .
6 . وحيدة ، صبحي / في أصول المسألة المصرية ، القاهرة ، د .ت ، ص226 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني