الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل السادس 3

دلور ميقري

2018 / 11 / 27
الادب والفن


كان بعدُ طالباً في الإعدادية، لما وجد " إدريس " نفسه تحت سقف واحد مع امرأة غريبة. لقد استدعاه الأب، وهوَ الخبير المخضرم بالعمارة، كي يكون إلى جانبه في عمله. قدم الفتى إذاً من بلدة الأسلاف، المتشبثة أبنيتها الطينية بالسفوح الخضراء للأطلس، لينضم إلى العديد من أبنائها المستقرين في المدينة الحمراء. لم يكن عسيراً عليه فراق والدته وأشقائه حَسْب، بل وأيضاً فكرة ترك الدراسة من أجل مهنةٍ ستجعله طوال الوقت في قبضة الوالد الصارم. هذا الأخير، لاحَ أكثر عاطفة لما خاطب الابن الملول في رفق: " ستقيم معنا، هنا في هذه المدينة الكبيرة، وللّا منيفة ستكون بمثابة أمك. إنه السبيل لبناء مستقبلك، أيضاً ". انساب حديثه رقيقاً، طالما أنه يشعر ببعض تأنيب الضمير على أثر إقدامه على الزواج مجدداً. ولكنه سرعان ما استعاد اعتداده بنفسه، وكذلك لهجته الحادة المألوفة: " ستنهضُ باكراً من الغد، لترافقني إلى مقر الشركة كي يجري تسجيلك ".
" للّا منيفة "، كانت آتيةً من المجهول، وذلك بحَسَب إشارات ألتقطها الفتى من أحاديث أمه حين كان ما يزال في البلدة. التشنيع على شخصية الضرة من لدُن الزوجة القديمة، كان شيئاً معروفاً في الثقافة المحلية ويُدركه حتى الأشخاص السذّج. هذا، مع أن المرأة المؤمنة من المفروض فيها تقبل ما تجيزه الشريعة للرجل. مع ذلك، كان صراخ الوالدة ما ينفك يصدى في رأس الفتى لحين وصوله مراكش وما كان من انبهاره بما رآه من عجائبها: " الرجل المسخوط..! والده، وكان قد مات عن مائة عام، لم تملأ عينه سوى امرأة واحدة وعلى الرغم من امتلاكه الأطيان والعقارات ". ثورة الزوجة الأولى، لم يأبه بها أحدٌ من الأقارب في واقع الحال. لأنّ رجلها، وكان أيضاً مقتدراً من الناحية المادية، فرض سلطته على أشقائه بوصفه الأكبر بينهم والمشرف على ميراث أبيهم. ثم ما لبثت أن خمدت الثورة مع الزمن، بالأخص لما علمت مشعلتها أنّ " الرجل المسخوط " سيسافر إلى فرنسا للعمل: الضرة، المتروكة في مراكش وحيدةً مع أولادها الثلاثة، أضحت حينئذٍ ندّة للأخرى في تحمل آلام الوحدة علاوة على زيادة عبء المسؤولية. بصرف الطرف عن مشاعر الشماتة والتشفي، يُمكن القول أن خصلة التسامح تغلبت أخيراً عند تلك المتحصنة في بلدة الأسلاف.
" إدريس "، الابنُ المقيم في مراكش بكنف أبيه، كان قد أستطاع الحصول على الشهادة الثانوية عبر الدراسة الحرة. بحُكم يأسه من محاولة جعله معمارياً، دبّر له الوالدُ قبيل سفره إلى فرنسا وظيفةً إدارية في بلدية الضاحية نفسها. بغياب الأب، عليه كان أن يغدو رجلَ البيت. ولم يكن الأمرُ سهلاً تقبّله من لدُن " للّا منيفة "، لولا أنها دأبت على الوثوق بخلق ربيبها، المتسم بالبراءة والبساطة والليونة. قبلاً، كانت هيَ من أخذت على عاتقها إقناع رجلها بترك الابن يقرر مصير حياته دونما وصاية. على ذلك، سارت الأمور بشكل جيد في المنزل خلال السنوات الأولى لغياب سيّده. في واقع الحال، أنّ " إدريس " كونه في عُمر مقارب لامرأة أبيه، أعتاد على النقاش معها بحرية وكما لو كانا صديقين، وكلاهما كان يتعلم من الآخر تجاربه في مشاكل الحياة الخاصة والعامة. خبرتها كانت أكبر، ولا غرو، كونها كما علمنا تكبره سناً ونشأت في المدينة منذ طفولتها.
إلا أنّ النهرَ بدأ ينحرفُ عن مجراه، مدفوعاً بقوة قاهرة. بعيداً عن عينيّ راعيته، كان الشابُ يجرّب فحولته وحاجات جسده عن طريق تعاطي الكيف ومعاشرة بنات الهوى. من ناحيتها، ومع كون مسلك الربيب سبباً لكدرها الشديد، لم تود المرأة التدخل في أموره الشخصية. أكتفت بين الحين والآخر بإبداء ملاحظاتٍ كوخز الإبر، مشفوعة بآياتٍ كريمة، تذكّر الشاب بأنها ليست غافلة عن آثامه. ولعلها، في آخر المطاف، فكّرت بواقعية كما يتحتم علبها كامرأة أب: " إنه ليسَ ابن رحمي، فليفعل بنفسه ما شاءت له نفسه! ".
ذكرنا في مكان آخر، أنّ " إدريس " كان قد تعهّدَ في عشية سفر الأب بفتح ثغرةٍ في جدار العلاقة بين الأسرتين، اللدودتين. في البداية، اقتصر تواصلُ والدته مع ضرتها على مكالمة هاتفية كل فترة وأخرى. ثم ما لبثت شقيقته الكبيرة، " زينب "، أن استهلت أولى زياراتها لمنزل أبيها في مراكش، مدفوعةً بالفضول أو ربما الرغبة في التحرش. ذلك أنها اشتهرت منذ الصغر في العائلة بنزعتها العدوانية، المتسلحة بطبعٍ غايةً في الخبث. وكان والدها، القلق من مسلكها المنذر بالعواقب مستقبلاً، قد عقد قرانها مبكراً على ابن أخيه. كان هذا مساعده في العمل، ويبدو أنه أمل منه، كصهر، أن يشكمَ ابنة عمه. ولكنها لم تنجح فقط في السيطرة على الزوج، بل وأيضاً اتخذت منه ملاذاً يحميها من ردة فعل الآخرين على أعمالها الشريرة. ذات مرة، قالت " للّا منيفة " أمام بناتها، وكن قد كبرنَ، مسمّيةً هذه الأخت غير الشقيقة: " حتى والدكم كان يخشى شرّها، ويشعر بأنها من الممكن التسبب بجرمٍ ما. فلم يكن في وسعه الاطمئنان على منزلنا، إلا بعدما أمرَ ابن أخيه بنقل عمله من مراكش ".

***
علاوة على ما علمه عن أخت زوجته غير الشقيقة، فإن " دلير " سبقَ أن لاحظ علامات ضافية تؤكد مشاعر الأسرة تجاهها. فمثلاً، كانوا يرجونه التزام حجرته في الدور العلويّ وذلك في أثناء زيارات " زينب " للمنزل. كذلك كانت امرأته تبعد ابنهما عن مجال العينين الشريرتين، متحججة كل مرة بأنه يعاني من وعكة صحية. في الأعوام الأولى، لم تكن " سلوى " ترغب في أن تشعره بالسبب الحقيقي لمسلكها مع أختها غير الشقيقة. إذ كانت تكتفي أحياناً بملاحظة، مشفوعة بابتسامة معبرة عن الازدراء: " لا أريدك أن تجلس معها، بالأخص على المائدة، كيلا ترى بدائيتها وتوحشها! ". فيما بعد، لما فتحت قلبها بلا حدود لرجلها، ذكرت له أنّ بروشاً ذهبياً أهديَ لطفلهما بمناسبة الاحتفال بأسبوعيته، اختفى خلال وجود " زينب " في المنزل مع ابنتها الكبيرة.
بدَوره، شاء " دلير " يوماً التحرّشَ بالمشاعر العائلية لمَن أضحت بمثابة عشيقته: " هل يُعقل حقاً ما سمعته، أن عمتك زينب دست السمّ لأبيها وكادت أن تقتله؟ "، سألها متكلفاً نبرة غير مصدّقة. ردة فعلها العنيفة، كانت متوقعة بطبيعة الحال. أجابت " لويزة " بفم مرتجف بينما عيناها تشتعلان غضباً: " أيّ هراء هذا؟ إن من أخبرك بذلك، لا يعرف ما تعنيه صلة الرحم عند البشر ولا يملك حتى فهم عاطفة البنوة بين البهائم! ".
ما لم يجرؤ قط على البوح به، أنّ أفراد الأسرة يعتبرونها هيَ، " لويزة "، الأقرب شبهاً لعمتها تلك من ناحية شخصيتها، المَوْصوفة آنفاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم