الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسار البؤس

عذري مازغ

2018 / 12 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في كل مرة تمضي انتخابات في بلد ما يشارك فيها اليسار ولا يحصد نتائج، يتفتح نقاش عام نعيد فيه نفس العتابات، وكثيرا ما كنت انا القادم من بلاد التخلف أتعجب لهذا المسار الديموقراطي الذي لا يمنح في كل مسار تجربة كاملة، طيلة أربعين سنة، طيلة هذه المرحلة من الإنتقال الديموقراطي بإسبانيا التي بدأت سنة 1978، ولو للمرة الواحدة، حصادا غنيا لليسار، فرصة واحدة تجعلنا نحكم عمليا على تجربة اليسار في الحكم، لكن الاكيد أن طيلة هذا المسار لم يفز اليسار إلا بمقاعد جزئية، وطبعا حكم في بعض البلديات، لكنه لم يقد يوما تحالفا في الحكم بقدر ما كان مساندا لتحالف معين لضمان اغلبية مريحة لحكم غيره كتحالفه مع الحزب العمالي الإشتراكي الإسباني، في كل هذا المسار لم يجلس الرفاق يوما لنقاش الأمر، أربعين سنة من التجربة وفراغ في النتائج خصوصا على مستوى قيادة الدولة وهو امر مثير في حد ذاته للتفحيص، واحيانا، وفي عز حملة انتخابية، تصدمني بعض مواقف الرفاق المذاعة خاصة والتي يحاولون فيها تهذيب الخطاب وتبني موضوعية جافة يصبح فيها يتيما رائعا ومدجنا بمواصفات التسويق الجيد للنظام يكفي فيها فقط ان يصعد نقيضه اليميني في الإنتخابات في مقابلة مذاعة اخرى ليصفه بأنه منتوج ممسد وليس منتوجا بجودة إيكولوجية كما اليميني الواضح في مواقفه..
في سياق عام تماما، احزاب اليمين هي احزاب طبقة بورجوازية لا غبار عليها، تمثل اللوبيات الإقتصادية بتمشكلاتها الفاسدة والنزيهة على حد سواء، جريئة جدا في خطابها اليميني، الفاشيون منهم أيضا جريئون في طرح مواقفهم الفاشية، أي انهم يمثلون اجود ماركة هم مقتنعون بالإنتماء إليها بينما الماركسيون مهذبون إلى أقصى الحدود، اكثر من الكلاب المدجنة، طبعا يؤمنون بخرافة التمرحل التي تقضي بتهذيب المواقف المناهضة للنظام في شكل إصلاحات من داخل النظام، إصلاحات هي من داخل النظام تفتقد إلى سند مادي حقيقي، تفتقد مثلا إلى موارد مالية غالبا ما تكون الحلول فيها عبارة عن توافقات في توازنات ضريبة، أي عملية خلق توافقات بحسب اولويات معينة يفترضها الواقع من داخل مالية الدولة، يمكننا مثلا لتهييء مشروع كذا (من خلال دراسة معينة ترصد السقف المالي لهذا المشروع) ان نضيف في ضرائب كذا لرصد هذا السقف، أي ان اليساري يعد وفق تدبيرمعين من خلال خلخلة توازنات معينة مرصودة أصلا يتعامل معها من خلال طبخ اولوية معينة مقنعة للناخب فهو لا يتجاوز ان يتصرف على خلفية مبدأ يساري أولي هو مبدأ الإنتزاع، بل يتصرف وفق حدود يفرضها النظام السياسي الذي بدوره يخضع لسقف معين في إطار علاقات النظام الرأسمالي الدولي (الرأسمال العالمي) . إنه بعبارة أخرى يتصرف وفق موارد الخزانة العامة للدولة دون ان يجرأ على تجاوزها من خلال عوممة قطاع معين منتج لرفع رصيد خزينة الدولة العامة عوض إثقال خواص هذا القطاع بالضريبة، في حالة العوممة لهذا القطاع هناك ضمانة بقائه من خلال ضمانة مردوديته المالية (إن اشكال التكيف التي تجعل قطاعا معينا ذا فعالية من خلال خوصصته يمكن أيضا أن تطبق بصرامة حتى في حالة عوممته، إذ ليست الخوصصة هي بمثابة سحر يولد الإنتاج أكثر، بل هي في إخضاع القطاع لضوابط إنتاجية صارمة يمكن تطبيقها حتى في القطاع العام)، في قطاع خاص معين، في حالة رفع الضرائب عليه يحدث تهرب او تفريغ وتهجير، بينما تعميمه يمنع من تهجيره إلى دول أخرى.. كيف لماوطن بسيط أن يوثق في مهرج يساري كحزب معين لا يدين بثقافة الإنتزاع التي يملكها مثلا الحزب اليميني (يمكنه أن يخوصص بنكا عاما أو شركة عامة ويمكن ان يعمم بنكا خاصا او شركة خاصة لإنقاذها من خلال حقنه بالمال العمومي في حالة الإفلاس) مثير في هذا الصدد تعامل الدولة الإسبانية مع بنك بانكيا، كان بنكا خاصا في حالة إفلاس سنة 2008 وانقذه الحزب اليميني الشعبي من خلال عوممته، الحزب الإشتراكي الحاكم حاليا المح في الشهور الماضية إلى خوصصته من جديد بعد ان عفي من خلال حقنه بالمال العام، وطبعا كان تعميم هذا البنك على حساب اولويات اجتماعية مثل التعليم والبطالة والصحة والسكن، وطبعا كانت سياسة الحزب اليميني هي إنقاذ المؤسسات الرأسمالية المفلسة اكثرمن أن تكون حل للمعضلات التي مست القطاعات التي تحظى باولوية في وعي الشعب.. تمتلك الاحزاب اليمينية قوة في التدبير تتجاوز الإحباط العام الذي يعيشه الشعب (لأنه احباط ظرفي) بينما اليساري، ليس فقط لا يمتلك هذه القوة من العزم بل يقدم وعودا على عدم مس هذه القطاعات لإرضاء الرأسماليين، يمكن لأي حزب بئيس ان يخوصص قطاعا عاما حتى وإن كان يساريا لأن ذلك يتماشى وسياق النظام السياسي السائد، لكنه حتما لا يستطيع أن ينسجم مع أيديولجيته اليسارية في قلب المعادلة. يفتقد اليساري إلى جرأة طرح سياسة تتوافق مع قناعاته الأيديولوجية كالقول من خلال نظام ديموقراطي مبني مبدئيا على فكرة الحق لاي حزب تطبيق برنامجه السياسي، فيه احزاب يسارية تتبنى بشكل صريح استعادة مؤسسات خاصة منتجة للدولة على أساس إخضاعها لضوابط إنتاجية صارمة تحترم فيها مباديء العمل وتحترم فيها أيضا ضوابط الإنتاجية (وهذه ليست ديكتاتورية بروليتارية، بل صرامة في التدبير).
من ملاحظتي الأساسية في الانتخابات الأندلسية الأخيرة (وهي طبعا ملاحظة عامة مرصودة من طرف الجميع) هي جرأة اليمين الفاشي في طرح مواقف راديكالية غير مقبولة تماما، وعود هي من الناحية الواقعية غير قابلة للتطبيق لأن السياق العام للنظام السياسي بأوربا لا يقبلها ونحن ننظر في أحداث اليونان تاثير هذا السياق من خلال إلزام اليسار الناجح بها بعدم تجاوز هذا السياق ونعرف ايضا كيف اثر الأمر على نتائج انتخابات فرنسا وكيف يؤثر حاليا في سياسة إيطاليا، لكن جرأة الطرح لهذه الأحزاب الاوربية سواء كانت راديكالية يسارية أو راديكالية يمينية فاشية، هذه الجراة في الطرح هي الملهمة للمنتخبين وإذا أردنا ملامسة هذا الامر يجب ان ننظر في مسار حزب يساري جديد كبوديموس الإسباني، حيث بدا بصعود غير متوقع من خلال اطروحاته الجريئة بداية مشواره ونزول مستمر بعد ان حاول زعيمه طمأنة الأطراف الرأسمالية بعدم مس الكثير من ثوابت النظام، تراجع مواقفه من الحلف الأطلسي، تليين مواقفه من الملكية، مواقفه من التسليح، مواقفه من الملكية... كل هذه الامور أثرت في مساره وأظهرت نزعة انتهازية في مواقفه مفادها هو نفس الكلام الذي نقوله نحن في المغرب على الأحزاب اليسارية: أحزاب يريد أصحابها الوصول إلى عين المال والسلطة.. نتيجة لذلك تراجع التصويت لصالحه.
مسار الإنتخابات في اوربا (في إسبانيا بالخصوص) خاضع من حيث التكوين الإجتماعي لثوابت خاصة، حين نرصد تراجع الحزب الشعبي اليميني نجد ان حزبا يمينيا جديدا هو من حصل على أصواته، في الاندلس مثلا نجد حزب فوكس أو بوكس الجديد (يميني فاشي) هو من استولى على المقاعد التي فقدها الحزب الشعبي في مناطق معينة معروفة بتمركزه، ونجد طبعا الأصوات اليمينية الأخرى قد التأمت بالحزب الآخر الجديد الصاعد سيودادانوس (حزب مواطنون، يعرف نفسه بأنه حزب يمين وسط) والحصيلة أن تراجع نسبة التصويت العامة ملموسة فقط في مصوتي احزاب اليسار، تراجع ملموس في الحزب العمالي الإشتراكي وتراجع ايضا على مستوى إئتلاف بوديموس ــ اليسار الموحد) بمعنى أن أصوات اليسار بشكل عام هي التي عبرت عنها إحدى استطلاعات الرأي الساخرة بالقول أن أربعة من عشرة فضلوا تناول الجعة في الشواطيء عوض الذهاب إلى صناديق الإقتراع. وكخلاصة عامة ، تبقى نسبة تصويت اليمين قارية ثابتة في سياقها العام وإن كانت تتحول من حزب يميني معين إلى حزب يميني آخر، بينما أصوات اليسار تتراجع بتراجع مواقف اليسار وتفقد جمهورا له حس يساري دون ان يكون بالفعل منخرطا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشكلة
Almousawi A.S ( 2018 / 12 / 4 - 12:47 )
مشكلة اليسار هي في عدم ايمان جمهورة في ما يسمى الديموقراطية
لذلك يفوز المحترفون في هذة اللعبة حيث جمهورهم يدافع عن مصالحة
القومية والعرقية والدينية ومنافعة الاقتصادية
والحل هو بيد من لا يشارك في الانتخابات
وعلى اليسار توعية هذا الكم الهائل بمصداقية تحقيق اهدافهم
عن طريق المساهمة في السلطة وعدم الاكتفاء بالوقوف بصف المعارضة
ولك كل التقدير ايها العزيز
عذري مازغ


2 - تحياتي الصديق الموساوي
عذري مازغ ( 2018 / 12 / 4 - 18:28 )
تحية خاصة
الإشكال في إسبانيا ليس عدم إيمانهم بالديموقراطية بل في كون اليسار نفسه يقدم برامج يمينية عبارة عن إصلاحات وترقيعات لا تعبر عن هويته الحقيقية وجمهور اليسار يعرف الامر ويتخاذل

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا