الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البدو والدراما التركية وأشياء أخرى

حبيب محمد

2018 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



البدو مجموعة بشرية تعيش في منطقة معزولة عن العالم المتحضر ، حتى أن وجدوا في وسط متمدن فستظل العقلية البدائية تسيطر على تصرفاتهم واهوائهم فغالبا مايميل هؤلاء القوم للعنف والتوحش والفتك مثل ما أورد ذلك ابن خلدون في مقدمته بقوله " البدو "أهل غلطة وبؤس" ، يفترض ان يكون هذا في مرحلة ما من التاريخ البشري، إذ كانت البداوة ميزة للتفوق الذاتي والجدية والفناء في العمل مهما كانت الظروف، إلا أنها أصبحت الآن عنوانا للتخلف بل ثقافة موازية لثقافة العصر الحديث التي تعطي الأسبقية للعقل والعلم بدل التراهات واجترار نفايات الماضي المظلم..

ان البدو اليوم هم من يرفضون الآخر ، هم سبب رئيسي في كل هذا القتل والقبح والتخندق المجتمعي، لأنهم يحملون لواء الأخلاق، وكأن غيرهم بلا أخلاق، ينظرون من زاوية ضيقة جدا ، تجعلهم متعصبون، ويحتكرون الحقيقة ، ولايكتفون لذلك فقط بل هم مزودون أحيانا بذخائر فكرية وخناجر مجتمعية، وقنابل سريعة الانفجار ، كل هذه الأسلحة الجاهزة هي دعامة ونموذجا للتعددية والفكر الديمقراطي الذي لايفتأ هؤلاء المتأرجحون بالمحاضرة عنه وإعطاء الدروس في الإنسانية والرؤية المحايدة كل ماسمحت لهم المواقف...

ان حرارة الصحراء وصعوبة الحياة تنعكس بشدة على أصحابها، فيصل الفكر الهمجي درجة الغليان فتتطاير أعمدة النيران لتحرق كل شيئ ، ان البرودة الشديدة للتيارات الحداثية قد تشكل عائقا أمام أي معالجة نقدية وفي ظل كل هذا الحصار النفسي والحضاري المفروض على الفكر الحر ، يجب أن نعي جيدا ان البداوة ليست هي المشكلة بل الكارثة في الفكر البدوي المحصن بالوهم ، ومن أجل النهوض يجب أولا إسعاف المجتمع بإخراجه من كنف البداوة إلى متسع الحضارة ، وذلك يكون بوضع برامج عقلانية تحث على الجد ودعم النمو الاقتصادي والتطور العلمي وكل هذا ينطلق من الحقل التربوي الذي هو الواجهة الحقيقة لكل مجتمع.

لقد صعدت الدراما التركية بشكل ملفت على عدة مستويات ، ولم يكن الهدف منها فقط وضع لبنة جديدة في المجال الفني بل محاولة لإغتيال الحس الحضاري لدى مجتمعات أخرى، فمنذ عقد من الزمن تقريبا لفت انتباهي إنجذاب اغلبية ساحقة من المجتمع الموريتاني للمسلسلات التركية وتأثروا بها لدرجة بالغة ، فترى مثلا إحداهن تتمنى أن تكون جميلة مثل الممثلة التركية "نور" وهو مجنون لأنه ليس شجاع مثل تهور "مراد" ، وظل هذا المد التسلسلي متواصل بشكل مخيف ، إلى أن سمعنا بقصص غريبة جدا ، مثل أن إحداهن باعت كل ماتملك من أجل أن تطأ قدميها اسطنبول كي تلتقي بالنجم العثماني "مهند" الذي قتل بل جرح بل عذب الملايين من النساء الموريتانيات اللواتي لايعرفن غير الرمال وشرب لبن الناقة أو إعداد طبخة تقليدية..

ان الإفراط في المثالية قد تسبب في شلل نصفي أو كلي للعقل البشري ، لهذا كل شيئ نسبي ولاداعي لأن نصف أحدهم بأنه شبح أو بطل خارق للعادة لمجرد ظهوره بزي جديد أو ماكياج مزيف ، أن العملية الفنية يجب أن تهتم باللب أي أن تكون لديها رسائل معبرة وقوية تعمل على فتح الآفاق ووضع بذور جديدة للمعرفة والنمط العلمي وهذا ما افتقدته أغلب الأطروحات العثمانية في حلتها الجديدة ولهذا هي سلعة رديئة جدا..

لم يكتفي الأتراك بهوسهم في نشر الغباء المغلف بلباس عصري ، هم كانوا أذكياء جدا ، في جس نبض الشعوب المتخلفة، فجائتهم إشارة القبول بشكل تلقائي فعمدوا لمواصلة مسلسل الزحف لكن هذه المرة بشكل رسمي،وبرعاية من المرشد واب الاخونجية رئيس العمل الإسلامي الزعيم العثماني "أردوغان" ، الذي خاطب هذه الشعوب انه حامي الدين وأنه مدافع عن القيم وأنه مناصر لحق فلسطين وغيرها من التصريحات المعلبة ، والمغيبين من شعوبنا يصدقون هذا المحتال والمنافق ، الذي يحكم دولة علمانية، لايستطيع ان يتنفس إلا وفقا للدستور التركي العلماني الذي وضعه مصطفى كمال آتاتورك مؤسس تركيا الحديثة
انها الازدواجية المقننة والتي تعري الفكر الجامد الذي يحمله هذا الرجل ومشروعه المدمر، لقد زرع بؤرا خفية في كل دولة ينشط فيها تنظيم الإخوان المجرمين، ومدهم بالدعم المالي المغري بغية التأثير على تلك الشعوب النامية والتي مازالت في طور التأهيل والتدريب من أجل بلوغ الحد الأدنى من النمو الاقتصادي والسير نحو الحركة الصناعية..
لم تكن تلك الأموال من أجل مساعدة الإنسان أو ري الأرض بل من أجل القتل وتلويث البيئة بالدم ونشر ثقافة الشنق والإغتيال والإغتصاب ، بإختصار هي ارساء للنهج البدائي والحلم بعودة عصر المجازر والسبي والتمثيل بالجثث..
لقد شيد هذا المعتوه جبهات للقتال وعمل على انتداب دعاة التكفير والفتنة من أجل بث سمومهم بشكل لائق في نواة المجتمع، عن طريق ترغيب الشباب في الجهاد وقتل الآخر بدم بارد من منطلق آيديولوجي، وتم تكاثر الجماعات المتطرفة في الفترة الاردوغانية لأنها تمثل صدر التاريخ الأخونجي الحديث ، المليئ بالأفكار المتطرفة والتي تعد الركيزة الأولى لإقصاء الآخر لمجرد تباين فكري أو سياسي. .

فمحاولة تخريب تونس ليست ببعيد حين ، قاموا بمفاوضات سرية مع بعض القيادات المقاتلة والتي تتألف من فيالق متحالفة مع شيوخ الغباء والدجل في الداخل، فتمت الصفقة ببيع أرواح بعض الشباب الذي تم التغرير بهم لأنهم يفتقدون سلاح الوعي والنتيجة الالتحاق بمعسكرات داعش والتفنن في كيفية ذبح وتقطيع الأبرياء، طمعا في الجواري. ..
والنتيجة هي ارتفاع معدل التفجيرات والعمليات الانتحارية في تونس وتقلص عدد السواح وتراجع الاقتصاد التونسي، إذا هي محاولة لضرب معقل التنوير والفكر الحداثي، لكنها بائت بالفشل لأن المقاومة الفكرية هي أقوى رد ضد أي تحرك مشبوه، وموجه ضد المكتسبات التونسية في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ولم يقتصروا على تونس فقط فهم ضالعون في قتل الشعب الليبي وتدمير أرضه، وكذلك ماحدث في سوريا هو من انتاج المخرج أردوغان داعم المتطرفين وحامي الإخونجية، وحرب اليمن هم متخندقون فيها، رغم أن تلك أيضا بها استراتيجيات للتوسع الوهابي، إلا أني لا اجد فرقا واسعا بين التنظيمين فكل منهم يسعى لهدف واحد وهو السلطة من أجل القتل وإقصاء غيره، حتى أن تظاهروا بالوسطية المزيفة فهم مجرمون ونازيون حتى النخاع ..

وفي الآونة الأخيرة راجت تجارة وصناعة من انتاج الأتراك كالدجاج والأثاث والملابس، وصدرت فتاوى في موريتانيا تفيد بأن الدجاج التركي حلال وهو الذي قد يضمن لآكله الخير مثل ماكان يروج المشعوذ عمرو خالد في برنامجه الشهير "دجاج الوطنية"...

ان إنعاش الاقتصاد التركي لايمكن إلا إذا تم حشوه بعناوين تطفوا على السطح وتحمل في دلالته رمزا للخلافة، وان كانت مجرد مفاهيم صورية تحدث نشوة لدى الشعوب الغوغائية ، أن ثقافة التناقض هي المحرك الوحيد لنهج المرشد فهو يعلم جيدا كيف يتصرف اذ ينافق كي يرضي للأطراف التي تطبل له ، بينما يطأطأ رأسه تجاه القوى الكبرى التي تحكم العالم اقتصاديا وتكنولوجيا ، فمثلا يتشدق بأن إسرائيل دولة قمعية وحكامها مجرمون وتجب محاربتهم ، بينما يعرض الاتفاقيات سرا بينها وتربطه بها علاقات وطيدة ، كان آخرها افتتاح مشروع اقتصادي مهم بين البلدين ، ينظر للإنسانية وحق الأقليات، بينما يشن حربا طاحنة ضد الأكراد وينكل بهم ويسجن ويعذب قياداتهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم، يتحدث للقطعان التقليدية التي تأيد سياسته الملوثة بأن تطبيق الدين هو الحل وأنه يحكم بالشريعة فيما اسطنبول أكبر المدن التركية احتضنت مظاهرة مليونية داعمة للمثليين ، والذين هم موجودون في تركيا ، وتشدق أنصاره الأغبياء بعبارات وسخة تجاه النظام التونسي لأن تونس أعلنت المساواة بين الجنسين ، فيما الدستور التركي يساوي بين الجنسين في كل شيئ ، يصيح بأن الدين واحد وهو في دولة متعددة الأديان والثقافات، والقائمة تطول وفي كل مرة يدفن هؤلاء القطعان رؤوسهم في الرمال حين يضربون بفقعات الواقع الصلب ..

سيقول لك الإخونجي بأن أردوغان صنع نهضة لامثيل لها وأنه طار للفضاء وجلب الكواكب ورجع وقام بما لم يقم به أي رئيس في العالم ، أولا تركيا كانت موجودة قبل وجود هذا الشخص ولم تكن ضعيفة جدا ، وحتى بعد أن صار هو عمدة لأسطنبول كانت تركيا قد بدأت نهضتها بشكل جيد، لانخفي انه قام بإصلاحات مهمة وفي زمنه أصبح اسم تركيا أكثر تداولا هذا شيئ واقعي جدا ، لكن هذا ليس منة أو هدية للشعب التركي هذا حق الشعب التركي وان لم يعمل بجدية ستتم ازالته بكل بساطة اذا بعيدا عن المفاهيم البلاستيكية ، علينا أن نكون نقديين أكثر من أن نخضع لأي منطق ارتجالي غامق...

لكن كان يمكن أن يجد هذا الإخونجي لنفسه طريقة كي يلمع بها نفسه غير نشر الخراب وتمويل الإرهاب في الدول الأخرى ، لأن الماكينات الإعلامية لديه تصب الزيت على النار وتبدع في صنع القرار من محض الخيال، ولعل قطر هي الصورة المصغرة عن تركيا المعربية التي لاتتقن سوى نشر الحقد والكراهية والترويج للمقاومة الوهمية أن هذه المحطة تمتلك رصيد لاينفد من الخرافة وصناعة الحقيقة من الخزعبلات ومزج الغيوم بالرمال ووضع الكتلة الجليدية في عبوة ساخنة ورميها على شكل قوس قزح ورصده على أنه خبر عاجل ومؤكد..

وابسط دليل على أن الاقتصاد التركي ليس نموذجا يحتذى به ، أنه منذ أشهر نشر الرئيس الآمريكي تغريدة له على موقع تويتر تسبب في هبوط قيمة الليرة التركية وهو ماشكل خوفا لدى النظام التركي المنهار نفسيا ودبلوماسيا، وبعد أن دخلت الوساطة من جهات مؤثرة تمت المفاوضات على حزمة من المواثيق تم من خلالها تركيع هرم السلطة في تركيا لشروط القوى الكبرى ليجد المرشد نفسه لاشيئ أمام الدول المتقدمة..

منذ سنوات رجعت للوطن في عطلة قصيرة جدا ، لكني تفاجئت من صعود الدراما الهندية بشكل مستفحل حيث لايكاد يخلوا بيت موريتاني منها، طبعا هنا لا أعني الأفلام الهندية لأن تلك كانت موجودة منذ زمن بعيد، لكن ما أعنيه المسلسلات المدبلجة باللهجة السورية أو لغة أهل الشام حيث يعكف الجميع تقريبا على مشاهدة هذه المواد الثانوية بكل تفاصيلها واثرت بشكل غريب على حياة الناس وخاصة الفتيات، هذا دون أن ننسى أن الدراما التركية بشقها الفني ظلت موجودة لكن تم تغلب الفكر الهندوسي على الفكر العثماني حسب عدد المؤيدين في الوسط الرمالي ، ويرجع ذلك إلى أن العقل الجمعي الموريتاني يتصور أن الهنود أكثر حشمة وتقاليدهم تقرب نوعا ما للبيئة الموريتانية التي يطغى عليها الزي الموحد والفكر الأحادي، وتم مزج كل هذه المؤثرات الصوتية في قفص من حديد وتم تحويلها إلى واقع جزئي ، فظلت الفتاة عندنا غالبا ترصد ألوان الفساتين وطريقة المكياج الهندي ولون الشعر التركي، وانطلقت نسبة معينة من الفتيات من ذلك الحيز لفرض تصورهم الجديد تجاه الجمال رغم ضعف الامكانيات وانعدام الرصيد المعرفي، فبدل الانصياع للواقع المعاصر والاتجاه نحو الدراسة التي هي البوصلة نحو التميز والسعادة الذاتية، تم تقليب الوجه إلى ثقافة الشكل وفن القشور، ونميز هنا نوعين من التخبط..

التخبط بشكل فردي أي أن الفتاة تعرف جيدا أنها ضغيفة ماديا ولم تدرس وبالتالي لن تتوظف بشكل لائق ولهذا ستمتهن ظاهرة جديدة يطلق عليها "التسدار" وطبعا نفس الفكرة تنطلق على الرجل الموريتاني فهو أيضا مهووس ومكبوت وغالبا لايكتفي بزوجته بل يخونها مع أخرى تحت مسمى "التسدار" وكما اسلفت هذا المصطلح يطلقه الموريتانيون على العلاقات الآنية أو الغير رسمية فمثلا عندما تكلمك إحداهن بأن تذهب معها في نزهة بالسيارة وتشتري لها بعض الحلوى أو تجلسون في مطعم راقي أو تتقابلون في فندق من أجل التعارف بشكل ملموس فهذا يسمى "تسدار" ، قد تستمر تلك العلاقة السطحية المبنية على الرغبات الآنية وقد تنتهي في نفس اليوم فهي تريد المال والمكان والمعاش المؤقت وهو يريد أن يفرغ شهوته بأي طريقة وهكذا ينتهي الأثنان من ترتيب جولتهم المميزة على الطريقة الهندوتركية ليرجعوا للمجتمع التقليدي فيظل يصيح كل منهم عن الأخلاق وأهمية احترام الزوج لزوجته وان الحلال أفضل وان الحرام هو السبب في جحيم المجتمع ، وأنه على المرأة أن تتزوج كي تبرأ ساحتها من العنوسة المادية ..

التخبط الكلي وهو أن المجتمع تقريبا نساء ورجال أصبح يرى أن تلك الشعوب هي الأفضل لمجرد مسرحيات وقصص خيالية لم تنتج وعيا أو طفرة صناعية أو علمية، فزاد خراب البيوت وانتشرت معدلات الطلاق والجريمة وتنامى مؤشر الكسل وظهرت التأثيرات الجانبية للإحتباس الحضاري، وتغيرت أنظمة المناخ الاجتماعي من البساطة إلى رفع أسعار الذهب والفضة والمهور وبذلك زادت تذكرة قطار الزواج عدة مرات وأصبح المتزوج يحتاج أن يملك ثروة كبيرة ومن هنا تمت تعزية الحب والترحم عليه لأنه لم يعد هو المعيار فكل شيئ اليوم في موريتانيا ينظر لسعره الرقمي وليس فائدته أو قيمته المعنوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني