الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


“صحيح البخاري … نهاية أسطورة- .. نظرة مستفيضة في اعتمادية المصادر الدينية

احمد علي كزو

2018 / 12 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثارت منذ فترة ضجة إعلامية رافقت إخراج كتاب "صحيح البخاري .. نهاية أسطورة" ولاسيما أن وجودي ترافق في المغرب البلد التي صدر فيها الكتاب، وعادت الأحداث تترى ما بين كر وفر في هجوم ونقد ونقض للمصادر الدينية ودفاع عنها وتكفير لمنكري صحتها ومرجعيتها الدينية المقدسة.
وترامت الاتهامات وعجت وسائل التواصل بالحروب الكلامية بين الطرفين.
وفي ظل هذا الوضع برز لدي التساؤل، لم هذه الكتب بالذات، وهل كان مؤلفوها وجامعوها وواضعوها على دراية بأثرها اللاحق وعلى علم بأهميتها حتى في زمانهم الغابر.
القصة دائما تبدأ بنظرة شمولية للمجتمع، وبفهم مكوناته واعتماده على أنساق معينة في فهمه وفلسفته الجمعية للحياة وتأطير سلوكياته وضبط كوامنه والسيطرة على أفراده بمبررات يحليها بأسس منطقية.
ومن هذا المنطلق يمكن فهم المسارات التاريخية لأي مجتمع من أحداثه التاريخية البارزة والجوانب المهمة فيه والتي كساها بطابع الرفعة والقداسة.
وهي الأحداث التي رافقت تغيرات جذرية في المجتمع، كالتحولات الدينية والاجتماعية والثورات أيضا. ولا يخرج الإسلام كحدث من هذا النطاق، وبنفس المنطق فالتعظيم الذي يناله جنكيز خان يندرج بنفس الإطار، وغيره من أفراد تواجدوا في لحظات مفصلية على سلم التغيير في المجتمعات.
بعبارة أخرى، لا يمكن إنكار دور الإسلام كمرافق وكمواكب وكمؤثر في المجتمع العربي في مساره التاريخي، فالتاريخ العربي لا يخلو من أنبياء ورسل دينيين وحتى مدّعي نبوة لاحقا في ما بعد ظهور وبروز الإسلام وهم ليسوا أقل "إيمانا" ودينا من محمد. ما الذي ميز الإسلام إذن؟ وما الذي ساقته شخصية محمد تاليا؟
الذي ميز الإسلام هو اللحظة التاريخية الانقلابية والتي ترافقت مع ظهور الشخصية المحمدية وحركة الإسلام كحركة تغييرية استجابت مع متطلبات النقلة الاجتماعية الاقتصادية في الجزيرة العربية، وبعبارة أخرى فإن لم تكن الشخصية المحمدية موجودة والدعوة الإسلامية حاضرة، فلربما برزت في سياق النقلة الاجتماعية حركة بمسمى أخر ما دام المجتمع في دور المخاض للتغير ولربما طبعا قادت هذه الحركة الأخرى المجتمع لمسار أخر، وطبعا لا يمكن التنبؤ بمصير واحتمالات واقعة سابقا وإنما يمكن فهم الدور الذي لعبته هذه الحركة في مسار التغيير باعتباره مسارا قادما لا محالة، والاستنباط منه وفهم مسارات معينة لا يبدو لحد اللحظة أن هناك إمكانية لتغييرها في ظل الأحداث المعاصرة وهو ما سنلي ذكره لاحقا.
وبالتالي وعلى سبيل المثال، أن المجتمع المكي لم يكن مهيئا للتغيير في أيام أمية بن أبي الصلت مع كل شهرة الرجل التي تردد صداها في الكتب والمصادر الدينية التاريخية، ولا يبدو أن الحظ أسعف مثلا مسيلمة، كونه أتى متأخرا لينال التشنيع الإسلامي على أشده.
وهنا لا يدخل هذا التفسير في حقيقة الظاهرة الدينية كونها رسالة سماوية، وإنما بفهمها من مستهل علم الاجتماع وإدراجها ضمن أطره.
وبنفس المنطق المُساق سابقا، فالمرجعية الدينية الحالية والتي أسبغت القداسة على كتب معينة ومؤلفات بحد ذاتها، ليست وليدة تخلف تُرمى التهم جزافا إليها، وإنما لضرورات اجتماعية ومسارات لا يمكن تغييرها بنشر التوعية وخلق حرب شعواء مع أسس الدين دون فهم الحاجة الكامنة وراء توظيفه مجتمعيا. وإنما ستقود لسجالات وخلافات قد تصل لحد التطاحن والاحتراب والحرب لربما، وهو ما قد يولد تغييرا بحد ذاته وقد لا يبدو أن التغيير المتولد عن هذا الصراع سيقود إلى التقدم والرقي والحضارة بمفهومها الأرثوذكسي المعاصر وهو ما يقود تجمعات المهاجمين للمرجعية الدينية لهذه المواجهة.
إذن فاعتماد هذه المصادر الأصولية ليس وليد انحراف وضياع في المجتمع، وإنما هو استجابة لضرورات يخلقها المسار المجتمعي، ولا بد أن تقود المجتمع لتراكمية في مخرجاتها مسببة احتقانا للمجتمع وتفككه، وهو ما سيدفع بالمجتمع في لحظة معينة للتغيير وستترافق هذه اللحظة مع ظهور شخصيات سيسبغ عليها الخلف مختلف الألقاب التعظيمية لاحقا.
هو نفس السؤال الذي يمكن أن نطرحه، لماذا لم تتبن المجتمعات الإسلامية مثلا مرجعيات أخرى كابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم من المفكرين بدلا من البخاري ومسلم ومؤسسي المذاهب الإسلامية وتناولت هذه الكتب التي تعتبرها أمهات المصادر الدينية والتي كانت من تأليفهم وجمعهم.
يعود الأمر لعدة عوامل، ومن بينها ما ذكرناه آنفا حول الضرورة المجتمعية المعاصرة والسابقة، ويمكن أيضا فهم تبديات المجتمع بأبعاده السياسية والاقتصادية من حيث خدمة هذه المصادر الدينية للسلطة السياسية وتشكيلها نظرية تسمح باستمرارية واستدامة للحكم دون عواقب أنية. وبلورة بنية اقتصادية تسمح بالاستمرارية لطبقات المجتمع.
وهنا لا يمكن فهم النقد الموجه لهذه الكتب على أسس محتواها من منطلق فهم علمي بمقدار ما هو رائحة تغيير تلوح في المستقبل، ولحاجة اقتصادية سياسية للتغيير تجنب موات المجتمع وانقراضه الحضاري كما سلف الأمر مع غابر الحضارات التي أضحت أثرا بعد عين، ولم يبق منها إلا أطلالها، ولكن البشر فيها استمروا بصيغ أخرى وبفهم أخر للحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا